عبده ربل
 

عمر القاضي

عمـر القاضي / لا ميديا

جئت من مدينة تعدادها نازحون. تحالف غازٍ يحررها صباحاً ومساء.
نازح من الحرب والقصف إلى القصف في عطان، في نقم، إلى جوار الصيانة، إلى هنا حيث أنا قاطن الآن؛ بالتحديد قرب جولة تكتض بالدراجات وبائعي الفل والفراولة والمتسولين. أمامي لوحة إعلانية عريضة علقت عليها صور شهداء سقطوا في الغارات الأخيرة الحقيرة التي استهدفت أسرة غالبيتهم أطفال. على يميني بنك فارغ ومقبرة بعيدة جديدة افتتحها مستثمر يحشر فيها جثث الموتى وشهداء الحرب والقصف والانفلونزا والكوليرا والحوادث و... الخ، بطريقة موحشة. على يساري محلات صرافة وسوبرماركات عملاقة فخمة يقف في بوابتها مشردون جوعى ومعاقون يتسولون المتسوقين بالدعاء لهم وأحياناً يدعون عليهم. أنا النازح من أرضي إلى وطني حيث تتفاقم المشاكل الأسرية، ويرتص المرضى طوابير في طواريد المستشفيات الخاصة، لتستقبلهم بمقاصل الموت والأخطاء الطبية والتكاليف الباهظة. داخل وطني أيضاً تنشط منظمات انتهازية توزع غثاءها سلالاً غذائية ليلتقط عمالها صوراً جوار الفقراء كي يتاجروا بجوعهم وملامحهم الحزينة دولياً.   
في وطني العظيم موظف ينتظر نصف راتب، قيل له إن ماليتنا المتمايلة ستصرفه بعد شهرين أوراقاً نقدية مقطعة؛ والله اعلم! هنا أيضاً قابلت مزارعاً فقد كل محصول مزرعته بسبب الحصار وأزمة المشتقات النفطية،
 وحالياً ينتظر شاحنة فواكه معطوبة استوردها من الخارج يحتجزها التحالف في عرض بحرنا تحت ذريعة تهريب الأسلحة لأنصار الله. أرأيتم كم هم حريصون علينا من البرتقال والباميا والأدوية والبيبار؟! إلى وطني المحاصر تهرب المواد الغذائية والأدوية والمبيدات المنتهية الصلاحية لتباع بأسعار باهظة، لأن مهربيها كتبوا عليها: "صديقة للبيئة ولعبده ربل"، وأنصار الله والجهات المعنية تعرف ذلك جيداً. 
لوطني تاريخ عريق وشعب عتيق غابر، بسلمه، بأخلاقه وشجاعته. في وطني شعب عظيم مظلوم يُعتدى عليه. في وطني شعب منسي بحزنه، بجراحه... لكنه يعرف كيف يرد ويلقن كل معتدٍ غازٍ دروساً قاسية تليق به إلى الأبد.

أترك تعليقاً

التعليقات