الراديو والمعلق الرياضي
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -
أمس الأول تابعتُ مع صديقي أحمد مباراة المغرب مع بلجيكا عبر الراديو. يا لطيف على عذاب للخيال! لا شيء أمامك لتشاهده غير الحائط والقلافد، وأنت تستمع لصوت معلق بصمت وتتخيل وتخمن مواقع اللاعبين وتحركاتهم وسط الملعب! تتابع بخيال مشتت وأكبر من دولة قطر نفسها.متابعة المباراة عبر الراديو مبتورة وغير واضحة. أيضاً لا تعرف أين يقع مرمى المنتخب الذي تشجعه بصمت. ولا تعرف أيضا مرمى خصم فريقك وفي أي اتجاه. صوت المعلق وخيالك هما من سيختاران الأماكن واتجاهات المنتخبين. الفريقان يركضان وسط ملعب غيبي، وأنت عاجز وغير قادر على مشاهدته، ولا تدري أين يتحرك اللاعبون أو الكرة، لذلك تبقى تشاهد عبر خيالك وصوت المعلق مباراة غير واضحة ومظلمة. ما إن يصرخ المعلق ويولول كنا نعرف خطورة الهجمة أنا وصديقي أحمد الذي يفتح عينيه ويحدق نحو الباب باتجاه الشارع مع كل ارتفاع صوت المعلق.
مباراة منزوعة الإثارة والحماس، وأنت تتابع وتسمع عبر راديو، صوت وشيشه يطغى على صوت المعلق أحيانا. حتى وقت تسديد الأهداف كنا نفرح ونصرخ بعدما تدخل الكرة مرمى المنتخب البلجيكي بثوانٍ. وكعادتهم أغلبية معلقي المباريات يصرخون بجمل إنشائية تؤكد لك إن كان هدفاً أم لا. هكذا: «قوووييييييييية يا الله، مش معقوووول!!». وما ينطق كلمة «جوووول» إلا وقد الكرة دخلت مرمى البلجيك قبل ثوانٍ عديدة، وقد خرجت من المرمى، ويكون العالم أجمع قد شاهد الهدف عبر الشاشات الملونة. وأنا وصديقي نبدأ نصرخ: ياااااي! جووول! ونحن في مكاننا قاعدين ونعود للصمت مجدداً. هكذا ستكون فرحتك أثناء تسديد منتخبك للأهداف في مرمى الخصم وأنت تتابع ذلك عبر راديو غير جدير إلا أنه يجعلك تصرخ: «ياااااي» فقط وتصمت!
لم نتصافح أنا وصديقي، ولم نجري كما يفعل مشجعو الشاشات المرهفة. لماذا سنتصافح ونحن نتابع مباراة من الراديو وعبر صوت معلق ولا نعرف كيف حدث هذا الهدف؟! أيضاً لا نعرف موقع مرمى خصم فريقنا المغربي، ولا نعرف حتى شكل اللاعب الذي سجل الهدف، وفي أي زاوية بمرمى الخصم.
كل أساليب الإثارة والتشويق المعروفة للأهداف والهجمات الخطيرة منزوعة، وأنت تتابع مباراة عبر راديو بدقل (هوائي) مكسور، وبخيال غير مضبوط ويشرد عليك مع برودة المباراة.
فقط خيالك هو الذي يرسم كل شيء في المباراة، وليست شاشة قنوات «بي إن سبورت» الرياضة؛ ناهيك عن شرود خيالك المنهك بين الفينة والأخرى. عندما يخفض المعلق صوته ينقل خيالك لا إراديا بعيداً عن نطاق المباراة والملعب، ولا تعود إلا عندما يصرخ مجددا لهجمة خطيرة، ولا تدري لأي فريق إلا بعد أن ينطق اسم الفريق صاحب الهجمة الخطيرة.
لن أقول لكم مشاهدة ممتعة عبر الراديو. سأقول: متابعة متعبة، وأنت تركض بعد كلمات وصوت معلق جهوري وعال، كان يترك الحديث عن المباراة ويذهب يتحدث ويسرد معلومات رياضية لمنتخبات ولاعبين، وأتذكر أنه قام يسرد التاريخ الرياضي لمدرب منتخب المغرب، من أي ولاية (محافظة)، وكم عمره، وما الذي حققه في حياته الرياضية، وأضاف أنه يعتبر أفضل لاعب مغربي حتى اللحظة، وأنه أصبح مدرباً لمنتخب بلاده المغرب و... و... إلخ، ومن تلك المعلومات الرياضية التي لا تسمن ولا تغني من جوع في سبيل إثراء وتثقيف مشاهدي الشاشات الذين لا يأبهون لمعلومات كهذه كمتابعي الراديوهات الذين يدققون في كل كلمة ومعلومة ينطقها المعلق بعد أن يعجز خيالهم عن رسم خارطة الملعب وتحركات اللاعبين و... إلخ كما يجب، ناهيك عن الوشيش الصادر عن تضارب الموجات الصوتية في الراديو، فيتوارى صوت المعلق الذي لا يعرف أن الآلاف من البشر يتابعون ويسمعون صوته وكل كلمة ينطقها، ويفترض أن يساعدهم في ترتيب تعليقه بسرد الأماكن والاتجاهات وتحركات اللاعبين وسط الملعب وإثراء خيال متابعي الراديو بالمعلومات؛ ربما قد يفيد ذلك خيالهم لتكتمل وتوضح لهم رؤية المباراة أكثر!
وأخيراً: يعتبر الراديو أقدم وسيلة إعلامية، وهو الوحيد الذي يوسع الخيال، ومازال يذكرني بالماضي!

أترك تعليقاً

التعليقات