شعب يعجبه اللمس
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -

كل التحذيرات الصحية الواردة من منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة وشركات الاتصالات في اليمن، قد يأخذها المواطن اليمني بعين الاعتبار، ما عدا تحذير عدم لمس الأنف والعينين والفم والوجه وبقية الأشياء باليد. هذا التحذير ربما سيكون صعباً على شعب يديه شغالة على مدار 24 ساعة.
أنا هنا أتحدى أي شخص يشتري علاقي قات من المقوت بدون ما يلمسها ويتحسسها بيده، ليعرف ما إن كانت ثقيلة أو خفيفة.
اليمني بطبيعته كائن حساس، يعجبه يحس ويلمس أغلب الأشياء أمامه، ليقيس قيمتها عبر لمسها بيده. ليعرف ما إذا كانت جيدة أم لا. وما إذا كانت ناعمة أم خشنة، ليعرف ما إن كانت مخارجة معه أو لا. لذلك تشاهده يمر من جوار عمود كهربائي يلمسه بيده. ولا أعرف لماذا يلمس عموداً كهربائياً.
تشاهده يمر من جوار سيارة يلمسها بيده. وإذا عاد الفريم حقها مليان غبار ستشاهده يكتب اسمه على الفريم، وأنا طبعا واحد من هؤلاء الذين ذكرتهم في مقالي هذا.
شعب يده شغالة ومن دون توقف، يده شغالة من عند الإبط ينتف ويرمي، ثم يغمسها في قعر أنفه حتى إخراج آخر...، ثم تنتقل يده ليلوي شعر رأسه ويرجع يفحس عينيه 
أتحداك تذهب إلى مقيل وبحوزتك هدية صغيرة أو تلفون جديد اشتريته للتو. وأنت تعرف الشجن عند الأغلبية. لذلك أغلب الحاضرين في المقيل لن يكتفوا بمشاهدة الهدية ولا التلفون الجديد. ومن المؤكد أن الهدية حقك ستمر على الجميع ليلمسوها ويتحسسوها بين أياديهم. وإذا مانعت ذلك سيحكمون عليك أنت وهديدتك أنك ما عندك ثقة، وهديتك مش حلوة، فقط لأنك رفضت أن يلمسوها.
شعب نزغة لا يكتفي بمشاهدة الأشياء عن بعد، ولا يثق بحواسه الأخرى. فتشاهده يمسك الأشياء والسلع ثم يبدأ يبايع عن سعرها.. هذا من كم؟ يدخل المتحف الحربي ولا يكتفي بمشاهدة سيارة الإمام ومقتنيات المتحف العالقة خلف الزجاج، فيقوم يمسح الزجاج بيده.
شعب يغمس يده وسط بالدي الماء وسلك السخان السفري مشبوك، يغمسها ليعرف ما إذا كان الماء حاراً أو لا، حتى لو تكهرب.
شعب بسيط ومتواضع وعلى نياته، يعجبه لمس الأشياء، ويطعم كل شيء أمامه. تتذكرون زمان أيام ساعات اليد نوع سيكو، وكاسيو، و... و... و... عندما كانت تتوقف الساعة في يده يقوم بفتحها ويخرج بطاريتها ويتذوقها بلسانه ليعرف ما إذا كانت البطارية حية أو ميتة. 
شعب يعد الزلط ثم يلحس أصابعه بلسانه لتساعده على سرعة العد، يرطب السيجارة بلسانه. يختبر ذكاء وغباء طفله ذي السبعة أشهر بإشعال الولاعة ثم يقربها له ليلمسها. إذا خاف الطفل حكم عليه بالذكاء، وإذا لمس الطفل شعلة الولاعة، حكم عليه الأب بالغباء. 
يمر اليمني العظيم من السوق فتشاهده يقف جوار أطرف بائع للبلح (المناصف) أو جوار عربية العنب أو الدوم أو الزبيب أو الزعقة، ثم يمد يده ويتطعم. يبايع المقوت على علاقية قات فتشاهده يفتحها ويتطعم. وليست هذه الكارثة. الكارثة عندما يقوم المقوت يفتح فمه ويدعيك لمشاهدة نجعته ليؤكد جودة قاته. هذا في حالة أنه لم يتفاعل ويقوم بإخراج قليل قات من فمه إلى قاع يده لأجل يقنعك هكذا: «شوف على قات». الله يخارجنا بس من «كورونا». 
أغلب المواطنين يجهد جميع حواسه ولا يكتفي، ثم يشغل يديه لأجل معرفة قيمة الأشياء.
وكما تعرفون جيدا هناك الكثير من الأشخاص أثناء حديثه معك لا يكتفي أنه يحدثك بفمه، لأن يده أيضا تحدثك. مثلاً يقلك وبعدين أنا... و... و... الخ. وفعلك خبطة بيده على كتفك. ولا يدقصك بالرأس. يقول لك كلمة، وخبطك معاها خبطة بيده. هو أصلاً لا يثق أنك تنصت له إلا إذا دقصك أو خبطك بيد. وإذا أنت بعيد عليه يتناول عود قات أو أي شيء أمامه ليرميك به لكي يجذب انتباهك، أو يخرج عينك.
شعب أيديهم شغالة في لمس الأشياء، ولا أستبعد هنا أنهم أنتجوا تلفونات اللمس عشان هذا الشعب العظيم يلمس.
شعب يعجبه اللمس. ولا يمكن يشتري سلعة إلا بعد أن يلمسها ويمسحها بيده. وفي حالة منعته عن اللمس يصدر حكمه على السلعة أنها غير جيدة، ويمتنع عن الشراء.
أتذكر قصة لطالب كان يريد أن يسافر إلى كوبا للدراسة. طبعاً هذا الطالب معروف أنه صلف، ويديه شغالة دوماً. يعني مافيش حاجة يشاهدها إلا ولمسها.
وكان هناك شخص آخر فضولي من القرية، عرف أن هذا الطالب بيسافر كوبا. فذهب إلى والد الطالب ليتأكد من الخبر. قال له: سمعت أنك بتودي ابنك يدرس دولة كوبا.
فرد الأب عليه: أيوه. فقال الفضولي: بس أنت تعرف أن ابنك صلف ويداته بسسه، مافيش حاجة إلا ولمسها. فرد الوالد: طيب وما علاقة صلف ابني بذهابه إلى كوبا يدرس؟ فقال الفضولي: أصلاً في كوبا أسلاك الكهرباء منخفضة، وممكن لو رفع ابنك يده يمسك الأسلاك يتكهرب، مش نفس عندنا الأسلاك مرتفعة. طبعاً والد الطالب رد عليه بالقول: أقسم بالله ماعد يفعل ابني خطوة. 
أغلب اليمنيين يحبون اللمس، ولا أعرف كيف هذا الشعب المسكين سيلتزم بعدم اللمس لتجنب «كورونا». أرجو من الجهات المختصة أن تكون تحذيراتها للشعب عن «كورونا» مركزة في موضوع اللمس بشكل كبير.. فقط باستطاعتكم لمس صحيفة «لا» وقراءتها.

أترك تعليقاً

التعليقات