القايش والزر
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -

كان مع والدي العظيم قايشين متشابهين بلونهما الأخضر الفاتح، عليهما جيوب صغيرة جلدية «أبو طرقة» بلون أصفر وتقع وسط القايش تماماً. أبي يرتديها دوماً على مقاطبه (معاوزه)، لتقوم بشدها وتثبيتها وتبقي المقطب متماسكاً إلى أن يعود والدي وقت المغرب ويستبدل المقطب والقايش الذي يرتديه بآخر.
القايش والبعض يطلق عليه «الكمر»، وكلا الاسمين لهما كانت تبعث لدي الفرحة والسعادة. أما والدي فكان من النوع الذي ينسى أماكن وضعه للأشياء الصغيرة، بعد أن يستبدل المقطب والقايش بمقطب وقايش آخر، ويطمرهم بين ملابسه في نافذة غرفة بيتنا الداخلية المغلقة من الخارج بأحجار.
أحياناً أكون متواجداً بنفس الغرفة أثناء عملية استبدال المقطب والقائش التي يقوم بها والدي وقت المغرب على عجل ثم يغادر الغرفة أثناء هذه العملية كنت أراقبه بصمت، وعلى أساس أننا منشغل بالمذاكرة. وما إن يغادر والدي ويترك القايش الذي كان يرتديه على مقطبه في النافذة، كنت أقوم مباشرة بتفتيش القايش بحثاً عما تبقى فيه من (فليسات). كنت أحياناً أعثر على فليسات وأعود إلى بقعتي والفرحة تغمرني، وهذا طبعاً كان يحدث نادرا.
أما في الأغلب فقد كنت أفتش جيب القايش الصغير فأعثر على حبة زر (قرنفل) أو رقم هاتف مسجل على ورقة صغيرة، ولا يستبعد أن يكون رقم أحد أقاربنا المغتربين في صنعاء. وبعد أن أعثر على حبة الزر أحيانا أشاهدها بزعل، ثم أعيدها إلى جيب القائش مرة أخرى، ليقضمها والدي العظيم في اليوم التالي بين القات لتخدير لثته الملتهبة. أو أقضمها أنا فور عثوري عليها لإطفاء الانكسار والزعل ولو بحبة زر. 
وفي إحدى المرات عثرت على ورقة 100 ريال في جيب القايش، وخبأتها في جيبي وبقيت مرعوباً إلى أن عاد والدي من الدكان يبحث عنها. وعندما شاهدته يفتش جيب القايش بعناية سألته: أيش تدور؟! لم يقل الـ100 الريال، بل قال لي مباشرة: أخذتها؟! عندها ضحكت، فاقترب مني وقال لي: جيبها يا كلب، هذه حق العلبة الحليب.
والدي من الذين يشربون الشاهي بالحليب بعد القات، إلا أنه لا يقبل بشرب أي شاهي حليب صلحه شخص آخر، ولا يشرب إلا شاهي هو من يقوم بعمله بيديه وبمذاق مسبوك.
ذكرت قصة قايش والدي، بسبب رؤيتي قايش صديقي الرائع محمد الصلوي، الذي يشبه قايش والدي باللون والشكل تماماً. يختلف عنه فقط، أن جيب قايش الصلوي مفرغ من الفليسات، وحبة الزر، ورقم التلفون المكتوب على الورقة الصغيرة.

أترك تعليقاً

التعليقات