الجرد القاتل!
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -
في الشهر الأخير من عام 2022، التجار مشغولون بالجرد، بعد أن جردوا المواطن الغلبان طوال العام وأخذوا منه كل ما يملك، ولم يعد قادراً على شراء لقمة عيش لأسرته. سينتقلون إلى جرد بضاعتهم وديونهم وأرباحهم الطائلة والخيالية.
التجار لا يخسرون بتاتاً؛ يكسبون دوماً. يخسرون فقط الإنسانية والرحمة والقيم؛ لأجل يكبر ويتوحش رأسمالهم. وحدكم أيها الفقراء تخسرون لأجل شراء كليو سكر أو كيلو طحين، حتى لا تخسروا قيمكم وأخلاقكم! وحدكم أيها الطفارى تنكسرون! وحدكم تبكون وتمسحون دموعكم بقفا أياديكم وبأطراف الغُتَر! وحدكم تمترون الشوارع ذهاباً وإياباً وعلى أوجاعكم تخطون! وحدكم تخفون ضعفكم وحاجتكم تحت عزتكم وكرامتكم! إذا صادفكم أحد وعرض عليكم المساعدة والخدمة تقفون أمامه بشموخ وأغنياء وأعزاء وتودعونه بكبرياء وبـ«الحمد لله» و«الله كريم»!
أنت يا صديقي المنتوف، يا من تلبج القملة بصميل، يا من تلازم منزلك هرباً من ملاحقة المتخلصين، يا من تمشي مسافات على قدميك لأنك لا تملك في جيبك غير هاتف مدقدق، وبطارية خاربة، وحبتين زر، ومسواك، ومسبحة، وبطاقة قديمة انمحى منها جزء من اسمك ورقمك الوطني... وأنت غير قادر على تجديدها في مصلحة الأحوال، ولا حول ولا قوة إلا بالله...!
تمشي في الشوارع وتُشعر الآخرين بأنك تهوى المشي والرياضة! تمشي بحذائك المثقوب! يا الله ما أرحمك! فحتى الحَدِيدة التي تطلق كرمزية وتعبر عن فقرك المدقع لم تعد تمشي عليها! أنت تمشي تحت الشمس الساطعة وبين البرد وفي الهواء الملوث والمشحون بأدخنة الدراجات ووسائل النقل الخردة!
أنت أيها المسكين الفقير الذي نسيت نفسك بدون قصد وبدون إرادتك! نسيت كل شيء ما عدا كرامتك وعزتك! نسيت الزمان ومتى نهاية وبداية الشهور! لم يعد شيء يذكّرك بنهاية الزمان! لا راتب شهري، ولا أمنية تسمو في بالك حتى تحسب قرب موعدها! فالحسبة اطست عليك! أتعرف أن التجار والصرافين والمستثمرين بأسماء مستعارة هم فقط من يحسبون الزمان ومواسم المنتجات والبيع والشراء والمنتجات القريبة الانتهاء فيعجلوا بيعها لك؟! يحسبون كم مرت أيام وكم تبقى لقدوم منتجاتهم المستوردة من الخارج! أيضاً في هذه اللحظات تعرف أنهم يحسبون دينهم الذي عندك! إيه والله يحسبون كم لهم عندك، بعد أن جردوك ونتفوك طوال العام، وسلبوك كل قرش كان في جيبك!!
الآن يتفرغون لجرد أرباحهم في هذا الشهر الأخير وما لهم وما عليهم. وبعد أن ينتهي الجرد سيخرجون لك بسياسة جديدة متوحشة للعام القادم، وكيف يجردون حتى جيوب ظلك! وكم كنت وحدك بينهم وهم يسرقونك ويجرودنك، وأنت تبكي وتذرف دموعك بصمت!
يا صديقي الكادح، امضِ شامخاً عزيزاً كما عهدناك، وحسك تضعف وتقوم تجرد حزنك وحاجتك وغلبك ودمعك، والمرات التي عجزت فيها عن تلبية طلبات أسرتك وأطفالك! ابقَ كما أنت، شامخاً قوياً عزيزاً، وكلما ضعفت رد على نفسك بـ«الحمد لله» و«الملك لله» و«القوة لله»! فالكريم والقوي والعزيز لا يحب الجرد!

أترك تعليقاً

التعليقات