تغيير اسم
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -

اتصل بي والدي من القرية أثناء ما كنت أشتغل بصحيفة الثوري. وكنت وقتها أكتب مقالاً ساخراً أسبوعياً في الصفحة الأخيرة. أبي في بداية الاتصال بدأ يتودد لي: كيفك. قلت له: الحمد لله، وأنت يابا كيفك. قال: بخير نحمد الله. ثم سألني وهو متفاعل وزعلان: أنت ابني ولا مش ابني؟ فضحكت، وقلت: لا، أنا ابن عبده مهيوب. قال: إذا أنت ابني بالفعل وتحترم وتحب أبوك، بتكتب اسمك الكامل في المقالات حقك. 
طبعا أنا كنت أكتب مقالاتي في الصفحة الأخيرة لصحيفة الثوري باسم عمر القاضي فقط. 
ولأن الصحيفة كانت تصل إلى مدينة التربة كان يأخذها رفاق وأصدقاء أبي، ويقرؤون مقالي الساخر بإعجاب (ولا أمدح نفسي هنا)، وعندما يلتقون أبي يسألونه: يا قاضي هذا عمر القاضي من الأسرة حقكم وإلا شرعبي. أبي يضحك ويرد عليهم: هذا ابني.
طبعا بعض أصدقائه ورفاقه مكسورين ناموس لا يصدقون أبي وأنه الذي يكتب بصحيفة الثوري هو ابنه، فدخل بينهم تحدٍ وعناد، ويبدو أنهم تمسخروا عليه وأشعروه أنه متسلبط ويدعي بأن عمر القاضي ابنه، وكان هذا هو سبب اتصاله بي. فقال لي: إذا أنت ابني وتعزّني وتحترمني وتحبني اكتب اسمك الكامل بالصحيفة، لأن رفاقي هنا لا يصدقون أن الذي يكتب بصحيفة الثوري ابني.
وأضاف: يا ابني حرام عليك، لقد خذلتني بعدم كتابة اسمك الكامل في الصحيفة. حينها زعلت عليه وشعرت بحجم المعاناة التي يعيشها أبي هناك في مدينة التربة وهو يحاول أن يثبت لرفاقه أن هذا الكاتب ابنه. قلت له: خلاص، على طول، من هذا المقال بكتب عمر عبدالعزيز القاضي. حينها فرح أبي كثيرا، وقال: أيوه أفدي روحك يا ابني، أنا الذي درستك وعلمتك. أنا الذي فعلت كل شيء عشانك. قلت له ممازحا: يا أبي لكنك ما وقفت معي ولا صرفت علي أيام الكلية (كما أحيان أقع مكسور ناموس).
 يوم الإصدار ذهبت إلى صحيفة الثوري وكتبت مقالاً عن الراتب حق والدي، وكيف تكون الأجواء بالنسبة لنا في يوم استلامه الراتب، وتطرقت لتفاصيل كثيرة، كله عشان أبي، وفي حال أن رفاقه ما صدقوه كمان بالاسم، فإنهم لن يفلتوا من التفاصيل عن والدي التي حشوتها داخل المقال. بعد أن أكملت المقال، أرسلته لفتحي أبو النصر. فتحي يشتي يقع مزاجي فقط على عمر القاضي ويمنع نشر المقال حقي، فكان في بعض حالات يمنع النشر تحت مبرر أنه مخالف لسياسة الحزب.
ذلك اليوم قلت إذا ما ينشره «فتوح» بتكون ليلة الجن عليه وعلى الصحيفة، لأن الموضوع فيه إثبات حقيقة لأبي بين رفاقه الأوغاد، أيضاً فيه إثبات هوية واعتزاز وافتخار وانتصار لوالدي العظيم. قلت يا أنا يا الصحيفة. لكن الحمد لله «فتوح» وافق على النشر وأن أضيف إلى اسمي عمر اسم أبي عبدالعزيز القاضي، ويكون الاسم عمر عبدالعزيز القاضي. قال لي «فتوح»: الاسم طويل، قلت له: الاختصار يا «فتوح» مش للأسماء والآباء، الاختصار للجمل الإنشائية.. قال: يلا تمام عشان أبوك.
طبعا وافق بعد أن حكيت له القصة، وتم نشر المقال باسم عمر عبدالعزيز القاضي، ووصلت الصحيفة إلى مدينة التربة في اليوم الثاني، المهم أبي راح اشترى الصحيفة وجلس ينتظر رفاقه واحداً تلو الآخر، فكان كل من يصل البوفية يعرض له الصحيفة، ويقول لهم: اقرأوا هنا، عمر من؟ وهم يقرأوا: عمر عبدالعزيز القاضي. فيقول لهم: ابني ولا مش ابني. وهم يردوا عليه: ابنك وكيف.
أبي انتصر يا جماعة بعدما نزل اسمه مرفقاً باسم ابنه عمر. اتصل بي الظهر في نفس اليوم، وهو يضحك: أنت ابني العظيم، أنا أفتخر فيك. وفي أحد الأيام سافرت للقرية، فأخذني أبي إلى مدينة التربة، عشان يعرفني برفاقه ويثبت لهم أيضا الحقيقة أكثر.
وبعد أسبوع حنبت بحق الطريق، فقلت له مهدداً: دبر حق الطريق ولا رجعت اسمي الأول بالصحيفة عمر القاضي بدون عبدالعزيز. رد علي: ماعد يهمني، قد كل الناس يعرفوا ومتأكدين أن عمر القاضي اللي يكتب بالصحيفة ابني. وأضاف: اطلع اختبر حقك المواد المتبقية.
حفظك الرب يابا.

أترك تعليقاً

التعليقات