خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -
من المعروف أن الأنصار اشترطوا حل القضايا الإنسانية قبل المضي نحو المفاوضات النهائية، ومن أهم وأبرز القضايا الإنسانية التي اشترط الأنصار حلها هي الحصار (المطار والميناء)، والأسرى، والملف الاقتصادي بمجمله، ومن ضمنه المرتبات التي تسبب العدوان بانقطاعها، لكن للأسف الشديد هناك تقصير فـي نقل المطالب.
ويتحدث البعض عنها بخجل وكأنها تنازل سيقدمه تحالف العدوان، وهذا شيء طبيعي، لأن سقف مطالبنا لم يرق للمستوى المطلوب بسبب عدم فهمنا لحقوققنا ولحجم انتهاكات تحالف العدوان، فمثلاً، قبلنا برحلتين جويتين أسبوعياً وإلى وجهات محددة (مصر والأردن) ولفئة معينة من المسافرين، بينما كل القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية تضمن حرية وحق التنقل فما بالكم بتنقل وسفر المرضى وكل من هم بحاجة إلى الرعاية الطبية، فما المبرر بأن تكون رحلتان لا أكثر؟! وما المسوغ القانوني الذي يجعلها محددة إلى دولتين فقط؟!
لقد حدث تنازل رهيب من طرفنا بهذا الشأن، وهذه هي الحقيقة، نحن من قدم التنازل وليس تحالف العدوان، وعندما هبط سقف مطالبنا إلى هذا المستوى كان ذلك بمثابة ضوء أخضر للعدوان للتنصل من بنود الهدنة التي أساسا قبلنا بسقفها الهابط، فزيادة هبوط السقف لن يضر مادمنا قبلنا به هابطا بهذا الشكل، لذلك لم تقلع إلى القاهرة إلا رحلة واحدة فقط، وكان إجمالي عدد الرحلات هو 18 رحلة من إجمالي 32 رحلة، لقد ذبحونا، فما الضير في سلخنا؟
وكمثال آخر، إجمالي عدد السفن التي دخلت خلال الهدنة وفترة التمديد الأولى، أي خلال أربعة أشهر هي 24 سفينة من إجمالي 36 سفينة، وتم احتجاز جميع السفن بدون استثناء رغم حصولها على التصاريح اللازمة بعد تفتيشها، وذلك على الرغم من اشتراط وفرض تحالف العدوان علينا شراء النفط ومشتقاته عبر ميناء الفجيرة بشكل حصري، فيما الأصل هو عدم اشتراط عدد معين من السفن، وكذا عدم التقيد بالشراء من جهة محددة، فالحصار جاء تحت مسمى منع تدفق السلاح، وبالتالي هذا هو ما يجب أن يحرص عليه تحالف العدوان فقط، لكننا تنازلنا عن الأساس فسهل انتهاكنا في بعض التفاصيل كتحصيل حاصل.
هذا في ما يخص بنود الهدنة والتمديد الذي تم بدون شروط جديدة رغم أننا لو تمعنا في الأمر لوجدنا أن الواقع يقول إننا طلبنا من تحالف العدوان أن يتوقف عن مخالفة القوانين الدولية، أي أننا منحناه فرصة عدم ارتكاب مزيد من المخالفات الجسيمة حتى لا تتراكم عليه ملفات الإدانة في انتهاكاته وجرائمه ومجازره، كما أننا أيضاً منحنا العدو طوق نجاة فاحتراق “أرامكو” لايزال حاضرا في الأذهان، وهو مشهد كان سيتكرر بشكل شبه يومي إلى أن تتدمر المنشأة كليا، إضافة إلى أن بقية أهم وأكبر المنشآت السعودية كانت ستتعرض للاحتراق والتدمير، كما أن عملية “إعصار اليمن” ستعود من جديد بشكل أقوى، وكل ما كانت ستعيشه دول تحالف العدوان كان مرعبا بكل تفاصيله وجزئياته وهذا ما لا يريد تحالف العدوان أن يحدث لاسيما في ظل الحرب الروسية ـالأوكرانية التي ضاعفت الحاجة إلى تأمين المنشآت النفطية والغازية، وهناك عدة نقاط هي الأكثر رعباً من هذا كله وهي:
1. معركة البحر الأحمر وباب المندب: وبهذا الشأن حدثت مناوشات صغيرة أراد العدو من خلالها معرفة الإمكانيات والقوة البحرية التي وصل إليها الأنصار، فكانت النتائج مرعبة تماماً، حيث تيقن العدو أن لدى الأنصار ما يغرق بوارجهم الحربية العملاقة، وكذا ما يغلق المضيق خلال ساعات من صدور توجيهات السيد القائد، والأهم من هذا أن لديهم أسلحة بحرية وطوربيدات وزوارق قادرة على الوصول إلى أي هدف في ميناء أم الرشراش المحتل صهيونيا.
2. تطور السلاح اليمني بشكل يجعلنا قادرين على إصابة أي هدف في أي بقعة من أرض دول العدوان السعودي الإماراتي دون أن تتمكن أحدث تقنيات الدفاع الجوي من اعتراض مسيراتنا اليمنية وكذا الصواريخ الباليستية والمجنحة، وأكثر تجربة مريرة بالنسبة لمحور الشر والتي لا يريدون إطلاقا أن تتكرر هو استهدافنا لقاعدة “الظفرة” بغض النظر عن حجم التأثير والدمار الذي حدث إلا أن استهداف القاعدة ووصول الصواريخ والطيران المسير إليها دون اعتراض أي منها كانت رسالة مرعبة بكل المقاييس، فهذا يعني أن اليمني وصل إلى مرحلة كسر شوكة أمريكا في المنطقة، وهذا ما لم تتجرأ دول عظمى على فعله، فهناك أولاً سلاح قادر على الوصول إلى منشآت هامة وكذا إلى قواعد أمريكية، ولا يمكن اعتراضه، وثانياً هناك جرأة وإقدام وشجاعة في اتخاذ القرار، وبالتالي عمل العدو بوتيرة عالية على عدم تكرار ذلك، لاسيما بعد التصريحات المفجعة للسيد القائد وبعض القيادات والتي تؤكد أن كل ما مضى سيكون مجرد نزهة مقابل ما هو قادم.
3. معركة تحرير مأرب: وبهذا الشأن كان لأبطال الجيش واللجان الشعبية كلمتهم، وتمكن المجاهدون من تحرير إحدى عشرة مديرية ولم يتبق إلا ثلاث مديريات فقط، لنعلن تحرير وتطهير مأرب بشكل كلي، وهذا ليس بالأمر الهين بالنسبة لعدو يخفي في مأرب ومثلث الكنوز (مأرب، الجوف، شبوة) أسرار نهب سار منذ عقود، كما أن تحرير مأرب عبارة عن انتهاء العدوان لعدة اعتبارات، أهمها القضاء على مركز وغرف عمليات العدوان وكذا المعقل الأخير للإخوان وحصولنا على الغاز والنفط والكهرباء ومنافذ متصلة بأكثر من محافظة من المحافظات المحتلة.
4. معارك ما وراء الحدود: في تلك المعارك وصلنا إلى المرحلة التي بتنا فيها قادرين على السيطرة الكلية على ثلاث محافظات يمنية محتلة، وهي جيزان ونجران وعسير، ولم يكن الموضوع بحاجة إلى أكثر من إشارة وتوجيه من السيد القائد، وتأخر التوجيه لعدة اعتبارات أهمها أمن وسلامة أهالي وسكان تلك المحافظات، لاسيما في ظل حقد بني سعود عليهم والتربص بهم، واعتبارات أخرى أخرت الحسم إلا أن ذلك بحد ذاته كان مقلقا جدا للسعودية التي فقدت هيبتها وهيلمانها، وبات المجاهد اليمني يصول ويجول داخل أراضيها بأريحية كاملة، رغم أنها حشدت لحماية تلك المناطق مئات الآلاف من المرتزقة وزودتهم بأحدث وأعتى السلاح الذي كان غالباً مصيره التدمير والحرق والتنكيس على يد المقاتل اليمني.
كل ما سبق ذكره جعل العدو يهرول نحو طلب الهدنة ويترجى كل الأصدقاء ليكونوا وسطاء في التمديد الأول، وكذلك هو الوضع حالياً، لكننا للأسف الشديد لم نستثمر المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية رغم أن جميعها تصب في مصلحتنا، فرضينا بالقليل وتم القبول بالهدنة ولم يلتزم العدو ببنودها، وكان ذلك أمرا عاديا وطبيعيا بالنسبة له، نظراً لهبوط سقف المطالب اليمنية.
ورغم أننا في حالة انتصار إلا أن تعاملنا كان تعامل المهزوم المنكسر وليس المنتصر، مع أننا لا نرجو أو نأمل الحصول على مطالب غير قانونية، فكل ما نطلبه مشروع وقانوني ببنما لو كان عدونا هو المنتصر، لا قدر الله، لاستباح كل المحرمات، ونحن لا نريد غير الحق ولا شيء أكثر من الحق، وقبيل انتهاء الفترة انطلقت رحلة إلى القاهرة أو بالأصح اشترطوا التجديد قبل انطلاق رحلة القاهرة فكانت الرحلة ثمنا للتمديد، وبالتالي استهانوا بنا أكثر، لأن التمديد تم بدون شروط جديدة، بل وبدون ما يلزم العدو بتنفيذ البنود السابقة.

قبل التمديد الأول كتبت من باب النصيحة ما يقارب عشرة مقالات ومنشورات ورفعت تقريرا خاصا إلى السيد القائد عن طريق المجاهد الرائع أبو مالك الفيشي، وخلاصة المقالات والتقرير هي “لا يجب بأي شكل من الأشكال تمديد الهدنة بدون فرض شرط التعافي الاقتصادي إلى جانب ضمانات تنفيذية”، وأهم بند في هذا التعافي الاقتصادي هو إيرادات عائدات النفط والغاز (المُصدر والمُباع محليا)، وصرف المرتبات المنقطعة منذ أكتوبر 2016، وتلك ليست شروطا تعجيزية وإنما مثلها مثل الشروط السابقة الخاصة بالميناء والمطار، فطلب الكف عن نهب ثرواتنا وكذا صرف المرتبات أيضاً يعتبر بمثابة الطلب من تحالف العدوان أن يتوقف عن ارتكاب جنايات وجرائم كبرى يرتكبها بحق ملايين اليمنيين، من خلال حربه الاقتصادية وسياسة التجويع التي انتهجها بغية تركيع الشعب، لنصل إلى المرحلة التي نقبل فيها بأي حل، وللأسف الشديد تم تمديد الهدنة لشهرين بدون شروط جديدة وضمانات ملزمة حتى في مسألة تنفيذ بنود الهدنة، وكان ذلك خطأ جسيما، وللعلم والإحاطة لم يكن قرار التمديد الأخير قرارا خاصا بقائد الثورة، والتفاصيل مؤلمة بهذا الشأن، فقد كانت “هدنة أشعرية” بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ولهذا لم يتطرق السيد القائد لموضوع تمديد الهدنة في خطابه بمناسبة “يوم الصرخة”، رغم أن الخطاب كان في اليوم التالي لقرار تمديد الهدنة، وهذا على غير عادته، فقد جرت العادة أن يتناول السيد القائد أي حدث مواكب، وفي خطاب آخر أطلق على الهدنة “الهدنة المؤقتة”، وكأنه يريد أن يقول بأن التمديد بدون فرض شروط جديدة كان خطأ، وسمعنا القائد مؤخراً يتحدث عن شروط تتضمن حلولا للملف الاقتصادي، وأنه لا يمكن للهدنة أن تستمر بشكلها الحالي.
وفي ما يخص التمديد السابق فما جرى قد جرى، وها نحن اليوم على مشارف انتهاء فترة التمديد الأولى، والجديد في الموضوع هو الحديث عن المرتبات، وبهذا الشأن أرجوكم غاية الرجاء ألا تخفضوا السقف، فالحق كل الحق معنا شرعا ووفقا لكل القوانين والأعراف، كما أن العدو بحاجة إلى الهدنة والسلام أكثر من حاجتنا إليهما، فلا تكرروا الخطأ وتضيعوا الفرصة، لاسيما وأن الحديث يجري عن تمديد لستة أشهر، فالعدو يراهن على الانفجار المجتمعي الذي يريد أن يصل إليه عبر إثارة سخط المجتمع بسبب زيادة عوامل الخنق والتضييق على الشعب، وهي مهمة يتم تنفيذها عبر التالي:
1. إجراءات يمارسها العدوان في إطار الحرب الاقتصادية وسياسة التجويع وتجفيف الموارد المالية.
2. أشكال أخرى من العدوان غير الشكل العسكري والاقتصادي، مثل ترويج المخدرات ودعم شبكات الدعارة والعصابات المختلفة كعصابات قطاع الطرق واللصوص وتجارة الأعضاء ومختطفي الأطفال... إلخ.
3. إجراءات في الداخل تخدم العدوان وتسهم في إثارة سخط المجتمع، مثل زيادة الجبايات بشكل مجحف جدا وغير قانوني، وذلك يعود على المواطن فيثقل كاهله ويزيد الأعباء عليه، بالإضافة إلى تردي الخدمات وغياب التصحيح وزيادة المظالم والتعدي على حقوق وملكيات المواطنين تحت مسميات مختلفة مثل توسعة مطار الحديدة، حماية حرم مطار صنعاء، بسط يد الدولة على الأوقاف، استعادة أراضي الدولة، استعادة مديونية الكهرباء المتعثرة منذ 2011، وعناوين ظاهرها جيد لكن باطنها برنامج خبيث ومدمر للحاضنة الشعبية للأنصار، ويحدث ذلك بالتوازي مع إهمال شديد في رفع المظالم وتأخر الإنصاف وسجون تمتلئ بالشرفاء وأحرار يتعرضون لحرب بشعة، وتهميش وإقصاء لكل المجاهدين والأحرار.
وإجراءات أخرى تؤدي إلى زيادة خنق المواطن ليحدث الانفجار الذي يرجوه العدوان ويهدف إليه، وهذا يجعل الهدنة عامل تآكل وتدمير داخلي وليست “هدنة إنسانية” كما سموها.
ومما سبق ذكره، يتضح جليا ضرورة سرعة اتخاذ بعض الإجراءات الداخلية، بالإضافة إلى ضرورة اشتراط بند التعافي الاقتصادي (إيرادات، مرتبات، سياسة نقدية، عملة... إلخ) واستغلال الفترة المتبقية لفترة التمديد بأن يتم خلالها صرف المرتبات السابقة بحيث ينتظم صرف المرتبات منذ بدء فترة التمديد الثانية، أما المرتبات الخاصة بالفترة السابقة منذ أكتوبر 2016، فتصرف قبل بدء فترة التمديد كشرط من شروط التمديد، بمعنى أن علينا أن نشترط صرف المرتبات السابقة ليتم توقيع التمديد الذي يكون من بنوده انتظام صرف المرتبات وعدم الاكتفاء بصرف السابقة فقط.
ولا يجب أن يكون طرحكم ناقصا وسقفكم منخفضا حتى لا يتكرر ما حدث بشأن الميناء والمطار، مع العلم أنها مجرد حلول ترقيعية وليست حلولا نهائية، لأنها مجرد هدنة وليست سلاما نهائيا، وهناك كثير من التفاصيل والجزئيات يجب التطرق إليها، فمثلا في ما يخص مسألة المرتبات علينا التطرق لبعض النقاط الهامة، وهي:
1. ما نستلمه حاليا وما استلمناه سابقا سواء بشكل نقدي أو سلعي لا يعتبر مرتبا وإنما معونة أو بدل انتقال أو مواصلات احسبوها بأي شكل غير المرتبات، لأن المرتبات هي المبالغ التي يتقاضاها الموظف بشكل مستمر نهاية كل شهر، وبالتالي فنحن لم نستلم مرتباتنا منذ أكتوبر 2016 إلى يومنا هذا، وعلى دول تحالف العدوان دفع هذه المرتبات كونهم المتسبب الأول والأخير بانقطاعها عند نقل البنك المركزي من صنعاء، رغم أن مركزي صنعاء استمر بدفع كافة المرتبات لكل موظفي الجمهورية اليمنية، ولم يكتفوا بذلك، بل شنوا على عملتنا أقذر حرب شهدها العالم، وذلك من خلال طباعة العملة المزيفة بدون غطاء وبشكل متكرر وبكميات تفوق الاحتياج الفعلي عشرات المرات، ثم العمل على سحب عملتنا المعتمدة وكذا العمل على إدخال العملة المزورة إلى مناطق السيادة الجغرافية وغير ذلك من الإجراءات في إطار الحرب الاقتصادية، وذلك كله بعد أن استحوذت دول العدوان على أهم وأكبر الإيرادات وعلى رأسها عائدات الصادرات النفطية وكذا عائدات مبيعات النفط والغاز المحلي.
2. يجب عند صرف المرتبات مراعاة قيمة الريال وقت انقطاع المرتبات وقيمته عند صرفها، بحيث يستلم الموظفون مرتباتهم بالقيمة السوقية الحالية، بمعنى أنه من كان راتبه في 2015 مثلا 60 ألف ريال، فذلك كان يعني حينها 300 دولار، فالصرف يجب أن يتم بما يوازي قيمة الدولار آنذاك ليتساوى مع القيمة الشرائية والأسعار الحالية.
3. هناك علاوات وتسويات توقفت منذ سنوات وبسبب العدوان وإجراءاته السابق ذكرها في إطار الحرب الاقتصادية، وكذا إجراءات تجفيف الموارد المالية، وبالتالي يجب احتسابها وصرفها مع فوارقها التراكمية كاملة بأثر رجعي.
4. يجب صرف تعويضات لكل من توقفت مرتباتهم، نظرا لما تسبب به هذا التوقف من مشاكل وأضرار أسرية ونفسية ومعنوية، ولا يخفاكم أن الأضرار غير المباشرة أكثر بكثير من الأضرار المباشرة.
من الضروري إدراج هذه النقاط في أي تفاوض بشأن ملف المرتبات، وهي مطالب قانونية وصحيحة.
وفي الأخير، علينا أن ندرك أن العدو يسعد كثيرا عندما يجدنا نجهل حقوقنا، وما ذكرناه هنا لا شيء أمام المسؤولية الجنائية قانونا.
وكل ما نرجوه هو الاستيعاب الكامل لمظلوميتنا والمآلات المالية والجنائية لكل انتهاكات وجرائم ومجازر العدوان.
والله الموفق والمستعان.

أترك تعليقاً

التعليقات