محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد / لا ميديا -

استمر الحمدي يُعبِّر عن وشائج الترابط مع السعودية، ويخاطبها بالتقدير والتعاون المطلق، بما يحقق مصلحة البلدين، لكن المسألة لم تكن كما يريد ويرى، فلقد طلبوه في زيارة سرية في أغسطس 1977م، وطلبوا منه التوقيع على أن تكون اتفاقية الطائف حدوداً نهائية، لكنه ماطلهم ولم يوقع بحجة ضرورة أخذ موافقة مجلس القيادة، لكن محمد خميس أرسل للسعودية بتقارير يفيدهم فيها بأن الحمدي يماطلهم ويغالطهم ولن يوقع على ترسيم الحدود وفقاً لاتفاقية الطائف، كما تفيد الباحثة أروى محمد ثابت في رسالتها سابقة الذكر. والباحثة عند إشارتها إلى زيارة الحمدي السرية في أغسطس 1977م إلى السعودية، لم تذكر المصدر الذي استقت منه هذه المعلومة.
تقول الباحثة في رسالتها المعنونة بـ"إبراهيم الحمدي- حياته ودوره السياسي في اليمن": "وفي أغسطس 1977م دعت المملكة الرئيس الحمدي إلى لقاء سري بالرياض بغرض التوقيع على الحدود والانتهاء من الملف الحدودي لاتفاقية الطائف التي انتهت، مقابل أن يتم إدخال شمال اليمن ضمن منظومة دول الخليج العربي، إلَّا أن الحمدي كان من الذكاء واللباقة في عدم رفضها مباشرة، بل طلب بعض الوقت للتشاور مع شركائه في مجلس القيادة بصنعاء، بعدها توجه إلى روسيا ليطلب الدعم الكافي من الأسلحة، ومطلعاً السوفييت عزمه التوجه لإعلان الوحدة اليمنية مع الرئيس سالمين، لكن السوفييت نصحوه بالتريث بغرض التهيئة والاستعداد من الطرفين في الشمال والجنوب لإعلان الوحدة، وأن الدعم الذي طلبه الحمدي سيأتيه في مرحلة لاحقة" (ص215). لكن دول الخليج لم يكن لديها في ذلك الوقت منظومة أو منظمة خليجية جامعة لهم، فالتحرك نحو تشكيل مجلس التعاون الخليجي بدأه أمير الكويت عام 1979م، وتأسيس مجلس التعاون الخليجي تم في 25 مايو 1981م!
لقد قررت السعودية اغتيال الحمدي وتصفية مشروعه الوطني منذ ما قبل اغتيال عبد الله الحجري، الذي أرسله الحمدي في أبريل 1977م، ليقابل الملك خالد والأمير سلطان في لندن، وكان قد قابل ولي عهده الأمير فهد، وقد حمل الحجري رسالة للملك خالد مفادها أن تدعم السعودية مشاريع التنمية في اليمن بدلاً من تمويلها ودعمها للمشائخ، وباعتقادي أن ولي العهد الأمير فهد وكذلك الأمير سلطان قد فاتحا عبد الله الحجري بضرورة أن ينضم للمناوئين للحمدي في خمر، وأنه قد اتخذ القرار بتصفية الحمدي، إلاَّ أن الحجري تميز بالوفاء والإخلاص لصداقته مع الحمدي، فكان أن تم اغتياله في لندن بتاريخ 10 أبريل 1977م، بجوار الفندق الذي نزل فيها، وقد اغتيل معه السفير الحمامي وزوجته، وعملت الأجهزة الأمنية في بريطانيا على التعتيم وعدم تقديم ما يعين على معرفة الجهة التي قتلتهم، وظل مقتل الحجري والحمامي وزوجته غامضا إلى اليوم!
كان لخطاب الحمدي في مؤتمر دول عدم الانحياز، أغسطس 1976م، في سيرلانكا، ومطالبته فيه بإعادة رسم العلاقات بين الدول الصناعية ودول العالم الثالث بما يحقق الشراكة العادلة، ووضع القرارات المتعلقة بإصلاح نظام النقد الدولي، والتفاوض حول التجارة الدولية، وحق دول العالم الثالث في ثرواتها ومقدراتها واستقلالها لصالح شعوبها، وانعقاد مؤتمر البحر الأحمر في تعز، 22 مارس 1977م، من أجل تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة عربية وبحيرة سلام، ولقاء قعطبة مع الرئيس سالمين، 15 فبراير 1977م، من أجل الاتفاق على إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وحضوره المؤتمر العام الخامس للناصريين في الحديدة عام 1977م، وانتخابه عضواً في اللجنة المركزية والمكتب التنفيذي، ونهجه التنموي في هيئات التطوير التعاوني، ولجان التصحيح، والإعداد لمؤتمر شعبي عام، كل تلك الخطوات كانت بالنسبة للسعودية وللغرب تجاوزاً للخطوط الحمر، ولهذا اتخذ القرار بتصفية الحمدي جسداً ومشروعاً، فكانت قوى التآمر من المشيخ والإخوان والبعث في خمر، والضباط الذين وثق بهم الحمدي، وكان الملحق العسكري صالح الهديان يمول ويشرف على تنفيذ العملية، وكان بعث العراق يمول قيادات البعث بصنعاء بـ15 مليون دولار، كما يروي ذلك يحيى مصلح في مذكراته، وكانت أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، كل ذلك أنجز عملية الاغتيال في بيت أحمد حسين الغشمي رئيس هيئة الأركان، ومن اعتمد عليهم في التنفيذ. ويقال إن قائد لواء تعز الرائد علي عبد الله صالح كان موجوداً في صنعاء، بحسب رواية حاتم أبو حاتم، أنه التقاه في نادي الضباط، والبعض قال بأنه كان عند التاجر الحريبي بشارع جمال، وأنه اشترك بجريمة اغتيال الحمدي، وكان دوره رئيسياً في استدراج عبد الله الحمدي، وإعادته من نقيل يسلح، على مشارف صنعاء، ثم تصفيته في بيت الغشمي الكائن بمنطقة الصافية. وقد استجاب عبد الله الحمدي لإلحاح علي عبد الله صالح بضرورة قبول عزومة الغشمي، لما بين علي عبد الله صالح وعبد الله الحمدي من صحبة ومنادمة.
بحسب الباحثة أروى محمد ثابت، فلقد كان هناك 3 خطط لاغتيال الحمدي: الإعداد لوليمة ويتم استدعاء الرئيس وقتله، وهي الخطة التي نفذت ونجحت.
فإذا فشلت يتم قصف منزله وقتله فيه، فإذا فشلت فيتم تفجير الطائرة التي ستقله إلى عدن لإجراء مباحثات الوحدة اليمنية.
ولأن البيوتات التجارية كانت قد أثرت بفضل ثورة سبتمبر، فقد خاطبهم الحمدي في الذكرى الـ15 لثورة سبتمبر، في 25 سبتمبر 1977م، بنقد لاذع، وطالبهم بتمويل مشاريع التنمية المدرجة في الخطة الخمسية، قائلاً لهم: "انتهى شهر العسل".. ولهذا كانت البيوتات التجارية جزءاً من مؤامرة اغتياله...
وهكذا التقت مصلحة البيوتات التجارية مع قوى المشيخ السياسي والإسلام السياسي، والطامحين بالموقع الأول في السلطة من الضباط الذين وثق بهم الحمدي، فكان الاغتيال بأيادٍ يمنية وإشراف وتمويل سعودي، ومشاركة ضباط حزب البعث، بتمويل عراقي لهم قدر بـ15 مليون دولار، لكن مآلات الانقلاب كانت لصالح السعودية، وكان البعثيون يعملون لصالحها، فقد استطاعت اختراقهم من بداية عقد السبعينيات. ودولياً كانت أمريكا وبريطانيا وألمانيا، وكان صمت فرنسا وسكوتها عن مقتل الفرنسيتين اللتين تم قتلهما ورميهما بجوار جثتي الرئيس الشهيد الحمدي وأخيه عبد الله، كي يصوروا عملية القتل بأنها كانت نتيجة سكر ومومسات، فيتحقق للقتلة تدمير صورة الحمدي عند الجماهير، لكن الجماهير انتفضت في كل المدن، ورمت الأحذية في وجه من نفذوا تلك الجريمة.
كان عبد الله الحمدي قد انضم، كما يقول الدكتور محمد علي الشهاري، في أواخر الخمسينيات إلى خلية شيوعية ضمت طلبة يمنيين حين كانوا يدرسون في مصر، وعرف عن عبد الله الحمدي انتماؤه لحركة القوميين العرب.
كانت وطنية الشهيد إبراهيم الحمدي تجاه اليمن وطنية صوفية وحالمة مقتدرة، ففي كلمة له يصف مشاعره تجاه الوطن والمواطن بقوله: "بصفاء السماء، وبسمة الشروق، ورحابة البحر... هكذا أحب وطني، وأحب كل مواطن فيه، كل مواطن هو أخي وحبيبي، وسعادتي أن أراه حراً سعيداً، وإنساناً منتجاً قادراً، وليس عالة على أحد، ولا يطلب الاستجداء من أحد، يجب أن نعتمد على أنفسنا ونبحث في كوامن القدرة في أعماقنا، وسنجدها لأننا شعب كريم وعظيم" (أروى محمد ثابت، ص242".
تم اغتيال إبراهيم الحمدي وأخبه عبد الله، وعلي قناف زهرة، وعبد الله الشمسي، ومنصور عبدالجليل، ثم بعد ذلك تم اغتيال رجالات هيئات التعاون والتصحيح، واعتقال الناصريين وقتلهم وإخفاء جثامينهم، تمت تصفية شاملة لمرحلة كانت تطمح للثوب الوطني، لتعود اليمن إلى فناء الارتزاق والفساد.
تمت تصفية الحمدي كشخص وكمشروع، ومن ضمن ذلك تصفية الخطة الخمسية للتنمية والحركة التعاونية، والحضور العمالي، وأفرغ المؤتمر الشعبي من جوهره ليتحول إلى لافتة هشة، ومظلة للفاسدين.
عندما عقد الرئيس الحمدي صفقة أسلحة لليمن من فرنسا، ارتابت السعودية وقالت له: اليمن لا يحتاج إلى جيش، وإنما إلى شرطة وأسلحة خاصة بالأمن الداخلي. وبعد الوحدة استمرت السعودية تطالب بتخفيض الجيش عدة وعتاداً، وفي مؤتمر الحوار 2012م كانت إعادة هيكلة الجيش وتفكيكه مطلباً أمريكياً/ سعودياً.
كانت حركة 13 يونيو 1974م بسبب: انهيار الأوضاع، والفساد المالي والإداري، وانفلات الأجهزة والمؤسسات. فكانت تصفية واغتيال حركة 13 يونيو عودة إلى هشاشة الدولة ومراكز القوى وبجاحة الارتزاق.
ما نقوله عن مرحلة الشهيد الرئيس إبراهيم محمد الحمدي ليس رغبات وأماني نسقطها بأثر رجعي، وإنما هو وصف يحاول أن يقارب تجربة وطموحاً وطنياً تجسد بخطوات عملية طيلة 3 سنوات و4 أشهر، وحفرته لغة خطب الشهيد المتوهجة بالحياة والمثابرة، للخروج من نفق أرادته السعودية ليمننا، وأراد الحمدي مغامرة الخروج من ذلك النفق.
بعد أيام من وصول الرئيس الحمدي إلى سدة الحكم، خاطب الشباب بكلمة ألقاها بتاريخ 18/6/1974م، أكد فيها أن القوات المسلحة "ينتظرون بفارغ الصبر تسليم المسؤولية لعناصر وطنية كفؤة تأتي نتيجة حوار وبحث وتعاون من مختلف الطبقات الشعبية..." فالحكم والتنمية تنبثق من إرادة وحوار شعبي، لهذا كانت رؤيته لهيئات التطوير التعاوني بأنها "هي المبادرات الشعبية الصادقة التي نعتز بها، والتي نحث على دفعها إلى الأمام، لكي تستطيع أن تجدد في أعمالها وإنتاجها صورة حقيقية لطموحات وآمال شعبنا في كل مناطق اليمن" (خطب وتصريحات الرئيس، ص 10).
فالهيئات التعاونية من وجهة نظره تجديد للعمل الوطني، وتغلب على الأنانيات والأطماع والأحقاد.

يتبع...

أترك تعليقاً

التعليقات