عن القومية وأمساخ الناصرية
 

محمد ناجي أحمد

في النصف الثاني للقرن العشرين قاد جمال عبد الناصر حركة التحرر العربي، مؤمناً أن الاستقلال والحرية لا تأتي بضمانات وحماية سياسية واقتصادية، ناهيك عن العسكرية، من دول استعمارية أو ذنبها الرجعي، وعمل على توسيع دائرة الانتماء والتعاون مع الشعوب التي تناضل من أجل الاستقلال والحرية الاجتماعية، لهذا كان دور مصر عبد الناصر في تأسيس حركة عدم الانحياز والحياد الإيجابي دوراً فاعلاً وحركياً من أجل خلق توازن يختلف عن توازنات الرعب بين القطبين العظميين آنذاك؛ الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان الهدف من حركة عدم الانحياز هو تحقيق السلام المبني على حرية الشعوب والعدل، وعلى النقيض من هذا المسار ينخرط الناصريون في اليمن بوقتنا الراهن ضمن تحالف رجعي امبريالي، واجهته العلاقة اللوجستية والاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكيانهم السعودي، الذي صنع في المنطقة العربية لإعاقة المشروع القومي وإفشاله، وجعل المنطقة العربية في حالة تفكك واصطراع، فالغرب يعي دور القومية العربية في مقاومة الاستعمار، وإمكانية تفجير الثورات العربية في الخليج العربي والأردن، وتحرير فلسطين إلخ.
لقد حققت الناصرية نجاحاً في جعل المفاهيم والمواقف التحررية والاجتماعية متداولة في أوساط الشعب العربي، لهذا كان الإعلام الناصري ممثلاً بـ(صوت العرب) في مقدمة النضال لمواجهة الاستعمار والدعوة إلى الوحدة العربية، ونشر الوعي التحرري القومي والاجتماعي، وبسبب هذا الدور الجوهري كانت الحملة الدعائية الشرسة للنيل من الدور التاريخي لـ(صوت العرب) مماثلاً لحملة التشويه ضد الدور التحرري للمخابرات المصرية في اليمن والجزائر وليبيا والشام والعراق والخليج العربي...
من البديهي القول بأن النظام العربي الذي سعى إلى تحقيقه جمال عبد الناصر، كان النقيض الحتمي لمشروع (الشرق الأوسط)، وأن سنواته الذهبية ما بين 1955 و1967م، كانت متزامنة مع توسع النفوذ الخارجي للاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وسلسلة الأحلاف التي عملت أمريكا على إقامتها في المنطقة العربية، ومنطقة الشرق الأوسط، مما دفع بالاتحاد السوفيتي إلى تشجيع حركات التحرر حتى تنفذ من طوق الأحلاف الأمريكية، ودفع بجمال عبد الناصر، ونهرو وتيتو، إلى بناء سياسة الحياد الإيجابي لدعم الإرادة السياسية المستقلة إزاء التطاحن بين الدولتين العظميين، والاستفادة من الدعم السوفيتي دون الارتهان في تبعيته، تجسد ذلك في تحقيق الوحدة مع سوريا، والموقف السلبي للاتحاد السوفيتي إزاء هذه الوحدة، وكذلك في موقف ناصر الرافض لمبدأ آيزنهاور وغيره من المشروعات الأمريكية التمددية...
لقد تبنت الحركة القومية العربية أهداف العدالة الاجتماعية والوحدة وتحرير فلسطين، بالتوازي مع الحرية ومقاومة الأحلاف الغربية وأدواتهم في المنطقة، وأثمرت السياسات القومية العربية التي انتهجها جمال عبد الناصر مشاركة أوسع للجماهير العربية في الحياة السياسية، وبروز النضال العربي على المستوى العالمي كقائد في حركات التحرر العالمي، وتبلور الأهداف النضالية في (الحرية والاشتراكية والوحدة)، وتخلف وسقوط الأحزاب والمنظمات السياسية التي تجاوزتها الثورة العربية وأهدافها، واتضاح وانكشاف الدور التآمري للكيان السعودي، وتوظيف النفط في الخليج ضد أهداف التحرر العربي سياسياً واجتماعياً ووحدوياً، المستمر حتى اليوم!
في آخر خطاب لجمال عبد الناصر بمناسبة عيد الثورة في 23-7-1970م، يقول (إن النضال شامل لأن الثورة شاملة... إن المعركة العسكرية على جبهة القتال ليست بعيدة عن مشاكل التطور، وإن حربنا ضد الاستعمار هي جزء من حربنا ضد التخلف... إن استقلالنا الوطني ليست له دعامة إلاّ قدرتنا الوطنية).

أترك تعليقاً

التعليقات