عضوية العروبة والإسلام وعودة الروح
- محمد ناجي أحمد الجمعة , 14 ديـسـمـبـر , 2018 الساعة 5:28:41 PM
- 0 تعليقات
محمد ناجي أحمد
حين نشأت الحركة القومية العربية أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كانت استجابة طبيعية للتحديات التي عانى منها المشرق العربي، وخاصة مع سياسة التتريك التي انتهجتها (تركيا الفتاة).
لقد واجه العرب النزعة القومية التركية بنزعة قومية عربية، لهذا تشكلت الخلايا السرية في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، وتأسست الجمعيات الأدبية كإطار علني لنشاط القوميين العرب في دمشق وبيروت والعراق، ومصر، وأعلن مؤتمرهم العربي الأول في باريس، عام 1913م، مطالب الاستقلال الذاتي كخطوة أولى لإمبراطورية عثمانية بقوميتين تركية وعربية. وكان صلح دعان في اليمن، عام 1911م، وصدور الفرمان بخصوصه في الأستانة عام 1913م، خطوة في الحكم الذاتي الذي تلاه استقلال اليمن، عام 1918م، في مواكبة للمسار التحرري بأفقه الوطني والعروبي.
كان للفكر القومي دوره الطليعي
في التنوير من الكواكبي وطليعة القوميين في المنتدى الأدبي بباريس، الذين استشهدوا في سوريا حين شنقهم جمال باشا عام 1916م، إلى ساطع الحصري وقسطنطين زريق، وعلي ناصر الدين وزكي أرسوزي وميشال عفلق وجورج حبش، وحزب البعث وحركة القوميين العرب، وصولاً إلى مصر عبد الناصر.
لم يكن هذا التجاوز والتسامي العروبي من خلال جورج وميشال وأنطون أمراً اعتباطياً، بل تأكيداً على أن أفق العروبة يتجاوز الانتماء العرقي لساطع الحصري والانتماء الديني لجورج حبش وميشال عفلق.
من هنا كانت عروبة مصر عبد الناصر قفزة أخرى من الحق الممزوج بالعاطفة إلى الحق الممزوج بالمصلحة المشتركة.
لقد كانت العروبة في المشرق العربي موقفاً واستجابة للتحدي الذي مثله الآخر، أي الاستعمار التركي ومحاولاته قهر الشعوب العربية وطمس هويتها. وما الهوية إلى مواجهة الآخر.
وكان الإسلام موقفاً إزاء الآخر الأوروبي بحملاته الصليبية واستعماره الغربي للمغرب العربي.
كان المشرق العربي هو موضع الدعوة القومية العربية، لأن المشرق عانى من نير التتريك وقهر السلاطين وولاتهم في المنطقة العربية.
وكان الجهاد بخطابه الوطني الإسلامي هو سمة المغرب العربي في مواجهته لأوروبا الصليبية والغرب الاستعماري.
أي أن كل خطاب عروبي وإسلامي نشأ في ظل شروطه وتحدياته التاريخية، فهما متكاملان تكامل الوطن العربي من محيطه إلى خليجه.
لنقرأ في رسائل الأستاذ حسن البنا عن العروبة، وسنجده يتحدث بلغته الدعوية بما قاله القوميون العرب، وردده جمال عبد الناصر في كتيبه (فلسفة الثورة) عن دوائر انتماء مصر الوطنية والعربية والأفريقية والإسلامية. يقول حسن البنا: (كيف يقال إن الإيمان بالوطنية المصرية لا يتفق مع ما يجب أن يدعو إليه رجل ينادي بالإسلام... إننا نعتز بأننا مخلصون لهذا الوطن الحبيب، عاملون له، مجاهدون في سبيل خيره، وسنظل كذلك ما حيينا، معتقدين أن هذه هي الحلقة الأولى في سلسلة النهضة المنشودة، وأنها جزء من الوطن العربي العام، وأننا حين نعمل لمصر نعمل للعروبة والشرق والإسلام.
والعروبة... لها في دعوتنا كذلك مكانها البارز وحظها الوافر. فالعرب هم أمة الإسلام الأولى وشعبه المتخير. وبحق ما قاله النبي العربي: (إذا ذل العرب ذل الإسلام)، ولن ينهض الإسلام بغير اجتماع كلمة الشعوب العربية ونهضتها... إن هذه الشعوب الممتدة من الخليج إلى المحيط كلها عربية، تجمعها العقيدة، ويوحد بينها اللسان، وتؤلفها الوضعية المتناسقة في رقعة من الأرض متصلة متشابهة، ولا يحول بين أجزائها حائل، ولا يفرق بين حدودها فارق...).
لا يرى حسن البنا تناقضاً بين العروبة والإسلام، بل يرى العروبة شرطاً جوهرياً لإعادة مجد الإسلام (العرب هم عصبة الإسلام وحراسه... من هنا كانت وحدة العرب أمراً لابد منه لإعادة مجد الإسلام وإقامة دولته واعتزاز سلطانه. ومن هنا وجب على كل مسلم أن يعمل لإحياء الوحدة العربية وتأييدها ومناصرتها...). ومجد الإسلام كما نعرفه تاريخياً لم يكن دولة دينية، وإنما دولة بمقتضياتها وشروطها الدنيوية، في شبابها وكهولتها، ومع شيخوختها كان زوالها وسقوطها في النعرات المذهبية والعصبويات الدينية.
تراجعت القومية العربية لأسباب عديدة، منها الإخفاق في تحقيق الوحدة العربية، والعجز إزاء الاستعمار الغربي الصهيوني لفلسطين. وكان للنمط الاقتصادي الاستهلاكي الذي ولدته الطفرة النفطية الخليجية، وتشجيعها للوهابية، وتكريسها للقطرية، دور في إطفاء جذوة القومية العربية.
وسقوط الاتحاد السوفيتي وبداية حقبة جديدة للرأسمالية المتوحشة، ووسائطها المعلوماتية، وتكريس ثقافة الفرجة، والتمكين للثقافة الرأسمالية، وموت اليوتوبيات الإنسانية الكبرى... كل ذلك جعل القومية العربية بحاجة إلى من يعمل على (عودة الروح فيها).
واقع العرب السياسي والاقتصادي والثقافي تابع لما يريده الغرب منهم، فكل مشاريع التقسيم والتفتيت التي تنفذ بإشراف مشيخات الخليج، هي مشاريع غربية صهيونية، وما هذه المشيخات الخليجية إلا أدوات وكيانات وظيفية في خدمة هذا المشروع.
المصدر محمد ناجي أحمد
زيارة جميع مقالات: محمد ناجي أحمد