صورة العربي لدى الأتراك
 

محمد ناجي أحمد

تتشكل صورة الأتراك لدى العرب من خلال ما تركوه من آلام، نتيجة الاستعمار التركي للمنطقة العربية، وخاصة في الشام واليمن، من مظالم وسخرة، وابتكار لأساليب تعذيب، منها (الخازوق)؛ وهو إدخال سيخ من الحديد، من أسفل الظهر، ليخرج من الرقبة، ببطء شديد، حتى لا يمزق شرياناً، فيؤدي إلى نزيف، وموت سريع، وإنما يظل يتعذب بأشد ما يكون العذاب، وهو مصلوب لأيام بهذا الخازوق حتى الموت! وكذلك سلخ الجلد عن اللحم، كما صنعوا في (تعز) حين اعتقلوا الثائر الصوفي (الصافية) الذي ثار ضدهم في العدين، فخلسوا جلده، وملؤوه تبناً، فصار الجسد جسدين، كما يقول مؤرخهم (الموزعي) في كتابه (الإحسان في عدالة مملكة آل عثمان في اليمن). وكذلك صنعوا مع الشيخ حسان في جبل حبشي، ومشائخ (التربة) وبقية مناطق الحجرية. 
وأما صورة (التركي) في الشام، فالعديد من الأعمال الروائية قدمت بشاعة هذا الاستعمار الاستغلالي، في السخرة، والتجنيد، والرشوة، والعقوبات، والضرائب، والجباية، إلخ. 
بالمقابل سنجد صورة العرب لدى الأتراك، في تراثهم الشعبي، ومقرراتهم التعليمية، وبعض وسائلهم الإعلامية، يوصف بـ(الخيانة) و(الطعن في الظهر) نتيجة موقف العرب من (العثمانيين) في الحرب العالمية الأولى، حين وقف العرب مع الإنجليز ضد الاحتلال العثماني، مقابل وعود إنجلترا لهم بدولة عربية يحكمها الشريف حسين بن علي، والي العثمانيين على الحجاز، الذي تمرد على العثمانيين وثار ضدهم، وكذلك بسبب موقف اليمنيين المطالب بالاستقلال عن العثمانيين، وجعلهم اليمن مقبرة للأتراك. 
حتى إن الفلكلور في تركيا قد سجل هذا في الأغاني الشعبية، منها كلمات هذه الأغنية:
(هذه هي اليمن 
أزهارها قتاد. 
الذاهب إليها لايعود 
فلماذا يا ترى)
لهذا فالعربي في تصور الأتراك وموروثهم (متخلف) و(محتال) و(زير نساء وغلمان) و(بدوي) يعبد الأوثان، ويئد البنات، ويتقاتلون في ما بينهم قبل الإسلام. وتحضر هذه المساوئ في مقابل الحديث عن (محاسن الترك).
تسيطر على الأتراك النزعة القومية، المبنية على أنهم أصل الأعراق، واللغات، والتاريخ والتراث.
فاللغة التركية هي أصل اللغات جميعاً. واللغة العربية ما هي إلاّ صورة مشوهة عن اللغة التركية. ولولا أن اللغة العربية اشتقاقية، والتركية التصاقية لاستمروا في وهمهم أنهم اللغة الأم، كما هم مستمرون في الزعم بأنهم أصل الحضارات القديمة. 
تمثل تركيا وإيران المجال الحيوي للقومية والوحدة العربية، إلاّ أن الموقف التركي عدائي، ضد القومية العربية، لعدة أسباب: منها المياه، والجغرافيا، والإرث التاريخي. فهم ينظرون للقومية العربية بأنها تهديد وعدو للقومية التركية. حزب (العدالة والتنمية) أقرب لهذا التوجه من الأتاتوركية، التي أرادت التخلص من أعباء (الخلافة العثمانية). فلم يكن (مصطفى كمال أتاتورك) مُنظِّراً أيديولوجياً، وإنما كان ثورياً يؤمن ببناء تركيا بشكل حديث، ومتقدم، مستقل عن الاستعمار الأوروبي. لكن حزب (العدالة والتنمية) ورئيسه (رجب طيب أردوغان) ينطلق من نظرية (الخلافة الإسلامية) ورغبات التوسع الامبراطوري، واستعادة إرث الخلافة العثمانية، الممتدة في التاريخ منذ 1300م وحتى 1918م، والممتدة في الجغرافيا من الصين وروسيا وأوروبا إلى أفريقيا.
لم يكن (أتاتورك) مؤمناً بالقوالب الفكرية الدوغمائية، لكن (أردوغان) منها ينطلق، وإليها يعود، ومن خلالها يتشكل خطابه السياسي بأرضيته العقدية. 
ينطلق (أردوغان) من إرث التاريخ، بمزاعمه المتجذرة كشعور قوي بأن تركيا أسست في التاريخ 16 امبراطورية ودولة، وإمارة، وخانية وجمهورية منذ القرن الرابع قبل الميلاد وحتى القرن العشرين، وعلى مساحة جغرافية شاسعة، ممتدة في القارات الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوروبا. 
فهم بحسب مزاعمهم أصل جميع الحضارات: السومرية، والفرعونية، والصينية، وكذلك الأوروبية. 
اسم (الترك) يعني في اللغة: القوة. وهم قد عبدوا (الشمس) باعتبارها مظهراً من مظاهر الإله الواحد، كاليمنيين القدامى. وقد كان الاسم يطلق على أحد الأقوام التركية، التي كانت تتكلم باللغة التركية، فأطلق بعد ذلك على الكل. 
لقد أسقط الأتراك صورتهم التي ترسبت في الموروث والأدب الأوروبي، على العرب. فالتركي لدى الأوروبي رديف للمسلم، والعربي، وهو في تصورهم (شره، وغريب الأطوار، وسادي، ومتحلل أخلاقياً، وماجن، يحب الشراب والطعام، وزير نساء، ويحب الغلمان، ومتعصب، وأمي، ومتوحش، وسكير، وقميء، ودموي، إلخ)، وكل تلك الصفات التي يراها الأوروبي في (التركي)، أسقطها الأتراك بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى على (العرب)، واصفين (العربي) بالخيانة والطعن بالظهر، والكسل والارتخاء. وليكون العربي رديفاً للزنج في تصورهم. ربما بسبب اشتهار العرب بتجارة الرقيق الأسود، وبيعهم في تركيا. 
وفقاً لتوهم الأتراك بأنهم أصل الحضارات واللغات، تكون غطرسة رئيس تركيا (رجب طيب أردوغان) في خطابه السياسي ضد هولندا وألمانيا وفرنسا، بل وضد العراق، وسوريا، إلخ، من منحى أنه أصل الحضارات واللغات ومحرك التاريخ!

أترك تعليقاً

التعليقات