المثقف الثوري في مواجهة العدوان 2-2
- محمد ناجي أحمد السبت , 3 فـبـرايـر , 2018 الساعة 5:51:37 PM
- 0 تعليقات
لهذا يكرس الصراع على أنه (طائفي) و(مناطقي) لا استغلال وقهر بواسطة كيان وظيفي نشأ كأداة للغرب لتستمر هيمنته على المنطقة.
إن ما ساعد على تشظي الاتحاد السوفيتي بعد تبني مخائيل جورباتشوف مفاهيم (البروسترويكا) و(الجلاسنست)، أي إعادة البناء والشفافية والمكاشفة، هو أن الاتحاد السوفيتي تم تقسيمه، وخاصة في آسيا الوسطى، طبقاً للحدود العرقية لا التاريخية، وهي العملية التي بدأت عام 1922م، وانتهت عام 1925م، بإنشاء الجمهوريات في أوزبكستان وكازاخستان، وقرغيزستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، (سلطان غاليف - أبو الثوار في العالم - ألكسندر بينحس - سنتال لوميرسيه - كليلكجي - ترجمة سوزان خليل - دار العالم الثالث، ط1-1992م، ص 149).
لقد أراد البلاشفة من هذا التقسيم سحب البساط على الهويات التاريخية التي تجتمع على أساس اللغة والجغرافيا والدين، فكان سقوط الاتحاد السوفيتي من حيث أراد أن يؤمن كيانه من التذرر، فكان الزلزال ونهاية التاريخ له ابتداء من عام 1986 إلى 1991م.
انخرط العديد من المثقفين والمفكرين في الماركسية مدفوعين بحب جارف تجاه شعوبهم، وهو ما عبر عنه (سلطان غاليف) بقوله: (أتيت إلى البلشفية مدفوعاً بحب جارف يخفق به قلبي تجاه شعبي). ولهذا كان انحيازهم في الأخير مع شعوبهم وكيانهم القومي، لكن العديد ممن كانوا يرددون الجمل الثورية عالية الضجيج، تساقطوا في أحضان الامبريالية والرجعية ومالها النفطي، ومذهبها الوهابي المدمر للعقل والذاكرة الوطنية، مما يمكن وصف مرضهم بما قاله لينين بـ(مرض الجملة الثورية).
لم يكن إيمان (حركة أنصار الله) بـ(الشعب) إيماناً ميتافيزيقياً، لكنه إيمان مبني على تغيير النفوس، واستنهاض القدرات والهمم، ورفض الذل، باستيعاب ووعي لطبيعة التكوين الاجتماعي المتعدد، وتوظيف للثقافة القرآنية وقدرتها الثورية في تفجير الطاقات اللامحدودة للفرد والجماعة.
لقد تحول سؤال (ما العمل؟)، من سؤال المثقفين الوطنيين إلى سؤال الأمة.
أكد لينين أن الترابط بين السياسة والحرب متغير متحرك، لأن كلا جانبي الترابط معرضان للتغيرات. ولذلك فإن جوهر الحرب غير ثابت (إن الاعتراف بعناصر ما ثابتة وبجوهر الأشياء الثابت وهلم جراً ليس مادية، بل ما هو مادية ميتافيزيقية، أي منافية للديالكتيك)، وليست الظواهر وحدها على قوله، عابرة متحركة جارية منفصلة عن بعضها البعض بحدود اصطلاحية لا غير، بل إن جوهر الأشياء كذلك أيضاً. (الماركسية اللينينية وقضايا الحروب - مجموعة من المؤلفين - دار التقدم -1974م، ص33).
تربط الرأسمالية إنقاذها من الاحتضار بفرض سيطرتها على العالم عن طريق العنف والحروب، وترى السياسة امتداداً للحرب، وليس الحرب امتداداً للسياسة، وتعمل على ترويج حتمية العنف، وتسوقه على أنه هدف وليس وسيلة. (المرجع السابق، ص74). لهذا تضع العالم دوماً في ترقب وخوف من استخدام زر القنابل النووية.
في هذا السياق يصبح تهديد ترامب وتصريحاته بأن زر القنابل النووية في مكتبه، تعبيراً أصيلاً عن الرأسمالية ونهجها، وليست هوساً شخصياً لرئيس تصر الامبريالية على تقديمه إعلامياً بصورة المغامر، وإنما هذا هو جوهر الرأسمالية المبني على جعل العالم في حالة توتر وترقب للحروب!
في عهد (الرئيس علي عبد الله صالح) و(رؤوس ثعابينه) المشاركين له في السلطة والثروة، كان المثقف الإيجابي والعضوي عدواً يجب محوه، أو إيصاله إلى حافة الجنون، ليبقى المثقف (الدوشان) الذي يمدح السلطة ويخون المبادئ. لقد كان أجيراً في الإعلام وشق الأحزاب، وها هو اليوم بعد أن شاخ يتحدث عن (الوطنية) وعن (تاريخه الحزبي)! بل وجد في التهجم على (حركة أنصار الله) وإعطاء صورة مزيفة ومشوهة عن الحركة فرصته كي يغسل ماضيه، ولكن بأقوال وأفعال هي أشد نجاسة من تاريخه السابق.
يعي العدوان الأمريكي أن الدولة المركزية في اليمن تسقط حين تتوفر الأزمات الاقتصادية وفساد الحكم والاضطرابات والصراعات الداخلية، فعمل على توفر هذه الشروط كي يصل إلى شرذمة اليمن.
ما لم يكن ضمن حساباته هو إمكانية بزوغ حركة ثورية تنطلق من الريف والمحافظات المنسية، لتشكل عائقاً أمام مشروعه.
لقد راهن العدوان الأمريكي السعودي على (أن ظروف اليمن الطبيعية تساعد على تفتيت الوحدة السياسية والاجتماعية في حالة ضعف الحكم المركزي، وتعمل على أن يكون لكل جهة من جهات اليمن مشاكلها الخاصة ومواقفها المنفردة) (الفتح العثماني الأول لليمن - سيد مصطفى سالم - ط3-1978م، ص295). فكان تحرك (أنصار الله) ليعيد للمركز قوته إدراكاً منهم أن قوة المركز شرط جوهري لاستعادة اليمن الوحدوي.
إن أشمل توصيف لطبيعة العلاقة بين الأحزاب التي راهنت على العدوان الأمريكي السعودي، هو قوله تعالى: (وتحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى)، تجمعهم فنادق الرياض، وتحالفهم مع الكيان السعودي/ الإماراتي، وتفرقهم المصالح والتنافس على الارتزاق، كل يقدم نفسه الخادم الأمين لمصالح (دويلات محطات البنزين).
هذا هو حال التجمع اليمني للإصلاح والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، والسلفيين. حملاتهم الإعلامية ضد بعضهم، واستعداد كل طرف منهم لمرحلة ما يسمونها (ما بعد التحرير)، وهي في جوهرها مرحلة هوياتهم الضيقة والقاتلة.
هجوم تجمع الإصلاح من خلال الصدام المسلح بين فينة وأخرى ضد (أبو العباس) وما يمثله من قوة منازعة لهم تستخدم الدين والسلاح، وتسيطر على معظم حوافي وحارات مدينة تعز، يؤجج من توتر الإصلاح وخوفه من منافسين له على هذه المدينة بعد عقود من احتكاره لرمزية الدين والمال والنفوذ.
لهذا يكون الرهان على (حركة أنصار الله) بديلاً ثورياً ووريثاً للوطنية اليمنية في مواجهة الغزاة ومشروع التقسيم واستلاب الكرامة والأرض والقرار.
الزامل في مواجهة العدوان:
ارتبط (الزامل) في اليمن بالحرب عبر التاريخ، وفي حروب التحرير ضد الاستعمار التركي والبريطاني، كان للزامل دور فاعل في التوجيه المعنوي، واستنهاض الروح القتالية ضد الغزاة.
استوعب الزامل طيلة حرب السنوات الثلاث التي شنها العدوان على اليمن، البعد الوطني والعروبي والإسلامي والإنساني، في كلماته، فكانت دلالات الجمل الشعرية تتناغم مع الإيقاع والصوت الجماعي والصورة مع تضمينات من كلمات قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، بركاناً ثورياً، يعكس الثقة والبصيرة ووضوح المسار الثوري بقيمه الوطنية والعربية والإسلامية.
في مقابل ذلك، أراد العدوان والتجمع اليمني للإصلاح أن يواجه الزامل الثوري بزامل يعكس أهدافه وقيمه وخارطة الجغرافية السياسية التي يريد صنعها في اليمن، فكانت زواملهم تحمل دلالات ومحمولات عنصرية ومذهبية وجهوية، فمعركتهم ضد (المجوس)، (الصفويين)، (الروافض)، (الهاشميين)، (الهضبة المقدسة) إلخ، تماماً كما هو شأن إعلامهم المرئي والورقي والمسموع، ومنشورات كوادرهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
يبنى (الزامل) موسيقياً على (بحر الرجز)، والزامل تسمية يمنية، وربما أنها مأخوذة من (الزَّمل) وهو (الرجز):
لا يغلب النازع ما دام (الزَّمل) إذا أكب صامتاً فقد حمل
مادام يرجز فهو قوي، فإذا سكت ذهبت قوته.
والزمل عادة باللغة العامية، وتتفاوت القطعة منه ما بين بيتين إلى 8 أبيات، ومن ذلك قول شاعر خولان الطيال:
مَا بَا نِسَلمْ للجنود الكافرةْ لو با يقولون القيامة باتقوم
ولو سما الدنيا تقع له طايرةْ تلقي القنابل مثلما عدَّ النجوم
ويتميز الزامل عن القصيد الذي تتسع أبياته ما بين 10 إلى 100 بيت وتتشعب أوزانه، وعن الغناوي التي تكون أبياته مفردة أو رباعية، وكل بيت منها بقافيتين، وهو خاص بالنساء في الحقول أو مشارف الجبال أو العزاء أو الأزمات، وتعبر فيه المرأة عما تشعر به من حب أو بغض أو أسى، وكثيراً ما تتناقله الألسن لقائل مجهول...
المصدر محمد ناجي أحمد
زيارة جميع مقالات: محمد ناجي أحمد