محمد ناجي أحمد

(نضال الإنسان ضد السلطة هو نضال الذاكرة ضد النسيان) ميريك
تحت عنوان (اليدومي يستعرض مسيرة الإصلاح) في ندوة فكرية أقامها (مركز الجزيرة للدراسات بقطر)، ونشرت بتاريخ 25/9/2016م، أورد اليدومي كماً غير قليل من المغالطات التي تتعلق بمسيرة الإخوان المسلمين في اليمن. من ذلك زعمه أن حزبه تنازل عن حقه في تشكيل الحكومة بعد الانتخابات النيابة عام 1993م، التي حصلوا فيها - حسب قوله - على المرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد النيابية، فقال (استاء المؤيدون للإصلاح لتنازله عن حقه في تشكيل الحكومة... ولكننا كنّا وما زلنا نؤمن بالمشاركة وتوسيع دائرتها... فاليمن أغلى من الجميع). مع العلم أن الذي حصل على المرتبة الأولى هو المؤتمر الشعبي العام، فكيف تنازل تجمع الإصلاح عن حقه في تشكيل حكومة انفرادية!
يزعم رئيس التجمع اليمني للإصلاح اللواء محمد اليدومي، أن موقفهم من حرب 1994م كان موقف الوسيط الذي أراد نزع فتيل الحرب، والحقيقة أن قياداته في الهيئة العليا أو مجلس الشورى، أو القيادات المحلية، قد استنفروا قدراتهم الخطابية متنقلين في الجامعات والمدارس والمساجد والساحات العامة، في تحريض واضح على الحرب، ولعلّ نشاط عبدالله صعتر وعبد المجيد الزنداني وعبد الوهاب الديلمي، ومحمد الصادق، وحمود الذارحي.. إلخ، خير شاهد على زيف هذا الادعاء، فالأستاذ عبد المجيد الزنداني تحرك في كلية التربية بتعز وصنعاء وفي المساجد وفي المعسكرات، محرضاً ضد الحزب الاشتراكي، الذي زعم وقتها في محاضرة عامة ألقاها في كلية التربية بتعز، بأنه استطاع إقناع قيادات الحزب الاشتراكي كالعطاس والبيض وغيرهما بالإسلام بعد أن كانوا ملحدين، وأن أقصى ما يطلبه بخصوصهم هو تطبيق الحديث المأثور (ارحموا عزيز قوم ذل) و(أنزلوا الناس منازلهم)، كأفراد فتح الله عليهم بالإسلام، لا كحزب شريك في السلطة، وعلى ذلك كان نشاط قيادات عدة لتجمع الإصلاح!
لم يكن موقف تجمع الإصلاح موقفاً ثالثاً كما يزعم اليدومي حين وصف طرف صالح والمؤتمر بأنه أعلن الحرب، وطرف البيض والحزب الاشتراكي اليمني بأنه أعلن الانفصال، وأن تجمع الاصلاح اختار أن يكون مع الوحدة، فهذا تقسيم يراد منه المغالطة وتكييف الوقائع بأثر رجعي، فلم يكن حينها سوى موقفين موقف للحرب تبناه الإصلاح وشارك في الإعداد له منذ تاريخ إعلان الوحدة، وموقف ثان اختار الانفصال لأن طريق المحاصصة التي اختاروها كمضمون للوحدة لم تكن شراكة مجتمعية، وإنما شراكة سطحية سرعان ما تلاشت بوسائل عدة، وقد ساعد على ذلك هشاشة البنية التنظيمية للحزب، الذي بني كحزب للدولة، فوجد نفسه بعد الوحدة وقد اهتزت رؤيته الأيديولوجية، وأصبح برنامجه الحزبي شبيهاً ببرنامج الأحزاب الرأسمالية، وبنيته التنظيمية تأسست في حاضنة الدولة، ليجد نفسه في وضع من يطالب بحقوق مطلبية على المستوى الوظيفي والشخصي...
لقد كان نشاط تجمع الإصلاح في المدارس والمساجد والجامعات والمعسكرات، دعوة نفير للحرب والضم والإلحاق، لا تقارب وتمسك بالوحدة اليمنية القائمة على الشراكة والديمقراطية...
يدعي اليدومي أن حزبه كان نزيهاً، ويصف شريكه علي عبد الله صالح والمؤتمر الشعبي العام بالفساد وتزوير الانتخابات، ولعلّ ما ذكره الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي حين علل سبب تضخم التجمع اليمني للإصلاح وحصوله على مقاعد كثيرة في الانتخابات البرلمانية، من أن السبب في ذلك يعود إلى فقر اليمنيين وقيام تجمع الإصلاح بشراء الأصوات، ومن المعروف أن عدم دقة السجلات الانتخابية يعود إلى شراكة للإصلاح مع المؤتمر الشعبي العام في ذلك، بل إن كوادر الإصلاح كان الصوت الواحد فيهم يقوم بالاقتراع في أكثر من دائرة انتخابية كواجب و(تكليف شرعي) حثهم عليه حزبهم!
لم يكن اليدومي شفافاً ولا صادقاً في ورقته المقدمة لمركز الجزيرة بقطر، بخصوص مسيرة حزبه، فانعدام النزاهة في الانتخابات الرئاسية والنيابية كان حزبه شريكاً فيه، بل ويتقدمون إعلامياً على المؤتمر الشعبي العام في إعلان مرشحهم الرئاسي لانتخابات 1999م بعلي عبد الله صالح، ووقتها صرح اليدومي أن على المؤتمر الشعبي العام أن يحدد من هو مرشحه، فصالح مرشح الإصلاح! مما جعل الانتخابات تأخذ شكلاً خالياً من التنافس الحقيقي.
أما زعمه أنهم عملوا على دمج أبناء الوطن اليمني - رجالاً ونساء- في الحياة العامة، وساعدوه على تجاوز الانتماءات الضيقة للمجتمع كالقبيلة والمنطقة والمذهب والطائفة، وعملوا على رفعه إلى مستوى المطالب الوطنية مثل الحرية والأمن والاستقرار، والتوزيع العادل للثروة والسلطة، ورفض الفساد والمحسوبية، وما كان لتلك المطالب أن تحضر في وعي وتفكير المواطن لولا نشاط الإصلاح وانتشاره.. فكل تلك الادعاءات مدحوضة بحقائق التاريخ وجلاء الممارسة، فالقبيلة بطاغوتها وجدت في الإصلاح السند الحزبي لتعميم نموذجها، وجعل حواري وحافات المدن بتعز وعدن وحضرموت والحديدة وأمانة العاصمة.. إلخ، تعج بمشائخ الحارات إلى جوار عقال الحارات! لقد استخدمت القبيلة السياسية تجمع الإصلاح، وقلصت نفوذه الحزبي في جغرافية نفوذها، وقد جاءت الصراعات والمواجهات خلال العقد الأخير، لتكشف مدى غياب الإصلاح كحزب في جغرافية القبيلة السياسية، وأنها من استخدمت وروّضت تجمع الإصلاح لا العكس، بل إن الأنماط القبلية من عادات وتقاليد وأعراف معروفة بما يسمى طاغوت القبيلة، قد تغلغل في بنية الاصلاح! وبالنسبة للنزعات المناطقية فلقد كشفت أحداث 11 فبراير 2011م مدى انتهازيتهم في دغدغة واستحضار وتوظيف الهويات ما قبل وطنية من جهوية ومناطقية ومذهبية وقروية.. إلخ. بل إن توظيفهم لها كان مصاحباً للانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006م؛ من خلال تصريحات الناطق الرسمي للتجمع محمد قحطان، وتلويحه بحركة مماثلة لحركة الفقيه سعيد الدنوة، في الثلث الأول من القرن التاسع عشر! وأما الفساد والمحسوبية واستبعاد الآخرين من الوظيفة العامة والترقية، والكفاءة، فلقد كان نهج وزرائهم في حكومة الائتلاف الثلاثي ثم الثنائي، تجسيداً حياً على سلكهم الاستئثاري، وتقاسم السلطة والثروة سواء في الوظيفة العامة أو المناقصات والمشاريع الاقتصادية، أو الخصخصة في التعليم والصحة والثروة السمكية، والنفط والغاز، وشركات الاتصالات اللاسلكية.. إلخ. ولقد كان تلويح الرئيس السابق علي عبد الله صالح بأنه سيسحب من الإصلاح الوظائف التي أعطيت للتجمع في إطار التقاسمات والتفاهمات معه ابتداء من وظيفة الفراش! التي أخذوها كرشى، ما يعكس حجم الفساد الذي أسهموا فيه بقضهم وقضيضهم طيلة العقود الماضية!
يزعم اليدومي أن تجمع الإصلاح غادر جبهة الرئيس السابق بسبب (برنامج الاستحواذ على الدولة من قبل الرئيس السابق)، وهو زعم يتعارض مع حقيقة فك الارتباط التي سعى إليها الرئيس السابق منذ عام 1997م، وبضغوط أمريكية...
يستمر اليدومي في الادعاء بأن شراكتهم في الحكومة بعد عام 1993م كشفت لهم مدى غيابهم عن الوظيفة العامة، وسيطرة المؤتمر الشعبي العام والاشتراكيين والبعثيين والناصريين والإماميين، وذلك لأن هذه القوى السياسية - حسب وصفه -تفردوا في الحكم، وغاب الإصلاح لأنه زهد وانشغل بالمهم عن الأهم، فلقد انشغل بأسلمة التشريع، والخدمات الاجتماعية والخيرية.
يختتم رئيس التجمع اليمني للإصلاح محمد عبد الله اليدومي، ورقته بما يبرر ويسوِّغ توجههم وسلوكهم النفعي، في تحالفاتهم المنطلقة على أساس التحالف مع الأقوى محلياً وإقليمياً ودولياً، ولابد لهم من التعامل معها بحسب قوله (على بصيرة وعلى مصالح مشتركة لا تخفى على أحد، وعليهم أن يتذكروا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سعى للبحث عن الحليف الأقوى، وليس عن الحليف الخامل الكسول).

أترك تعليقاً

التعليقات