محمد ناجي أحمد

يتشابه واقع الأمة العربية في أيامنا وهي مقسمة ومنقسمة على نفسها إمارات ومشيخات ودويلات صغيرة، وما هو منها وطن واحد يسعى الغرب وأدواته إلى تفتيته جغرافياً وثقافياً، بما يجعلنا جغرافيات مجهرية تابعة وخانعة ومهيمناً عليها وعلى مقدراتها.. يتشابه مع واقع الأمة العربية في القرن الـ11 الميلادي، ففي 1098م كان الفرنجة يحاصرون (أنطاكية)، وغايتهم الشام وبيت المقدس، وكان واقع التشرذم السياسي مساعداً لهم كي يصلوا إلى غايتهم، فإمارة (أنطاكية) يحكمها الأمير (سيان)، ومملكة حلب يحكمها الملك (رضوان)، ودمشق يحكمها الملك (دقاق)، وحمص يحكمها (شمس الدولة جناح بن ملاعب)، والموصل يحكمها التركماني (كربوغا)، وحماة يحكمها (سلمان التركماني)، وإمارة حصن عزاز شمال حلب على رأسها الوالي عمر، والصراع بين مصر وبغداد صراع على النفوذ مغلف بالمذهبية، كما يستعرض ذلك (أحمد الشقيري) في كتابه (معارك العرب)، ط2،1977م.
هذا الوضع المتشظي في القرن الـ11 الميلادي، هو الذي ساعد وسهل للفرنجة أن يستولوا على الشام وبيت المقدس، وهو وضع شبيه بأحوالنا وواقعنا هذه الأيام، فمشيخات الخليج وإماراتها تقود حرباً على اليمن من أجل تمزيقها إلى هويات صغيرة، ومصر غارقة في استنزاف داخلي يجعلها منشغلة وبعيدة عن أمنها العربي، مما يجعلها تطرح جزءاً من جزرها ذات الأهمية لأمنها القومي، كي تصبح اسماً في ملكية الكيان السعودي، وفعلياً ضمن السيادة الصهيونية، والعراق لم يتعافَ منذ الاحتلال الأمريكي له، وتفكيك عرى وحدته إلى عرب وأكراد وسنة وشيعة، وحرب مع الإرهاب المسمى (داعش)، وهو أحد منتجات الغرب الاستعماري، وهذا المغرب العربي بدوله بعيداً عن لحمته المشرقية يعانون من أزمات اقتصادية وصراع الحدود الجغرافية، وفزاعة تقرير المصير، وتهيؤ العرقيات للنهوض متى ما وجدت وهناً في جسد الدولة وقوتها! وهذه سوريا التي لم يستطع الغرب تركيعها وجعلها تعطي السلام لإسرائيل، فاختلقوا لها (ربيعاً) استعمارياً عمل على تجميع المقاتلين من أصقاع الأرض بلافتات دينية، واستثمروا التناقضات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بهدف إسقاط النظام، وتقسيم سوريا إلى إمارات تتقاتل في ما بينها حماية للأمن الإسرائيلي، وهذه ليبيا التي كانت صاحبة السيادة على ثروتها وأرضها، أمست بلا ثروة ولا وحدة للأرض، ولا سيادة لدولة!
لم تعد إسرائيل بحاجة إلى سلاح نووي يحميها من محيطها العربي، فلقد تكفلت مشيخات الخليج؛ دويلات محطات البنزين، بدفع فاتورة تمزيق الدول العربية، وإدخالها في اقتتال داخلي قضى على الأخضر واليابس!
وفي وضع كهذا يتمدد الكيان الصهيوني ولا يبالي، ويواصل أهدفه الاستيطانية، وتحويل القدس إلى عاصمة لكيانه، ويفرض شروطه، ويستولي على المياه من البحيرات والأنهار العربية، وعلى الغاز، مقترباً من إنجاز مشروعه الشرق أوسطي الذي روّج ونظّر له شيمون بيريز في كتابه الصادر عام 1993م.
لقد كانت هزيمة العرب في أنطاكية عام 1098م، في الثالث من حزيران، وفي 20 حزيران من عام 1268م كان النصر على الفرنجة بقيادة الظاهر بيبرس، وكما يقول الشقيري: (لقد كانت الهزيمة في عهد التجزئة والانفصال، في عهد الملوك والممالك، في عهد الأمراء والإمارات، وفي عهد الخلفاء والخلافات، وكان النصر في عهد الوحدة الواحدة، لها حاكم واحد، وحدود واحدة... وكذلك كانت عبرة التاريخ، نصر مع الوحدة وهزيمة مع الانفصال. وما أشبه الليلة بالبارحة).

أترك تعليقاً

التعليقات