عضوية الثورة والوحدة في فكر باذيب 2-2
- محمد ناجي أحمد الخميس , 14 فـبـرايـر , 2019 الساعة 6:50:11 PM
- 0 تعليقات
محمد ناجي أحمد / لا ميديا -
كانت الوحدة اليمنية، بحسب الدكتور محمد علي الشهاري في كتابه آنف الذكر، "واحدة من أبرز القضايا التي ارتبط بها نضال عبد الله باذيب منذ اقتحم ميدان الحياة العامة في الخمسينيات، وبالذات منذ 1954م، إلى يوم رحيله في 16 أغسطس 1976م. كانت تسمية "الجنوب" أو "الجنوب الكبير" أو "الجنوب العربي" هي التسمية المرادفة التي كان يستخدمها في مبدأ الأمر، قاصداً بها اليمن، قبل أن يثبت هذه التسمية الأخيرة في جميع كتاباته، غير عابئ بما يترتب عليها من عنت أو قهر من قبل قوى الاستعمار، والقوى الانفصالية الضالعة معه" (ص233).
نعم لقد كانت العلاقة الجدلية بين التحرر الوطني من الاستعمار السياسي، والنضال من أجل تحقيق الوحدة اليمنية والديمقراطية، هي المثلث النضالي المترابط عضوياً لدى باذيب، مع التأكيد أنه كان يرى الوحدة اليمنية نتيجة، تترتب على توفر ونضوج شروطها الموضوعية، وليست سبباً ومقدمة.
كذلك فإن مفهوم "الجنوب" كان المقصود به لدى باذيب، بحسب منطوق كتاباته، يشمل "عدن والمحميات واليمن"، ومصطلح "الجنوب الكبير" كان مرادفاً لمصطلح اليمن الطبيعية، ثم بعد ذلك أصبح مصطلح اليمن في السنوات الأخيرة من خمسينيات القرن العشرين هو المصطلح الذي يستخدمه باذيب للتعبير عن اليمن، بشماله وجنوبه وشرقه وغربه.
وقد يتساءل القارئ: ما الذي يجعل باذيب يتدرج تاريخياً في استخدام مصطلحات ملتبسة وصولاً إلى المصطلح الواضح في دلالته الوحدوية؟
بحسب وجهة نظري فإن باذيب كان يتطور في مواقفه. وفي سياق رده على محمد أحمد نعمان، في جدل صحفي بينهما من خلال مقالات نقدية لكليهما نشرت في النصف الثاني من الخمسينيات، كان رأي محمد النعمان أن باذيب يتناقض في مواقفه، وكان رد عبد الله باذيب: أنا أتطور.
والسبب الثاني من وجهة نظري بخصوص هذه المصطلحات الملتبسة يعود إلى الاستعمار البريطاني، الذي صاغ قوانين لمستعمرة عدن تجرم وتدين من يكتب أو يدعو أو يساعد أو ينشر أو يتبنى مواقف مطالبة بالوحدة اليمنية. وقد سجن ونفي العديد من مناضلي الحرية العمالية، والصحفيين، والسياسيين، وكان انتقال باذيب إلى تعز عام 1959م حين علم بوجود نية لنفيه إلى ريف حضرموت، فما كان منه إلاَّ أن فرَّ إلى تعز، محاولاً من خلال إصداره صحيفة "الطليعة" أن يستغل التناقض بين المملكة المتوكلية والاستعمار البريطاني، ولقد كانت أعداد صحيفة "الطليعة" الصادرة بتعز عاكسة لاستثمار هذا الهامش، وحين وجد سقف الهامش والتناقض لا يساعده على أكثر مما كتب من مقالات، وكان التحريض ضده متواصلاً من الحسنين بأنه "شيوعي"، حينها عاد إلى عدن، وأسس "الاتحاد الشعبي الديمقراطي"، وواصل نقد الاستعمار والاستبداد، ثم أصدر صحيفة "الأمل" عام 1965م، التي تم حرق مقرها وإغلاقها فلم تكمل العام منذ صدورها، بسبب مواقفها المنحازة للكفاح المسلح، وتم رمي قنبلة على مسكن باذيب في كريتر في ذلك العام.
الغالب على العمل السياسي والتنظيمي في اليمن منذ خمسينيات القرن العشرين وحتى الآن هو العمل الجبهوي، فالاتحاد الشعبي الديمقراطي بحسب ما كتبه باذيب وصاغه في "الميثاق الوطني" للاتحاد هو تجمع جبهوي وليس حزباً؛ "وهذا الاتحاد ليس حزباً، وإنما هو تجمع وطني، يقبل ويرحب بأي عنصر وطني مستقل يؤمن بمبادئ الاتحاد، ويتبنى الميثاق الوطني"، كما جاء في مقدمة "الميثاق الوطني" للاتحاد، المنشور في "كتابات مختارة" (بيروت، 1978م، ج2، ص187).
وعلى هذا النهج التجميعي والتجمعي والجبهوي كان تأسيس "التنظيم السياسي الموحد" من: الطليعة الشعبية، والاتحاد الشعبي الديمقراطي، والجبهة القومية، وكان تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني من فصائله الثلاثة السابقة، مع حزب الوحدة الشعبية، الذي مثل خمسة فصائل في الشمال تم توحيدها، وهي: الطليعة الشعبية، واتحاد الشعب الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الثوري اليمني، والمقاومين الثوريين، وحزب العمل. كذلك التجمع اليمني للإصلاح هو تجمع جبهوي للقوى المحافظة، أو التي تسمي نفسها بقوى الإصلاح، والمؤتمر الشعبي العام، هو أيضاً مماثل في بنيته التكوينية للتجمع اليمني للإصلاح، بل إنهما صوت وصدى من حيث الأدبيات والغايات السياسية، فهما التعبير الحقيقي عن مقررات "خمر" عام 1965م، والذي كان من مخرجاته إنشاء "حزب الله" كتسمية للداخل اليمني، و"المؤتمر الشعبي" كتسمية للتعامل مع الخارج. كذلك التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري هو تحالف لقوى الشعب العامل، أي أنه تنظيم تجمعي وتجميعي للبرجوازية الصغيرة والبرجوازية المتوسطة والعمال والفلاحين والجنود والمثقفين والتكنوقراط... إلخ. وقبل ذلك كانت حركة القوميين العرب حركة جبهوية تأسست من أجل الثأر لفلسطين وهزيمة 1948م.
لم يعلن باذيب عن تنظيمه حزباً شيوعياً لعدة عوامل، منها: أن وضع الطبقة العاملة رغم حضورها الفاعل في مسرح الأحداث السياسية منذ منتصف الخمسينيات، يتسم بالضعف الكمي والنوعي، "ناهيك عن تخلف البنية الاجتماعية -الاقتصادية" (محمد علي الشهاري: جدل حول الثورة الوحدة اليمنية، ص260).
لذلك فإن الأنسب للأوضاع اليمنية، ومرحلة تطورها، هو العمل الجبهوي التجمعي، لكن أن تظل هذه هي سمة العمل السياسي والنشاط الحركي منذ خمسينيات القرن العشرين وحتى يومنا فإن ذلك يؤشر إلى مدى الجمود الاجتماعي والاقتصادي الذي لا يسمح بقيام نشاط حزبي يعبر عن الفرز الاجتماعي؛ لغياب عوامله الموضوعية، فاليمن بتداخل أزمنته الاجتماعية والثقافية مازال السائد فيه هو زمن شبه إقطاعي متحالف مع البرجوازية وشبه الإقطاع العسكري والسياسي.
من هنا يصبح العمل السياسي من خلال "الكتلة التاريخية" المتلاحمة الأهداف المشتركة هو الأقدر على تحقيق التحولات السياسية، وما يترتب عليها من تحولات اجتماعية واقتصادية.
إن بعض الكتابات وصفت باذيب بأنه حامل راية الأيديولوجيا، وأن عبد الفتاح إسماعيل يتميز بسمة الخطاب الثقافي. ووجهة نظري أن العكس هو الصحيح، فباذيب كان في جدل دائم مع الواقع، وكان عبد الفتاح إسماعيل في انشداد أكثر للمقولات والأحكام الماركسية المقولبة بنصوص وعبارات متواترة. وإن كان الدكتور محمد علي الشهاري في كتابه سابق الذكر يرى أن عبد الله باذيب كان -شأن عبد الفتاح- رمزاً لهذا المثقف العضوي، صاحب الرسالة والقضية الاجتماعية والأيديولوجية الثورية (ص283)، فهما يجمعان من وجهة نظره بين الأيديولوجيا التي تعكس مصلحة الطبقة وبين الثقافة التي "تهتم بمعرفة وتملك وإنتاج الواقع الموضوعي، الاجتماعي والطبيعي، بينما تقتصر الأيديولوجيا على عكس هذا الواقع من زاوية واحدة: زاوية مصلحة هذه الطبقة أو تلك، ومن ثم تكون رؤيتها مشوهة محدودة، قاصرة، ملونة بلون هذه المصلحة الطبقية" (د. محمد علي الشهاري: جدل حول الثورة والوحدة اليمنية، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى، 1990م، ص283).
المصدر محمد ناجي أحمد
زيارة جميع مقالات: محمد ناجي أحمد