تفكيك اليمن تحت مسمى الثورة
 

محمد ناجي أحمد

لم تكن أحداث ٢٠١١م وما صرف في ساحاتها من أموال ونزيف للدماء تحت مسمى السلمية، مجرد حركة شعبية عفوية، وإنما عمل دولي منظم أسهمت في صنعه كل أدواتهم المحلية والإقليمية، تحريضاً وتوجيهاً للناس كقطعان لا ترسم مسارها، وإنما يتم تسييرها لغايات محددة سلفاً.
في ١٣ ديسمبر ٢٠١١م، كتبت هذه الرسالة الموجهة للكاتب الصحفي نبيل الصوفي، وكان يومها من المنظرين لفيدرالية الأمر الواقع، وأجد أن قراءتها بعد هذه السنوات العجاف تبين لنا أنه لا يوجد مسار ثوري، وإنما مؤامرة دولية بأدوات إقليمية ومحلية...
إلى صديقي العزيز: نبيل الصوفي
كثيراً ما تعجبني تناولاتك، واهتماماتك الحياتية، تلك المتعلقة بفضاء حياتنا العامة، المتعلقة بالتعليم، وبالحياة التنظيمية للأحزاب، بفاعلية المثقف إزاء فضاءات هامة تتعلق باهتماماتنا الفنية والأدبية، برؤيتك للإنتاج كمؤشر على تقدم المجتمع وتأخره، إلى المرأة وحضورها ككيان فاعل، وليس كقوة صوتية، وظاهرة تعزز التخلف الذي نعيشه... لمجلة (أبواب) واهتماماتها بتفاصيل الحياة بتعز وعدن وصنعاء وحضرموت وصعدة... الخ. هناك غياب للذهنية المدنية في مجتمعنا، وبالتالي غياب للمجتمع المدني الذي كان لصيقاً ومازال بالحكام، لهذا سرعان ما بدا عاجزاً طيلة الأشهر الماضية... 10 أشهر مضت في انشغال بالسياسة، كون اليمني، والعربي يراها مفتاح التحولات، لكننا اليوم أمام تدهور للعملية التعليمية، التي هي أساساً مبنية على فلسفة تعليمية لا تنتج سوى العجز، والأنساق المتخلفة، وتدهور لبنية اقتصادية هشة، لدينا أنساق اجتماعية لا تساعد على بناء دولة مدنية، وأحزاب أصبحت منقادة ومنفعلة، ومصادرة للأطراف المعنية بالحكم منذ 1967م. 
الإبداعات الشخصية في اليمن تظل نتوءات، وليست حالة اجتماعية راسخة، انشغلنا بإسقاط الصور لحاكم طالما بايعته الأحزاب والقبائل، ورسخته في الأذهان باعتباره شخصية قادرة على التواصل والكرم معها، وصاحب قدرة على استيعاب مكونات الطيف السياسي والقبلي، والديني، وطالما تغنى الصحفيون والكتاب بشمائله التي لا تنتهي عند (حذقه، وذكائه، وطيبته)، وحين تغيرت موازين السياسة تحول فجأة إلى شخصية مسلوبة من كل شمائل الخير! أسقطناه كصورة، لتحيا بعده الكثير من الصور ومشاريع الملهمين القادمين... 
لن تحل أزمات اليمن بالبحث عن أصول لنا في حضرموت، أو عدن، أو حتى الحبشة! ولن تكون (الهويات القاتلة) حلاً لاحتياجاتنا الحياتية، فالاقتصاد المتدهور، والعلاقات الاجتماعية المتخلفة، والتعليم الفاشل، والفرد الغائب والمغيب... الخ، كل ذلك لن يجد أفق حياته بالبحث عن هوية عدنية، وأخرى طائفية، وثالثة تتوهم أن (تعز هوية) وأنها (الأرقى)، فذلك خطاب يجد تناغمه مع ما يطرحه (حمود سعيد)، (وصادق سرحان) من أن تعز مستهدفة ومظلومة، ومنتقصة، لهذا كان حضورهم المنقذ، والمؤسس لهذه الهوية الوهمية، بهذا يلتقي الانفعال العاطفي مع المؤسس للأساطير المناطقية، ذلك الذي سوق، في بداية الاحتجاجات، لمصطلحات، مثل (برغلي) ولغلغي، ودحباشي... الخ. علينا أن نواجه أزمات الانسان اليمني بشكل حقيقي، دون تزيفها بالسياسة وخرافاتها، وألغامها...
ما نحتاجه الآن هو التوافق على دولة رشيدة، تعطي فرصة للمثقف المثابر الذي لا تنقصه القدرة والإبداع كي يجد فرصته، وحقه في التنافس والعمل، والحرية المؤسسة على الأمان، وإشباع حاجاته الطبيعية، كي يتسنى له فرصة متكافئة له ولغيره من المواطنين، ناهيك عن حقه كمبدع... فطريق الهويات الصغيرة في الجنوب، أو في تعز، أو في شمال الشمال، لن يخرجنا من مأزقنا التاريخي، لكنه سينقلنا إلى أسوأ حلقات الصراع، بملامحها الطائفية، والمناطقية، والجهوية، وتلك لعمري قاتلة للإنسان، بل مصادرة لإنسانيته... 
عهدتك طيلة أشهر وأنت تتحدث عن التغيير المتدرج، في كل أنساق حياتنا، لكنك فجأة أصبحت معنياً بكل الهويات القاتلة، وكأنها المخرج لما نحن فيه، وليست نتيجة لما نحن فيه! سأتحدث معك بشكل أكثر وضوحاً، فبناء فيدرالية قبل أن تؤسس الدولة السيادية، ولجغرافيات تمتلك السلاح، هذا من وجهة نظري تأسيس لدويلات، وانتقال من رخاوة الدولة التي تفككت خلال الأشهر الماضية، إلى كارثة أسوأ مما عانيناه خلال الأشهر الماضية... هناك حكومة توافق، مطلوب منها أن تنجز هذا التحول، والمعوقات التي تحاصرها، سواء أكانت راسخة في تخلف المجتمع، واستحقاقات أقيالها، أو كانت نتيجة خطاب سلب الناس حقهم في التفكير باختيار مسارهم في الحياة، والإنتاج، وصناعة الجمال، أو كان نتيجة غياب لجيش وطني وسيطرة الإقطاعيات العسكرية، كل ذلك وغيره يحتاج إلى معارضة تنتقد مسار الحكومة إن هي تواطأت على السير نحو دولة للجميع... نحتاج إلى حوار مفتوح، مبني على قراءة جادة لأزمات اليمن، وإلى إخلاص في اجتراح حلول تحقق للإنسان اليمني نهضته... لن يكون من بين هذه الحلول التبشير (بعولمة مشرقة)، وأن في الأفق (عوالم جديدة)، فالعولمة المشرقة للغرب، ستكون مشرقة هناك، لكنها بالمقابل ستكون معتمة علينا، فالإنسان اليمني، يعاني من تراكم التخلف، مما سيجعله مجرد موقع لهذه العولمة، وهي ترنو بنظرها نحو استكمال حلقاتها، على ما تسميه (الشرق الأوسط الجديد)، وهو لن يتحقق إلا بسيادة مفقودة، وباهتمامات ليس من بينها التنمية وكرامة الإنسان اليمني..

أترك تعليقاً

التعليقات