الطائفية وثورة سبتمبر
- محمد ناجي أحمد الخميس , 28 سـبـتـمـبـر , 2017 الساعة 6:00:59 PM
- 0 تعليقات
في كتابه (المجد والألم) المطبوع عام 1967م، بمطابع المدني بمصر، يعطي مطهر علي الإرياني لروح العصبية القحطانية تبريراً، فهي (في موقف الدفاع المشروع في أحيان أخرى)، وهو هنا لا يتعظ من التاريخ في انقلاب التعصب على أصحابه، فتأجيج النعرات (القحطانية/ العدنانية) في سنوات الستينيات موجه لتفتيت الجبهة الداخلية، أي ضرب الجبهة الوطنية في خدمة الكيان السعودي، وعدوانه على الثورة اليمنية طيلة السنوات الـ7 التي امتدت من 26 سبتمبر 1962م إلى مايو 1970م. ولقد اتضح أن استخدام وتأجيج السعودية لورقة الذاتية اليمنية كان استخداماً مؤقتاً لدحر المد القومي، ثم بعد أن تحقق لها المراد كوكيل للمشروع الغربي في المنطقة، تخلصت من رموز الذاتية اليمنية، فهي لا تريد سيادة يمنية بأفق عروبي ولا بوحدة وطنية ويمنية ذات إرادة.
يرى مطهر الإرياني التاريخ السياسي في اليمن صراعاً بين وطنية (قحطانية) وسلالة (هاشمية) يراها مرادفاً للشر والكهنوت والطغيان عبر القرون!
لقد قامت ثورة سبتمبر لتزيل الفوارق الاجتماعية، لكن الثورة المضادة عملت على تأجيج العنصرية بين الضباط الأحرار، الذين أقسموا على التغيير في اليمن دون السقوط في أوهام العنصرية، لهذا كان الضباط الأحرار في (القاعدة التأسيسية) و(اللجنة القيادية) لتنظيم الضباط الأحرار، الذي كان اسمه قبل ذلك (منظمة الضباط الأحرار)، متجاوزين لكل الأوهام العرقية، وينتمون لحقيقة وطنية اسمها اليمن: الأرض والإنسان والتاريخ، بأفق عروبي واضح في صيغة القسم الذي اتخذوه للانضمام إلى تنظيمهم. كان القسم: (أقسم بالله العظيم وبالإسلام الذي أدين به، وبكل المقدسات الوطنية، أن أكون جندياً مخلصاً في جيش العروبة، وأن أبذل نفسي وما أملك فداء لقيادتي، ووطني، وأن أكون منقاداً لما تصدر إليّ من أوامر، منفذاً لها مادمت أعلم أنها في المصلحة العامة التي جاء من أجلها الدين، وألا أخون ولا أفشي سراً للمنظمة ولو أدى ذلك لاستشهادي، والله على ما أقول وكيل) [أسرار ووثائق الثورة اليمنية –لجنة من الضباط الأحرار، دار العودة، 1978م.
لم تكن ثورة سبتمبر قحطانية في مواجهة الحكم (الهاشمي)، وإنما كانت ثورة وطنية لإزالة الفوارق الاجتماعية، وإقامة النظام الجمهوري، كخطوة نحو الوحدة العربية.
بعد مرور أشهر على ثورة سبتمبر استخدم الكيان السعودي الورقة الطائفية في اليمن، مما أدى إلى صراع داخل الضباط، وانقسامهم إلى (قحطانية) و(هاشمية)، وكذلك كان خطأ المصريين في دعمهم لعبد الرحمن البيضاني، وإن تدارك جمال عبد الناصر الخطأ بعزل البيضاني، وسجنه في مصر، لكن (القيادة العربية) بتعز عززت لدى بعض المشائخ مثل الشهيد عبد القوي حاميم وغيره، النزوع الجهوي، تحت لافتة (الحكم الذاتي).
من الواضح أن مطهر الإرياني، في هذا الكتاب، وفي مقدمته لمذكرات الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني، يرى الوطنية بلباس (قحطاني) يمتد في الماضي قروناً، في مواجهة الحكم الإمامي (الهاشمي)، وهو في هذا الكتاب (المجد والألم)، وبثنائية الدلالة بين مجد (القحطانية) وألمها الذي يراه في (الإمامية)، يعكس توجهاً يتم استحضاره هذه الأيام في الانتصار (للأقيال اليمانية) في مواجهة حركة (أنصار الله)!
التاريخ يكرر نفسه إذا توفرت العوامل التي صنعته في المرة الأولى. فالجغرافيا هي الثابت الذي يصنع التاريخ.
لقد حاول البعض في مصر منتصف الخمسينيات وبداية الستينيات، أن يوقظ النعرة الفرعونية عن تصميم وعمد، والترويج في الداخل المصري للهوية الفرعونية. ومن المعروف كما يقول محمد حسنين هيكل في كتابه (عام من الأزمات 2000-2001م)، أن استخدام الدين المسيحي، وتوحيد كنائسه باسم (مجلس الكنائس العالمي)، أو بدعم جماعة الإخوان المسلمين والحركة الوهابية، كان استراتيجية تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي أيزنهاور، ووزير خارجيته (جون فوستر دالاس)، في مواجهة اليسار والقومية العربية. وها نحن نجد الدعوات والنعرات في اليمن (القحطانية) و(الحميرية) في مواجهة (الوطنية اليمنية الجامعة)، أي استخدام التاريخ الميت لإماتة التاريخ الحي!
في كتابه (المجد والألم)، وهو كتاب شعري على نهج (النقائض الشعرية)، يرد فيه مطهر الإرياني على قصيدة لأحمد محمد الشامي، تم ترويجها عام 1966م، اسمها (دامغة الدوامغ)، يُناقض فيها الشامي قصيدة (أبو الحسن الهمداني). وهي امتداد للنقائض التي بُدئت بقصيدة الكميت (المذهبة) التي قالها في أواخر القرن الأول أو مطلع القرن الثاني للهجرة، وبلغت الـ300 بيت في المفاخرة بـ(العدنانية)، والحط من (القحطانية)، ولم يترك حياً من أحيائها إلاّ هجاه بأقذع الهجاء. وربما تكون هذه (المذهبة) من أسباب زوال الدولة الأموية، فالخليفة الأموي (مروان بن محمد) الموصوف بـ(مروان الحمار) قد وقع في فخ العصبية ضد (اليمانية)، مما أدى إلى أن تنحاز اليمانية للدعوة العباسية ونصرتها. ومطلع قصيدة (الكميت) يقول:
ألا حييت عنا يا مدينا
وهل قوم نقول مسلمينا
وهي من بحر الوافر، وعلى قافية النون المفتوحة. وعارضها (دعبل بن علي الخزاعي) بقصيدة مطلعها:
أقلي من ملامك يا ضعينا
كفاك اللوم مرّ الأربعينا
وإذا عرفنا أن الشاعرين ينتميان لمذهب سياسي واحد، ويفترقان في العصبية، فسنجد أن من دفع ضريبة هذه العصبية خسراناً لامبراطورية مترامية الأطراف، وسقوطاً في ضيق العصبية والأوهام، هي الدولة الأموية!
من هنا نفهم استخدام الكيان السعودي لتأجيج الطائفية بعد ثورة سبتمبر، على أساس عرقي وجهوي، لمعرفتها بتركيبة الضباط الأحرار الذين ثاروا من أجل قيام نظام جمهوري عادل.. تصل مفاخرة (مطهر الإرياني) في (المجد والألم) أن يجعل من العرق محركاً للتاريخ، وهو ما نجده لدى النازية والفاشية!
فـ(القحطانية) هي محرك التاريخ وصانعه، ومحققة النبوة وحاملها:
ألم يبعث (محمد) في قريش
نبياً صادقاً منهم أمينا
لكن قريش استخدمت الدين وسيلة للتكسب والتجارة، ولولا نصرة القحطانية للنبي (محمد) لما كانت الرسالة:
همو شدخوا رؤوس قريش شدخاً
وأودوا بالطغاة المارقينا
إلى دانٍ من (عدنان) قاصٍ
ودانٍ للهداية مذعنينا
فالنبوة لم تهن بحسب القصيدة، لأن اليمانيين عقدوا العزم على نصرتها:
فإن يفخر بدين الله قوم
فنحن الفاخرون الغالبونا
وإن يك (أحمد) أولى بشعب
فأجدر أن يكون لنا خدينا
وإن يك بالمدين، وليس حقاً
فأجدر أن يكون لنا مدينا
فلولانا لما صلى مصلٍّ
ولم نسمع أذان مؤذنينا
وفي هذا السياق يأتي تعريف الشاعر والكاتب لنفسه بـ(مطهر بن علي الإرياني اليحصبي اليماني).
المصدر محمد ناجي أحمد
زيارة جميع مقالات: محمد ناجي أحمد