(مصرع ضمير).. قصيدة وشاعران
 

محمد ناجي أحمد

في كتابه (رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه) الصادر عام 1973م، يرى عبدالله البردوني أن شهرة الشاعر محمد محمود الزبيري قامت على ثلاثة أسس، الأول: أنه كان امتداداً متجدداً للشعر العربي في عهد فحولته، وفي عهد النهضة، فكان عهده الأول يمتاز بالمبالغة، وإن لم تكن مقبولة واقعياً، فهي مقبولة فنياً، ومن ذلك قوله في مدح الإمام يحيى:
من أين يأتيك العدو؟ وأنت في 
أرض تكاد صخورها تتشيع 
وهو في هذه القصيدة متأثر بقول المتنبي في بني أوس:
وعجبت من أرض، سحاب أكفهم 
من فوقها، وصخورها لاتورق 
والأساس الثاني: شعر المناسبات عند الزبيري من موت أو تقريض لكتاب، كما هو الحال في رثائه للأستاذ أحمد محمد نعمان في وفاة إحدى قريباته، أو تقريضه لكتاب أحمد العنسي عندما فصل (المذهب الهادوي) عن المذاهب الخمسة في شرح الأزهار، في كتابه (التاج المذهب)، فأثنى عليه بقوله:
والعلم إن لم ينتشر بين الورى 
فذهابه وبقاؤه سيان 
إن التأني في الشيوخ فضيلة 
لكنه عار على الشبان 
ومن ذلك رثاؤه لعمه يحيى لطف الزبيري حاكم المقام، ومسامحته له على اقتحامه لبيته مع مجموعة من العساكر تنفيذاً لأمر الإمام يحيى:
غفرت لك الحيف الذي سمتني به 
فما أنت جانيه ولا أنت كاسبه 
لقد كنت في ما جئت قائد عسكر 
تصرفه في ما تريد كتائبه 
والأساس الثالث في شهرة الزبيري هو التجديد على أساس القديم، والنفاذ إلى المجهول عن طريق المعلوم، ومن ذلك قوله:
ناشدتك الإحساس يا أقلام 
أتزلزل الدنيا ونحن نيام 
ويقسم البردوني شعر الزبيري إلى أربع مراحل، هي: مرحلة الإرادة والتردد، ومرحلة النصح للحاكمين، ومرحلة الانقلاب النضالي، ومرحلة شعر الثورة.
يتوقف عبد الله البردوني في (رحلته) عند قصيدة (مصرع ضمير) التي نشرها محمد محمود الزبيري في ديوانه، ويؤكد أن القصيدة ليست للزبيري، وإنما هي للشاعر (أحمد المعلمي) أرسلها حين كان سجيناً في حجة عام 1953م، إلى الزبيري في القاهرة، لكن الزبيري من شدة إعجابه بالقصيدة قرأها في مقر (الاتحاد اليمني) على أنها له، ثم طبعها ضمن قصائد ديوانه. وقد رد عليه (أحمد محمد الشامي) في كتابه (من الأدب اليمني نقد وتاريخ) المطبوع في دار الشروق عام 1974م، معللاً نشر القصيدة في ديوان (الزبيري)، بأن (أحمد المعلمي) حين أرسلها من سجنه في حجة إلى الزبيري في القاهرة، طلب من (الزبيري) أن يقرأ القصيدة ثم يمزقها، حتى لا يعلم عسس الإمام بها، لكن الزبيري من إعجابه بالقصيدة كتبها بخط يده، ومزق الأصل. ومع مرور السنوات وجدها ضمن أوراقه وبخطه، فتوهم أنها من شعره، ونشرها في ديوانه. واضح أن رد الشامي متحيز لصديقه الزبيري، بل كتب بدافع التعصب لتلك الصداقة، وبلغة المحامي لا متقصي الحقيقة، لأن الزبيري حين قرأها في (الاتحاد اليمني) حين وصلته القصيدة، قرأها على أنها قصيدته لا قصيدة المعلمي، ثم أعاد نشرها في ديوانه!
وقد أكد (أحمد المعلمي) في رسالته المنشورة في كتاب الشامي (من الأدب اليمني)، أن القصيدة له، وأن عنوانها الأصلي (مت في ضلوعك يا ضمير)، فنشرها الزبيري بعد تعديل العنوان إلى (مصرع ضمير)، وقد كانت قصيدة (المعلمي) من 20 بيتاً، تنتهي بقوله:
كانت أسود الغاب، وهي اليوم دود في القبور.
فأضاف لها الزبيري 8 أبيات، وجعل خاتمتها قوله: 
ودعوا لنا شعباً نحنطه بأوهام العصور
ونذيقه نوماً يغط به إلى يوم النشور. 
ويبدو أن قسوة (أحمد محمد الشامي) على صاحب (الرحلة) عبد الله البردّوني، واتهامه له بأنه يريد أن يحتل المكانة الشعرية للزبيري بالانتقاص منه، والتعريض به وبشعره، أقول ربما دفع ذلك بالبردوني إلى أن يحذف حكاية قصيدة (مصرع ضمير) في طبعته الثانية للكتاب عن دار العودة عام 1978م، دون أن يتراجع عنها نفياً أو تعديلاً!
وحكاية قصيدة (مصرع ضمير) يؤكدها الأستاذ أحمد محمد نعمان في مذكراته، وتقديم المعلمي لكتاب الشامي الذي يحتوي على رسالته المنشورة في الكتاب، وفيها توضيح ملابسات هذه القصيدة.

أترك تعليقاً

التعليقات