الربيع الأمريكي وتطييف المنطقة
 

محمد ناجي أحمد

كانت أحداث ما سمي بـ"الربيع العربي" تمهيداً لإسقاط الدولة القُطْرية وتفكيكها، جيشاً وجغرافية، في حروب أهلية، كي تصبح الجماهير العربية في حالة قبول ورضى بإسرائيل.
دُمِّرت العراق في أزمة الخليج، شعباً ونظاماً وجيشاً، وتحولت الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى جهاز أمريكي يتحرك وفقا لبوصلة المصالح والتوجيهات الأمريكية.
الفضاء الأمريكي، بقنواته ومواقع تواصله وصحافته المتعددة، سيطر ووجه الرأي العام العربي، أو بمعنى أصح الشارع العربي؛ فهناك شارع عربي، أما الرأي العام فحكام العرب لم يسمحوا بوجود مؤسسات ديمقراطية تصنع رأيا عاما ويصنعها. 
لقد أوحى الفضاء الأمريكي إلى الجماهير العربية بما يجب عليها اتخاذه. ولأن هناك فراغاً في الوعي وفي المشروع الحضاري فقد كانت أمريكا هي بوصلة مشاريع التطييف في المنطقة. 
لم تكن صدفة أن يتم تخليق قناتي "الجزيرة" و"العربية" قبيل غزو العراق. 
رهان الغرب يوم على إزاحة الوعي. ومقاومتنا ينبغي أن تكون بتثوير الوعي.
أصبح جليا أن من نتائج ما سمي "الربيع العربي" نقل الهزيمة إلى لاشعور الجماهير العربية، والتسليم والاستسلام لسيادة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، بالتفتت إلى هويات مناطقية وطائفية، خيارا ومطلبا وغاية.
أصبحنا أمة ممزقة، مشلولة، عاجزة، بفعل عدة عوامل تضافرت علينا، فسهلت للربيع الأمريكي في المنطقة.
تلاشت طاقة الأمة بفعل استبداد الأنظمة الحاكمة، وقمعها لكل صوت مغاير أو معارض لها، وسقوط مشروعنا الحضاري بفعل هذه الأنظمة القُطْرية، التي ظلت ترعى عوامل فنائها من مناطقية وطائفية ومذهبية. وتلاشت طاقتنا بفعل رطانة ستالينية ظلت تخوِّن كل مشروع وطني وتصفه بالبرجوازي، في وقت كنا فيه بأمس حاجة لأن تنهض البرجوازية في وطننا العربي، لتنجز التحول الديمقراطي؛ ولكنها بلاهة اليسار، ونضال المقاهي السياسي، الذي يكرر خطابه دون ملل أو مراجعة، إلى درجة أن صارت نعجة دوللي أنموذجاً لهذيانه ومشافهاته اليومية.
بفعل كل ذلك تحولنا إلى مجتمع تستهلكنا الصور الفضائية المحكومة أمريكيا، وتعيد نمذجتنا على صورتها.
إن جيلاً متحرراً من عقدة أمريكا سوف ينهض بهذه الأمة من حضيض الهزيمة والتشظي، نحو آفاق الوجود العربي الوحدوي.
أوصل ما سمي "الربيع الأمريكي" الجماهير العربية إلى أن تصبح لقمة عيشها بحدها الأقل من الكفاف غايتها، وصار الراتب المعيشي هو غاية كفاحها! بعصبويات قاتلة تتمترس خلفها مستميتة بقتال بعضها بعضا. هي حروب الجغرافيا والطائفة والمذهب، هكذا أرادتها الولايات المتحدة الأمريكية، منذ أن صرح زبجينيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي كارتر، قائلاً: "سنلعب بعد الآن لعبة الطائفية"، فلا نعلق، ولا نتخذ من إعلانه أي موقف.
انخرطنا بسفور فاجر، بعد أحداث الربيع الأمريكي في المنطقة العربية، بلعبة الطائفية وازدراء الجغرافيات، حتى تلاشى الجسد العربي، وأصبحت الطائفية هويتنا التي تزيدنا كل يوم ضعفا ووهنا على وهن. 
من كان يصدق أننا سنشاهد وفودا عربية رسمية وشعبية تجوب إسرائيل، وحكومة إسرائيلية وفرقاً رياضية، ومشاريع اقتصادية، وتطبيعاً إعلامياً مع الكيان الصهيوني، وأن قادة الكيان الصهيوني سيصبحون هم من يحددون استقرار نظام عربي أو زواله؟!
استثمر الربيع الأمريكي في المنطقة انعدام الثقة بين الحكام العرب والشعب العربي. ولأن الحاكم في الدولة القُطْرية كان بالنسبة للجماهير قوة قهر وابتزاز لثروات الأمة، وجعل شبابها وقوداً لحروبه، فقد نفذ الربيع الأمريكي من خلال ذلك ليسقط الدولة الهشة لصالح مشروع تطييف المنطقة. 

أترك تعليقاً

التعليقات