دنابيع حول الزعيم
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

بعد مرور أكثر من عامين ونصف العام على ملحمة الصمود والدفاع اليمنية في مواجهة ترسانة تحالف العدوان الكوني، ثمة ذهنية سياسية اجتماعية داخلية لا تزال مهجوسة بأوهام ماضي النفوذ الآفل، وفوبيا فقدان الوزن مستقبلاً، وبدافع من هذه الهواجس المرضية تقارب طبيعة الاشتباك الدائر وأفق الحل، فتبدي استعداداً للسقوط عند أقرب منعطف يلقي فيه العدو إليها عَظْمة وعود نخرة يغازل بها هواجسها وأوهامها ومخاوفها المجدفة خارج بحر الآلام والآمال الشعبية واللحظة الوطنية اليمنية الكثيفة والفارقة.
بات محسوماً في نظر إنسان الشارع الأمي البسيط، أن قيمة أي مكون سياسي أو اجتماعي هي في صدقية انحيازه للوطن ومقدار بذله في خنادق الدفاع عنه، وأن أي مكون مهما كان حجمه وحضوره وازناً، فإن انحيازه ضداً للوطن أو مراوحته في خانة الحسابات الربحية الضئيلة خلال هذه السنوات العصيبة من عمر البلد والمنطقة، يفقده كل قيمة، ويسلبه كل وزن.
إن خلاص الوطن المنشود يتحقق بالقطيعة الواعية المقتدرة مع زمن الوصاية وأدواته وذهنياته الاستهلاكية الكسيحة، والحركة ـ تالياً ـ صوب مستقبل كريم عصامي حر مستقل تكون فيه اليمن لاعباً فاعلاً لا ملعباً، ومُنتجاً متفاعلاً لا سوقاً للإغراق السلعي السياسي والاقتصادي والثقافي، وذلك طموح لم تستوعبه ذهنية النفوذ الماضوي المثخنة بالأوهام والمتلهفة للعودة إلى دفء أحضان الوصاية الأمريكية، حيث لا ذات ولا وزن ولا طموح ولا قرار سوى ما تمليه مصالح الوصي المشروعة وغير المشروعة.
لا يمكن لهذه الذهنية الكسيحة أن تؤلف رقماً مغايراً خارج حسابات الوصي وداخل تطلعات الوطن الذي اعتادت أن تتكئ عليه في أطماعها لا أن يتكئ عليها الوطن في آلامه لنيل ما يصبو إليه من آمال وما يتوق لأن يحققه من حضور يليق به.
وإذا كان معلوماً أن العدوان الأمريكي السعودي، هو نتاج لثورة الشعب اليمني وتوقه المشروع للحرية والاستقلال، فإن ذهنية الكساح لا ترى ضيراً في العودة إلى حظيرة الطاعة الأمريكية مجدداً كسبيل لوقف العدوان.. فـ(الحوثيون نجحوا فقط في جلب كل هذا الخراب لليمن واستعداء العالم بأسره عليها..) طبقاً لتعبير (نبيل الصوفي) أحد تجسيدات هذه الذهنية، في حين يذهب نظيره (عادل الشجاع) إلى تسول وشحاذة السلام من السعودية أسوة بـ(سلامها مع إسرائيل)، تماماً كما راح في وقت سابق يُقرِّع السيد عبدالملك الحوثي الذي وعده - حد قوله - بكرامة، ولم يفِ، على اعتبار أن الكرامة سلعة تمنح للمفتقرين إليها بسند صرف مخزني.
إن ذهنية الكساح ليست سمة دامغة لمكون سياسي بعينه دون آخر، لكن نماذجها في المؤتمر الشعبي العام تبدو أوفر منها في سواه، وهي لا تناهض المسار التحرري والنفس الثوري لـ(أنصار الله) ـ فحسب ـ بل والموقف الوطني المشرف لزعيم المؤتمر علي عبدالله صالح وشرفاء الحزب ذاته.
تزنزن النماذج المؤتمرية الكسيحة، شعبية (صالح) في بوتقة حزبية خانقة، ثم في بوتقة شخصانية عائلية، غير مثمنة اتساع دائرة حضور (المؤتمر وزعيمه) أبعد من النطاقين الحزبي والعائلي، بفعل وقفته المبدئية الشجاعة بوجه العدوان، ورفضه القاطع لـ(سلام الاستسلام).
ذلك أن قوة المؤتمر وشعبيته ـ ليست بنظر هؤلاء ـ في صدارته لملحمة الدفاع الوطني اليوم، وإنما في كونه كان حزباً حاكماً بالأمس ينتظم مراكز قوى يقف معظمها اليوم في خندق العدوان على الوطن، بالنقيض لموقف (صالح)..
هكذا فإن نماذج الكساح ـ وفقاً لهذا الفهم ـ تغدو معادية لـ(الزعيم) وآيلة للمقامرة به، وأقرب للوفاق مع التيار الخياني المؤتمري (إخوان واشتراكيين وناصريين) ودول عدوان، وهو سلوك لا تحسب حساباً لمآلاته حتى وإن أصبح اليمن (ليبيا أخرى) و(صالح قذافي آخر)، فاستعادة مزايا القوة في كنف الوصاية هي الغاية التي تسوِّغ لها كل وسيلة.
إن العدو الأوحد بالنسبة لهؤلاء هو ثورة الـ21 من أيلول 2014، وإذا بدا أنهم يناهضون العدوان في الواجهة، فلأنه ثمرة من ثمار تلك الثورة باعتقادهم، لا لكونه مشروعاً يستهدف تمزيق واحتلال المنطقة العربية بأسرها، واليمن ضمنها.
فضلاً عن أن هذه اللحظة الثورية الفارقة في عمر اليمن متهمة في نظرهم بطي صفحة أمجاد المؤتمر، متناسين أن رقبة (صالح) ـ كما كل رقاب اليمنيين ـ مدينة لها بما تنعم به اليوم من حياة ومن إمكانية رفض ومواجهة وصمود بمنأى عن طائلة (الترحيل) وسواطير (لجنة العقوبات وداعش) وكلبشات (العزل السياسي) وتهديدات السفير الأمريكي بوجوب (المغادرة قبل حلول الساعة الخامسة مساء الجمعة المقبلة)!
إن في الوفاض الكثير والكثير مما يمكن أن يقال عن ذهنية الكساح التي يمثل السكوت عنها اليوم الخطر الأفدح على لحمة الصف الوطني والوفاق السياسي المناهض للعدوان، غير أن في قادم الكتابات متسعاً لتفكيكها وتعرية أصحابها وهتك يافطاتهم الذرائعية المطمئنة لتسامح وصبر الرجال الكبار، وخشيتهم على مصلحة الوطن والشعب.  

أترك تعليقاً

التعليقات

سامح بركات
  • الأثنين , 25 سـبـتـمـبـر , 2017 الساعة 1:10:36 PM

احسنت يا صلاح

احمد عامر
  • الأحد , 6 أغـسـطـس , 2017 الساعة 12:16:04 PM

لله درك يا بطل بكل واقعية وبكل ادب كتبت فاوجزت الحقيقة