رئيس التحرير - صلاح الدكاك

اتصال هاتفي مع الأمم المتحدة الراعي الدولي للمفاوضات، أوقفت الإدارة الأمريكية (جنيف2) على وعد استئناف المسار التفاوضي في مكان وزمان آخرين (إثيوبيا - 14 يناير 2016).
معلومة كشف عنها السيد عبدالملك الحوثي في سياق جملة محددات ومواقف تضمنها خطابه المتلفز في ذكرى المولد النبوي الشريف الذي تقاطر عشرات اليمنيين، الأربعاء الماضي، من مختلف محافظات الجمهورية إلى العاصمة صنعاء للاحتفاء به، واكتظ ملعب مدينة الثورة والمساحات المحيطة بها بجموعهم.
لا تعويل - من قبل ومن بعد جنيف - على صدقية الأمم المتحدة الواقعة تحت نير التبعية للإملاءات الأمريكية، وكالعهد فإن التعويل كان دائماً ولا يزال على الله، والرهان على صمود وثبات ووعي ويقظة شعبنا اليمني في مجابهة قوى العدوان والتآمر والعمالة، دفاعاً عن حريته واستقلاله، ورفضاً للهوان والاستعباد.
على هذا المنوال من زخم القول وسطوع الرؤية والمقاربة الواقعية للأحداث وتظهير أغوارها، تحدث سيد الثورة موجهاً خطابه إلى الأمة الإسلامية، مجدداً الالتزام الثابت والمبدئي بالقضية الفلسطينية بوصفها قضية القضايا بالنسبة للعرب والمسلمين، وصولاً إلى تحرير كامل ترابها واستعادة (مقدساتها) السليبة وعلى رأسها الأقصى الشريف.
لا تعود فجوة الفروق الظاهرية قائمةً بين طيف يافطات العدوان ودول العدوان، في المقاربة الجذرية التي تنتظم خطاب سيد الثورة إزاء الصراع ومجرياته، فالسعودية والإمارات هما إسرائيل، وإسرائيل هي أمريكا، بالنظر إلى واحدية الوشائج القيمية التي تؤلف من هذه الكيانات المتعددة ظاهرياً منظومةً واحدة، امتزج دم أطرافها في خندق استعماري واحد على تراب (باب المندب) إثر ضربة (توشكا) القاصمة والشهيرة في 19 ديسمبر الجاري.
عدا ذلك فإن إسرائيل ليست داعمة ومنتفعة من العدوان على اليمن فحسب، بل ومنخرطة فيه، وثمة إسرائيليون قضوا بين قتلى الضربة الموفقة التي وجهها الجيش واللجان لمركز قيادة تحالف العدوان السعودي الأمريكي في باب المندب، كما يؤكد سيد الثورة صدوراً عن عين اليقين لا رجماً بالغيب.
الحضور الإسرائيلي على مستوى الإدارة والتخطيط والتوجيه والانخراط المباشر في شتى التحالفات العدوانية الكونية التي استهدفت الوطن العربي والبلدان الإسلامية، لم يعد فرضيةً قابلةً للاختلاف حولها ونفيها أو إثباتها، وإنما بات حقيقةً موضوعيةً يفرز سفورها الفج جذرياً اصطفافات على ضفتين: مناهضة للعدو الإسرائيلي عن بصيرة، أو ممالئة له ومواربة لحقيقة حضوره عن عمد.
لا إمكانية اليوم للسخرية من الطرح القائل بأننا كنا ولا نزال نواجه العدو الإسرائيلي، في الوقت الذي كنا نواجه خلاله صلف واستكبار وجبروت سلطة محلية برهنت الأحداث الراهنة أنها محض يافطة عربية لمصالح عبرية.
إن اختلال الوعي والقيم وفراغ المشروع الجامع لدى الأمة، حد تشخيص السيد عبدالملك، هو ثالوث الاستلاب الذي يجيِّر طاقاتها وإمكاناتها المادية والبشرية لحساب عدوها الصهيوأمريكي، فيغدو فراغها امتلاءً به، وغيابها حضوراً له، وتعينه على نفسها بنفسها رضوخاً لحالة مزرية من التدمير الذاتي المحفوز بذرائع طائفية عرقية مناطقية جاهلية.
في الأثناء، فإن (إسلاماً سعودياً مفرغاً من القيم القرآنية والمحمدية) يتعاضد مع (ديمقراطية أمريكية زائفة)، فيؤلفان مستنقعاً قذراً قوامه سواطير الوهابية ومسوخ وشذاذ الآفاق ومافيا المخدرات الذين يجري تجييشهم لقهر الشعوب واستعبادها، على غرار ما حدث في كثير من بلدان العالم وفي العراق، وما يحدث اليوم في اليمن كوجهة حديثة لعصابات البلاك ووتر.
يصف السيد مجمل هذا الاحتشاد الناهض على أنقاض أمة مستلبة بـ (الجاهلية الحديثة) التي هي - حد تعبيره - أكثر فتكاً من الجاهلية الأولى قياساً بفظاعة عتادها الحربي غير المنضبط لقيم التعايش و(التعارف) الإنسانية، والمدفوع بشهوة السيطرة والاستحواذ واستعباد البشر. الأمر الذي يستدعي بالضرورة احتشاداً قيمياً إنسانياً نقيضاً ينتظم شتات الشعوب المستهدفة بالمحو والتعبيد والإذلال، على اختلاف ألوانها وأجناسها، وهو دورٌ يستنهض السيد عبدالملك أمة الإسلام المحمدي للاضطلاع به، ويراهن على اتساع مساحة التوق للحرية والاستقلال والنزوع الصادق للتغيير فيها.
أما ما سينجم عن عدم نهوض الأمة بهذا الدور من أخطار يحذر السيد منها، فلن يقتصر على تقزيمها وتمزيقها إلى كيانات مجهرية محتربة وحسب، بل وسيذهب العدو الصهيوأمريكي إلى تعبئة الأمة المشرذمة ذاتها كخطر يهدد من خلاله (الصين وروسيا)، في إشارةٍ ذكيةٍ واستشرافٍ واقعي لمآلات الصراع البعيدة على العالم وتحديداً على قواه الفاعلة في الشرق.
إن (الجاهلية الحديثة) التي يتصدى لها سيد الثورة بالتوصيف هنا، هي على النقيض لجاهلية (إخوان سيد قطب) الستينية التي استهدفت بها (الجماعة وقطبها) الانحراف بالوجدان المصري العربي الإسلامي عن مسار المواجهة القائمة مع العدو الإسرائيلي، بقيادة عبدالناصر، إلى مواجهة السوفيات الملاحدة بالاصطفاف في مربع أمريكا ودول الرجعية العربية.
كما أن من غير الوارد التباس دلالة المصطلحين على المتلقي بالنظر إلى كون سيد الثورة هنا يتحدث من خضم المجابهة الفعلية وكقائدٍ طليعي لقواها الوطنية الثورية، لا من منصة أكاديمية مترفة في فضاءٍ تجريدي.. إنه (الانهماك في الواقع لا في النظرية) تماماً وفق مقولة عبدالناصر.
الواقع الذي يغدو النضال والجهاد في سبيل تحقيق كينونة لائقة وكريمة عبر استقراء شروطه، نضالاً وجهاداً يتضمن في ذاته كينونته الخاصة المستمدة من استمراريته...
(سنحارب جيلاً بعد جيل...)
(لا خيار أمامنا سوى المواجهة..)
وإذ يقارب السيد عبدالملك مجريات الأحداث الميدانية في الساحة اليمنية، فإنه لا يتحرج من نقد أسباب نجاح العدو في تسجيل خروقات على هذه الجبهة أو تلك، فيعزو التطورات الأخيرة في (الجوف) إلى رضوخ البعض لسطوة الأموال القذرة التي تضخها مملكة الرمال لتعويض إخفاقاتها العسكرية.
وللمرة الأولى منذ بدء العدوان السعودي الأمريكي على اليمن في 26 مارس من العام الجاري، يستخدم السيد مصطلح (الحرب) في توصيفه لطبيعة المواجهة التي وصفت حتى الخطاب الأخير بـ (العدوان) في أدبيات ووسائل إعلام حركة (أنصار الله).. ما يعني تحوُّلاً نوعياً مقبلاً في مسار وأدوات وآليات المجابهة على المسارين العسكري والسياسي ترجمةً للخيارات الاستراتيجية في مرحلتها الثانية.
قد يمتد أمد الحرب وقد لا يمتد، إلا أن النصر هو حليف الشعوب المناضلة ضد محاولات تعبيدها وتركيعها في نهاية المطاف.
والعاقبة للمتقين،،،
هكذا تكلم سيد الثورة.

أترك تعليقاً

التعليقات