رئيس التحرير - صلاح الدكاك

هناك مساران يُجدِّف خلالهما اليمنيون على أمل إنهاء العدوان ورفع الحصار وإنجاز حل سياسي شامل لأزمة الفراغ الرئاسي والحكومي الذي يعيشه البلد منذ قرابة العامين.. مسار (أممي) يجافي بحر الحقائق الموضوعية للحظة التاريخية اليمنية، ويحاول استيلاد تسوية للأزمة بالإبحار في صحراء الشروط السعودية الأمريكية، وهو مسار تأكد لليمنيين أنه لا طائل منه بعد أن أفضت محطاته الثلاث (جنيف1، جنيف2، والكويت) إلى (صفر حلول عملية)، رغم انفتاح قوانا الوطنية على مبدأ التجديف فيه مع يقينها المسبق بلا جدواه وكيدية معظم الأطراف الدولية الراعية له..
المسار الآخر ينطلق من رحم التربة اليمنية، مستوعباً الحقائق الموضوعية للحظة التاريخية، ومتسقاً مع الآمال الشعبية في حدها الأدنى المتمثل بإنهاء العدوان وحزمة إجراءاته الجائرة، والمضي صوب الاستقرار والاستقلال والنهوض الوطني بمنأى عن الوصاية كحد أقصى.. وهو مسار خَبِرَه اليمنيون وخبروا رجاله في مضامير إدارة دفة البلد بكفاءة وإخلاص ونزاهة وفدائية على مختلف الأصعدة منذ اللحظة الأولى للعدوان، بدءاً من تسيير شؤون الدولة خلال مصيدة الفراغ، مروراً بمجابهة تحالف العدوان عسكرياً ودبلوماسياً، وصولاً إلى إنجاز الاتفاق الوطني التاريخي بتأليف مجلس سياسي أعلى لإدارة البلد وتمتين نسيج الجبهة الوطنية الداخلية حرباً وسلاماً..
لا يحتفي هذا المسار الموضوعي المحض والوطني المحض بالسؤال: (من هو الشرعي؟ ومن هو غير الشرعي؟!)، ولا يبدد الوقت في البحث عن إجابات له، وإنما تختمر استفهاماته وخياراته في أتون الممارسة العملية ومجابهة التحديات وجهاً لوجه، ملتحماً بالشعب المستهدف بالعدوان والتراب المستهدف بالاحتلال، ومستمداً شرعيته من خوض ملحمة الدفاع الوطني، لا من كواليس (شيراتون الرياض أبوظبي الدوحة، والعربية، الحدث، الجزيرة)..
هل بوسع الأحزاب التي أدارت ظهرها للوطن، وشرعت أحضانها لقوى العدوان السعودي الأمريكي عليه؛ أن تعاود الاستدارة بالضد لعمالتها وخيانتها ووحل اصطفافها الراهن، لتلتحق بالمسار السياسي الوطني، وتكون جزءاً من الإدارة الانتقالية الحالية للبلد؟!
أطلق (أبو أحمد الحوثي)، رئيس الثورية العليا، دعوة صريحة لـ(الإصلاح)، الأسبوع الفائت، خلال تظاهرة التأييد الشعبي لاتفاق (الأنصار والمؤتمر وحلفاء المكونين)، بالانضمام لمقطورة الحل الوطني، وفسَّر مراقبون هذه الدعوة بضرب من ضروب إقامة الحجة على الآخر؛ لا الاستعداد للشراكة معه حقاً؟!
ويبقى اختبار صدقية هذه الدعوة ـ بطبيعة الحال ـ مرهوناً ـ لا بالنبش في نوايا الحوثي ـ وإنما في مدى قدرة (الإصلاح) على الانتفاع من كرم الدعوة، وهي قدرة لا تتوافر له حالياً بالنظر إلى كونه انغمس رسمياً وبكل ثقله القيادي في وحل تحالف العدوان على الوطن، ومن العسير عليه الاستدارة كلياً إلى الحاضنة الوطنية دون أن يتضعضع ويخسر حبال صلاته السرية بمموليه الإقليميين وبالتنظيم الدولي للإخوان..
في المقابل، فإن عدم الاستدارة يعني تلاشي وزنه محلياً، وفقدان أهليته إقليمياً بالنسبة لمديره التنفيذي.
إن ما تسرَّب من تصريحات لأحد أبرز قيادات الإخوان في اليمن، حول اتصالات تجري بين قيادات إخوانية في الداخل من جهة و(الأنصار والمؤتمر) من جهة أخرى، بصدد ترتيب استيعابهم ضمن الاتفاق، هي تصريحات تشير إلى خشية (الإصلاح) من فوات الفرصة في حال نجاح مسار الأمر الواقع الذي يقوده أطراف الاتفاق السياسي الداخلي، في المضي صوب ترسيم حدود وأبعاد المشهد اليمني مستقبلاً، لا سيما مع إخفاق تحالف (الرياض واشنطن)، عسكرياً ودبلوماسياً، في فرض أدواته المحلية على سدة الفعل والنفوذ في اليمن، وعلى رأسهم (تجمع الإصلاح)..
(محمد حسن دماج) الذي أطلق سراحه (أنصار الله) بعد شهور من اعتقاله العام الفائت، وجَّه انتقادات لاذعة لقيادة الإصلاح، واتهمها بالإخفاق في تقدير مآلات أحداث فبراير 2011، وخيانة قواعدها وأنصارها.. ورأى أنها مستمرة في سياسة سوء التقدير حتى اللحظة، وأن عليها مراجعة مسارها والتعقل، داعياً من وصفهم بـ(عقلاء الإصلاح) إلى الاستجابة لدعوات التصالح والشراكة..
تصريحات (دماج) وردت في مقابلة له مع صحيفة كويتية، ولم يتم تأكيد صحة مضمونها أو صحة نسبتها إليه، إلا أنه لم يتم نفيها في المقابل، وتداولتها العديد من الأوساط على نطاق واسع..
في نهاية المطاف، تبدو دعوة الحوثي الكريمة بمثابة (يا بني اركب معنا..)، والأرجح أن رد الإصلاح رسمياً عليها لن يكون إلا (سآوي إلى جبل يعصمني..)، بيد أنه سيدفع بشخصيات لم تتورط علناً في وحل العدوان للالتحاق بقارب النجاة، تجنباً لمصير حتمي يحيله إلى موسوعة (الكائنات المنقرضة)..

أترك تعليقاً

التعليقات