من صرخة الجرف إلى إعصار اليمن الجارف.. استمرارية رسالية لا سلالية
- رئيس التحرير - صلاح الدكاك الأثنين , 28 فـبـرايـر , 2022 الساعة 5:49:31 PM
- 0 تعليقات
صلاح الدكاك / لا ميديا -
يتحرك سيد الثورة والجهاد بالنص في بحر الواقع المنظور خلال مقاربته للصراع ومآلاته وأطرافه؛ فتغدو الذكرى السالفة موضوع التناول، هي ذات اللحظة الراهنة، ويغدو الحديث عن صاحبها -رضوان الله عليه- ذات الحديث عن مشروعه، الذي حمله على عاتق روحه الأمين واستشهد على مذبح تظهيره للشعب وللأمة بالمداد والعرق والدم.
في كل خطاباته لا يخوض السيد القائد عبدالملك الحوثي بالنصوص في هباء التجريد، كحال معظم الساسة التقليديين، بل يشق بها خضم العالم الموضوعي، فتتجلى به دلالات النصوص، وتتجلى بالنصوص التباسات هذا العالم وأبعاد أحداثه ومجرياته لعيون الخواص والعوام على السواء؛ إذ إنه لا يباغت مستمعيه ومشاهديه من منطقة غريبة على مسامعهم وأبصارهم، ولا ينطلق من منطق عصي على فهومهم وبصائرهم، بحيث ينكرونه أو لا تستسيغ سلسبيله العكر ذوائقهم ومشاربهم، كما أنه لا يُطل في حديثه إلى المتلقي، من منصة عالقة بين فخامة القول من جهة وغشاوة سديم المعنى ورواغ الدلالة من جهة موازية، وإنما يطل محاذياً شجون شعبه وأمته، معبراً عنها بلغة حميمة شديدة السطوع، جلية الأفق -على عمقها- حادة وغير مداهنة في انحيازها لثوابت الأمة وقضاياها الكبرى العادلة..
يمكن تشبيه هذه الحدة في الانحياز والقسوة في التعبير عنه بحدّة وقسوة صواريخ ومسيرات عملية “إعصار اليمن” وهي تضرب “أبوظبي” بالتزامن مع زيارة رئيس كيان العدو الصهيوني؛ خارج لزوجة “إتيكيت فصل مسارات الاشتباك” ورسائل التطمين المهذبة الخرساء التي يرسلها الساسة عادة في ظروف اشتباك مماثلة بغية تحييد العدو الرئيس والانفراد بأدواته كتعبير عن أن مشكلتها هي مع الوكيل لا مع مديره التنفيذي.
يبحر سيد الثورة والجهاد -إذن- بجوهر المشروع القرآني، كعَلَم له وعليه، ومترجم أمين لمنهاجه؛ في صلب الصراع، كقائد شجاع للوائه فكراً وموقفاً وتخطيطاً وإدارة مباشرة، تتمظهر خلالها أدبيات المسيرة القرآنية في حالة التحامها بتحديات الواقع الموضوعية، فتثمر كل هذه الاستمرارية الباذخة لعظمة المشروع وسمو القائد المؤسس، بعد 18 عاماً وعشرات الحروب التي شنتها وتشنها -عبثاً- أمريكا والصهيونية العالمية بغية وأد المسيرة من فجر صرخة البراء إلى ضحى ثورة الحرية والاستقلال، إلى رابعة النصر اليماني المبين... ومن “كربلاء الجرف” إلى “خندق الحصار الكوني” إلى “فتح قريب” تطوي لوعده الحتمي أقدامُ الحفاة ميادينَ البطولة والفداء وهيجاءَ الملاحم الربانية الفارقة وغير المسبوقة في مواجهة لفيف الشر العالمي.
يتحدث أبو جبريل عن أبي عبدالله الحسين حديث الحاضر عن الحاضر للعيان رسماً وقيماً وأصالة مشروع عملي لا نائب فيه عن غائب، فالحضور السرمدي لقرآن الله في نهج المسيرة وأعلامه لا يقطع انسيابه سرداب غياب، فالينبوع يتدفق في طهر مجراه الرسالي نحو مصبِّ ميقات يوم معلوم، والظامئون لا يخطئون رواء النهر، والشانئون ما اسطاعوا أن يعكروه ولا استطاعوا لمجراه كسراً وتحويلاً عن مساره الحتمي.
إنه حديث الحاضر عن الحاضر نهجاً ومشروعاً، حيث تغمرك إشراقاته وتتوارى صلات القربى بين السيد القائد والشهيد المؤسس خلف نسيج مناجاة روحية شفيف، فتتواشج السلالة رسالياً وتمتنع الرسالة سلالياً، ولو أنها سنحت لاستنسخ الكنيس الصهيوني من الحسين البدر ما استنسخه من أعلام ذليلة وأمراء مؤمنين به وممالك خانعة له باسم الهاشمية شرقاً ومغرباً.
لقد أمكن للعدو الصهيوني في تجلياته اليهودية والنصرانية والإسلاموية أن يجعل من الولاء في أوساط الأمة معتقداً دينياً، يتماشى مع عدائه للأمة؛ العداء الذي كان ولا يزال معتقداً دينياً على قاعدة التحريف التلمودي - كما يؤكد سيد الثورة والجهاد في معرض الاستدلال بشواهد الأمس واليوم على ضوء “تحبونهم ولا يحبونكم” و”ودوا ما عنتم...” ككشاف قرآني يتمظهر من خلاله مطبعو اليوم من منافقي الأمة محض أغبياء وأدوات مذلولة وأحذية محتقرة في نظر “الإسرائيلي” والبريطاني والأمريكي، بحسب توصيف السيد القائد مُحقاً. “إن الميدان العملي هو المصدر الحقيقي لاستقاء المعارف”، يقول الشهيد القائد السيد حسين الحوثي رضوان الله عليه. وهذا الميدان اليوم كما هو الأمس، يشهد بباطل خيار الموالاة لأعداء الأمة واقعاً، لكن المهرولين إلى حضيض هذا الخيار رغم بطلانه لا يعتبرون بشواهد الواقع المخزي والشاخص للعيان، ولا يحتكمون لفرقان الله فيه، عوضاً عن أن يُعملوا عيناً في القرآن وعيناً في أحداث العالم الموضوعي، كما هو ميزان المسيرة القرآنية ومشروعها.
هكذا يضيء كشاف خطاب السيد القائد، في ذكرى الشهيد المؤسس، واقع الأمة قرآنياً، ولا يُغفل إقامة الحجة مادياً على تلك التيارات التي تقف اليوم بنقيض ما آمنت به بالأمس، متذرعة بمنطق براغماتي نفعي، يدحض نفعيته سيدُ الثورة والجهاد بوقائع شاهدة على صفرية مكاسب المنبطحين لأعداء الأمة من السابقين واللاحقين في الانزلاق لهذا الحضيض، حيث لا نهضة ولا قرار ولا استقرار لدولهم وبلدانهم ولا حظوة كريمة لهم في حساب الاستعلائية والاحتقار الأمريكي الصهيوني كمعتقد للأجناس البشرية خارج “أفضلية الشعب المختار” عملاً بقاعدة “ليس علينا في الأميين سبيل”.
ماذا حصدت مصر ما بعد “كامب ديفيد”، وأردن “وادي عربة”، وفتح “أوسلو”، سوى المزيد من المعاناة والكساح الاقتصادي والتناحر شعبياً والمزيد من الضعة والهوان الرسمي لسلطاتها؟!
أجل نحن نعاني اليوم في اليمن كبلد وشعب، ولكنها معاناة مع الشرف ومع حتمية الوعد بزوال المعاناة وحتمية الوعد بالنصر بموجب النصوص القرآنية والوقائع المادية المنظورة... والذين يجنحون للاستسلام والانبطاح أمام الهيمنة الأمريكية والتطبيع مع العدو الصهيوني، طلباً للسلامة والازدهار أو هرباً من المعاناة كضريبة للحرية والرفض، هم يخسرون شرف الموقف ولا يكسبون نهضة ورفاهاً ولا يتخلصون من معاناة.
إن ذهنية التجريد التي يعتقد أصحابها أنهم بالخروج من خانة العداء لـ”إسرائيل” يَلِجُون خانة الصداقة معها، هي ذهنية لا تغني عن واقع الحال شيئاً، فالعدو الصهيوني، وكذلك الأمريكي، يرى اعتقاداً أن ركوع العالم تحت قدميه هو حق له، لا هبة يتفضل بها الراكعون عليه، كما يرى اعتقاداً أنه لا حق لشعوب العالم بالعموم والأمة الإسلامية بالخصوص، في مواردها المادية والبشرية، فهي بشرية دنيا قاصرة وغير راشدة في مقابل “الإنسان الغربي الأبيض” الراشد والكامل والموكول له -بموجب صك سماوي- وضع اليد على العالم وتسيير شؤونه وفق مصالحه وحتى لا يختل ناموس الكون وتندثر الحضارة.
هذا الاعتقاد هو ما جعل الرئيس الأمريكي السالف دونالد ترامب “يمنح الجولان لإسرائيل”، وهو ما رفع بموجبه الرئيس روزفلت “عصاه الغليظة لأمركة العالم”، وهو الاعتقاد ذاته الذي انبثقت عنه المفاهيم الاستعمارية على غرار “الانتداب الأوروبي السامي” وتقسيم العالم إلى “عالم أول، وعالم ثانٍ، وعالم ثالث” طبقاً لتفاوت الجدوى الوجودية التي يقف “الإنسان الأبيض” على سدتها كمالاً ورشداً، حد الذهنية الاستعمارية الغربية.
يتوجه السيد القائد أبو جبريل، بعد سياق مديد من تجلية أبعاد الصراع ومآلاته، إلى شعبنا المحاصر الصابر الصامد بالدعوة إلى مزيد من الجَلَد أمام محاولات العدو اليائس تركيعه تحت وطأة المعاناة المعيشية؛ مزيد من الجَلَد له عاقبة حتمية هي الخلاص والنصر، بعد معاناة مقرونة بشرف الموقف.
.. معاناة ينبغي أن يحتشد شعبنا أكثر فأكثر بذلاً في مضامير المواجهة كلما ارتفعت وتيرتها، باعتبار أن لجوء العدو لتضييق الخناق على هذا النحو يكشف مدى حقده على شعبنا الشريف وقبح مشروعه المعادي له ولعموم أحرار الأمة، ويؤكد أن المواجهة مع التضحية هي سبيل الخلاص الوحيد الذي لا مفر للشعوب الحرة المؤمنة من أن تخوضه حتى يأذن الله بالفتح والنصر الممهور بالتضحية والبذل.
هكذا ينسج سيد الثورة والجهاد منطقه الخطابي بمنوال قرآني عملي لا يهدر الواقع لحساب التأويل النصي ولا يعتسفه لصالح النص، بل يضيء الواقع بالنص، والنص بالمجريات والأحداث، في تجسيد عملي لمسيرة لن توقف جريان نهرها التحديات، ولن تعكر سلسالها شوائب قوى النفاق واختراقاتهم.
“وأما الزبد فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.
والعاقبة للمتقين.
السلام على الحسين الشهيد الذي وفَّى.
السلام على كل سائر في دربه لا يبدل تبديلا.
المصدر رئيس التحرير - صلاح الدكاك
زيارة جميع مقالات: رئيس التحرير - صلاح الدكاك