رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صلاح الدكاك / لا ميديا -

تهرب مملكة بني سعود من مواجهة حقائق الواقع المر والمزري الذي تعيشه كأكلاف مرتدة لعام خامس من عدوانها على اليمن، إلى شراء الأكاذيب الإعلامية وبيانات المواساة والشجب والتنديد الإقليمي والدولي.. وعوضاً عن أن تتلافى حتفاً محتملاً يمكن تلافيه بأثمان في متناول يدها اليوم، تهرول صوب حتف حتمي لا يمكن تلافيه غداً بأي ثمن، لاسيما وأن حساب عافيتها الوجودية المضعضع والمنقوص في الراهن لن يتوافر مستقبلاً على فلس رصيد تفتدي به نفسها ووجودها من جحيم قيامة يمانية وقودها مصافي وحقول النفط والمطارات والموانئ والمنشآت الحيوية السعودية..
في حواره الشهير والوحيد على قناة "المسيرة"، منتصف أبريل الفائت، لخص سيد الثورة عبدالملك الحوثي، المحددات التي ينبغي أن تنتظم علاقة السعودية باليمن، في بضع كلمات "ندية وحسن جوار لا تبعية وعمالة"..
لم يشرط سيد الثورة، كما في كل رسائله السالفة، على السعودية وقف عدوانها كسبيل لنشوء العلاقة الافتراضية المستقبلية تلك، وكان على السعودية أن تعي هذا المتغير اللافت في حديثه..
كان السيد عبدالملك حين وجه رسالته الآنفة قد أوكل أمر وقف العدوان لاستراتيجية عسكرية حاسمة تتكشف خياراتها العملية تباعاً منذ حوار أبريل المتلفز الشهير وإلى اليوم؛ بمنأى عن التعويل على صحوة ضمير العدو والعالم الميت منذ أربعة أعوام وأكثر.
أصبح وقف العدوان أمراً مفروغاً منه ـ إذن ـ وشرع القائد يرفع قواعد الوجود اليماني الوازن المنتصر الفاعل والراسخ الذي بات حقيقة قائمة سلفاً، ولا سبيل أمام الكون بتحالف عدوانه سوى الإقرار به ومد وشائج الندية معه، بعد نصف عقد من محاولة محوه عبثاً..
غير أن هذا الوجود اليماني بأبعاده الشاسعة والرحبة والمقتدرة، هو ذاته ما كانت تخشاه مملكة بني سعود، وتعمل بصورة ممنهجة واستراتيجية على تقويض وإجهاض ممكنات انبثاقه طيلة 7 عقود من الزمن، فكيف بوسعها أن تقر به اليوم وقد تعملق وشب على طوق الوصاية..؟! كيف يمكن لمملكة طفرت من حيضة النفط ككيان وظيفي استعماري، أن تهضم حقيقة هذا الوجود اليماني المديد، دون أن تغص وتلفظ أنفاسها الوظيفية الأخيرة وتتلاشى عوامل وجودها المرحلي العابر وتغدو صريم دولة وسديم كيان تجريدي بلا أبعاد ولا ملامح..
إن حالة المُماثلة الوظيفية هي ما يدفع المملكة إلى التماهي مصيرياً مع دولة الكيان الصهيوني الغاصب التي تستشعر هي الأخرى أزوف زوالها ببروز محور المقاومة كنقيض وجودي منتصر، وتبعاً لذلك فإن إشعال حريقة كونية كبرى تلتهم العالم هو خيار تشاركي تنتهجه المملكة وإسرائيل وبقية كيانات الطفرة الاستعمارية، اعتقاداً منها أن ذلك هو السبيل الوحيد لإخماد حرائق صغرى تلتهمها فرادى، وبحافز من إحساسها بخذلان المدير التنفيذي الأمريكي والغربي لها وإدارة الظهر لما تواجهه من تحديات وجودية بالغة الخطورة..
حادثة استهداف ناقلتي نفط تابعتين لشركات يابانية في بحر عمان، الخميس الفائت، تلوح بوضوح كخطوة أولى عملية على مسار الخيار الانتحاري التشاركي الآنف لكيانات وظيفية مأزومة، دفعت بمثابرة نحو حرب أمريكية غربية على إيران، وانتهى الحال إلى "تخفيض تصعيد" ووساطة يابانية بين واشنطن وطهران..
حصدت الرياض بيانات مواساة وتنديد لا أكثر من قممها الثلاث في مكة عقب ضربة الـ9 من رمضان اليمنية على "أرامكو"، وسرعان ما عصفت ضربة "كروز" على "مطار أبها" بتلك البيانات التنديدية المبتذلة والشبيهة بأوراق توت لم تستر سوأة الوهن السعودية طويلاً، ووجدت المملكة نفسها عارية مجدداً في مهب لهب ناقلتي نفط أرادت أن تستدفئ به، وأن يتكشف من خلاله وجه الرب الأمريكي المنقذ الذي أغرق مخازنها بالسلاح الأحدث والفتاك، وأسدل على عورات عدوانها ستائر سياسية وإنسانية وحقوقية دولية وأممية سميكة، وتطمع اليوم أن يشاطرها الغرق في مستنقع هزائمها ومآزقها بما هي هزائم ومآزق الرب الأمريكي الزائف ذاته.. فماذا بوسع الجسد المثخن بالخيبات أن يقدم لظلِّه! لا شيء سوى المزيد من الانفضاح والغرق.
إن استراتيجية الرد والردع اليمني في طورها الراهن ـ إضافة إلى ما تنطوي عليه من مفاجآت عسكرية نوعية ـ لم تعد تستهدف كسابق أطوارها قرع جرس إنذار عبر ضربات عسكرية متباعدة زمنياً تتوخى عدول العدو عن عدوانه طواعية، وإنما تستهدف ـ تبعاً لما تمظهر من معطياتها ـ تحطيم مفاصل القوة العسكرية والاقتصادية والحيوية للعدو في عمق كياناته، عبر مصفوفة عمليات حربية نوعية متلاحقة ومتزامنة تمتلك خارطة أهداف معلنة وغير معلنة وتهدف لقسر المدير التنفيذي الغربي على الرضوخ والإقرار بمعادلة الوجود اليمني راغماً كسبيل لاستنقاذ كياناته الوظيفية الآيلة للزوال، لاسيما أن عدم مسارعته لذلك سيعني حتمية زوالها بما هي مضخة أساسية لعافية مركز الهيمنة الكونية الأمريكية الغربية..
سيكون من المفيد للرياض أن تقرأ زيارة وزير الدفاع اليمني اللواء محمد العاطفي العابرة للحدود، في سياق هذه الاستراتيجية، وكمؤشر على أبعادها وخباياها الرهيبة قولاً وفعلاً بمنأى عن الحرب النفسية والتهويل الإعلامي..
إن سياسة تدويل المواجهة التي تفر إليها السعودية والإمارات ومن ورائهما الكيان الصهيوني، هي بمثابة استدعاء المزيد من الغرقى الكبار إلى قاع المستنقع، وإخماد الحرائق بالنفط، واستدراج الاشتباك إلى مسرح ليس لدى اليمن ما تخسره فيه، بينما لدى العالم كل ما يجعله يتبول على ملابسه لمجرد التفكير في مخاطر هذه السياسة، على مسرح يمثل مستودعاً حصرياً هشاً يضع فيه كل البيض، ويخشى عليه من جرة مقلاع، عوضاً عن مواجهة عسكرية واسعة ومتعددة الأطراف!
بالنسبة إلينا اليوم، فإن لسان حالنا هو لسان حالنا بالأمس: ليس لدينا ما نخسره سوى أغلال الوصاية والارتهان، و"ما نبالي ما نبالي ما نبالي واجعلوها حرب كبرى عالمية"...

أترك تعليقاً

التعليقات