رئيس التحرير - صلاح الدكاك

هل منحت موسكو إدارة (ترامب) ما يحفظ ماء وجهها؟!
ضربة (الشعيرات) لـم تقطع شعرة التفاهمات الروسية الأمريكية


كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد هيأت الذريعة سلفاً (كيميائي خان شيخون المزعوم- إدلب)، وأعدت العدة، عندما أمطرت بوارجها مطار وقاعدة الشعيرات الجوية العسكرية في حمص، بـ59 صاروخ توماهوك، فجر أمس الأول.
لا إمكانية لانتزاع قرار أممي على خلفية واقعة ضربة كيميائية عسكرية سددها (نظام الأسد) - حد الزعم الأمريكي - ولم يجرِ التحقيق فيها، لكن جرى البناء عليها ارتجالاً، ودفعت القوى المعادية لسوريا بمشروع قرار يدين الدولة السورية إلى مجلس الأمن، وكان معلوماً مسبقاً أنه سيصطدم بـ(فيتو روسي صيني).
على الفور، وإثر حدوث ما كانت واشنطن تتوقع حدوثه من اعتراض نافذ على مشروع القرار، صرحت خارجيتها أن الولايات المتحدة قد تقوم بتدخل عسكري انفرادي بمنأى عن الشرعية الأممية، وتمخض هذا الموقف عقب يوم من صدوره عن العدوان العسكري الأمريكي على (الشعيرات).
معلومات شبه مؤكدة رشحت عن دوائر الدولة السورية أفادت بأن المطار والقاعدة الجوية لم يتضررا، فقد تم إخلاؤهما من الطائرات والعتاد لعلم دمشق بتوقيت الضربة قبل انطلاقها بناء على مصادر استخبارية روسية، واقتصرت الأضرار على وقوع 6 شهداء عسكريين فحسب، بينما أكد الناطق باسم القوات المسلحة السورية أن دفاعاتها الجوية اعترضت بنجاح 36 صاروخاً.
ورغم أن العدوان الأمريكي قد أثلج صدور عربان (الرياض - الدوحة - المنامة) علاوة على (الخرطوم - عمان - أنقرة وحماس الإخوانية وتل أبيب)، وأنعش أمل العصابات الإرهابية على الأرض في إمكانية تدخل أمريكي يستنقذهم من جنازير وأبواط الجيش العربي السوري التي توشك أن تمحوهم من التراب السوري، إلا أن فرحة هؤلاء - وفق المؤشرات - لن تدوم طويلاً، فإدارة (ترامب) أثبتت كحال سابقتها عجزاً أمريكياً عن شن عدوان عسكري شامل، عوضاً عن أن تتم قراءة ضربتها العدوانية بوصفها اقتداراً.
لم تقطع ضربة (الشعيرات) شعرة الحاجة الأمريكية إلى مشاطرة روسيا الرؤية قسراً حول مصير الدولة السورية وقيادتها، كما لم تجهض بطبيعة الحال مقدرات الجيش العربي السوري، لكنها من ناحية مقابلة أحدثت خرقاً في قواعد الاشتباك القائمة لجهة واشنطن التي بات - بالأرجح - في متناول يدها معاودة توجيه ضربات عسكرية محدودة كلما اقتضى الأمر تثقيل كفة عصاباتها الوكيلة على الأرض، والانتفاع من ذلك على طاولة المفاوضات السياسية.
السؤال هو: هل رشحت هذه الضربة عن تفاهمات أمريكية روسية في الكواليس، منحت من خلالها موسكو واشنطن ما يحفظ ماء وجهها أمام وكلائها في المنطقة؟! وماذا عن محور (طهران - دمشق - بغداد - حزب الله) وردة فعله المستقبلية في مواجهة هذا الخرق الجلي لقواعد الاشتباك؟!
لم تفصح بيانات هذا المحور عن رد بعينه، وانطوت على رسائل غاية في الكياسة، تعيها دوائر العدو الأمريكي الصهيوني؛ الذي لا ريب أن خلوَّها من الانفعال أربك حساباته، لما له من دلالات على مسار الاشتباك مستقبلاً.
بقي أن نشير إلى أن انتفاء الفوارق المميزة للأداء الجمهوري الأمريكي عن الأداء الديمقراطي، هو انعكاس لانحسار أمريكا الإمبراطورية، فعوضاً عن أن تكون (الضربات المحدودة) سمة ديمقراطية باتت سمة جمهورية، بالنقيض لما عرف عن إدارة هذا الأخير من ديدن تدخلاته المباشرة العسكرية، وميله للحروب الشاملة إبان عافية الولايات المتحدة الأمريكية التي ولت وإلى غير رجعة.

أترك تعليقاً

التعليقات