رئيس التحرير - صلاح الدكاك

انفتحت القيادة الطليعية لثورة 21 أيلول 2014، على القضية الجنوبية، بصورة متفهمة ـ وأكثر من ذلك ـ متعاطفة ومنحازة، ووضع السيد عبدالملك الحوثي مُحدِّداً للتعاطي معها، دقيقاً وإيجابياً بما يفسحه من زوايا موضوعية وواقعية لمقاربتها تشخيصاً وحلاً، حيث قال سيد الثورة: (نحن مع حل عادل لمظلومية شعبنا في الجنوب، على قاعدة أن أقل من العدل ظلم وأكثر من العدل ظلم..).
بالنسبة لقوى الاستعمار الحديث والمعاصر من إقطاع محلي عسكرقبلي ورجال دين وبيروقراطيين، فإن رفع المعاناة والمظلوميات عن كاهل شعبنا في الجنوب، وشعبنا اليمني عموماً، سيعني ـ في حال تحقق ـ انفضاض بورصة المضاربة السياسية على الدم والدموع والاتجار بالأوجاع الشعبية بما تدره من ذهب الريوع، كما وحرمان هذه القوى المنتجة بالأصل لدورات النزيف اليمني والمستثمرة فيها، من إدارة لعبة السلطة بوصفها حكماً وخصماً ومحامي دفاع، وتدوير عجلة المظلوميات فعلاً ورد فعل على نحو يضمن تأبيد سيطرتها كوكيل لمصالح الاستعمار.
لقد استشعرت قوى الاستعمار بالوكالة، باكراً، خطر الخطاب الثوري لحركة أنصار الله بشمولية أبعاده ونفاذ نظرته لجوهر العوامل المنتجة لجملة المعضلات المحلية والدولية، فاستهدفت اجتثاثه عبر حروب مباشرة وقودها التجييش والتعبئة الطائفية والمناطقية، أفضت إلى الزج بآلاف الضحايا من الجنوبيين في أتون المحرقة، ولم يكن تظهير (ثابت جواس) في سدة قيادة هذه الحروب، وتقليده وسام الشجاعة عن اغتيال الشهيد القائد السيد حسين الحوثي؛ ضرباً من ضروب الصدفة.
كانت سلطة الحكم بالوكالة بحاجة إلى أن تقتص من الشهيد القائد الذي ناهض بشدة حربها على الجنوب في 1994م، بأيدي الجنوبيين، اختزالاً في (جواس) الذي اقتيد كأسير حرب في 1994م، ليؤجر نفسه لاحقاً كمجرم حرب في صفوف السلطة ذاتها..
سياسة ضرب نظراء المظلومية ببعضهم البعض، بلغت ذروتها أثناء وعقب اندلاع ثورة 21 أيلول التي أطاحت بقلاع السلطة المنتجة للمظلوميات، فحيث بات انفضاح صلاتها بمديرها التنفيذي في (واشنطن) كاملاً، وانسلاخها عن التربة الوطنية، أمراً شديد الجلاء، باتت هذه السلطة أحوج من ذي قبل إلى التلطِّي بجلود ضحاياها، وصولاً إلى تفويض التحالف السعودي الأمريكي شن عدوانه على اليمن، باسم هؤلاء الضحايا جنوباً وشمالاً، وإسدال جلودهم ستائر على مجازره بحق كل البنى والمكونات الاجتماعية اليمنية.
غير أن كل نجاح ظاهري حققته سلطة الحكم بالوكالة على مستوى خندقة المظلوميات الشعبية لصالحها، والمناورة بعظام الضحايا، في حروبها السابقة واللاحقة لـ(اجتثاث أنصار الله وخطابها الثوري)، كان يسفر في كل جولة عن فشل ذريع، وعوضاً عن أن تجهز على الحركة وخطابها، أجهزت ـ فحسب ـ على فرص إنجاز حلول وطنية للقضايا والمظلوميات التي تلطت بها.. فرص كانت سانحة ومواتية مع بزوغ شمس 21 أيلول.
ما الذي جناه شعبنا اليمني في الجنوب من تجيير مظلوميته كذريعة لعدوان أجنبي على الوطن؟!.. المؤكد اليوم أنه جنى على هذه المظلومية، ولم يجنِ سوى الفوضى العارمة وحمامات الدم اليومي وسيطرة متنامية لـ(داعش والقاعدة) برعاية احتلال متعدد الجنسيات تديره (واشنطن، لندن).
وفيما أذعن تحالف العدوان السعودي الأمريكي لـ(وقف إطلاق نار) تعقبه مفاوضات يمنية ـ يمنية في ضوء اتفاقيات ما بعد أيلول 2014م، تواصل (فصائل الحراك) تسويق (القضية الجنوبية) كمرهم لكساح تحالف العدوان المتفاقم، والذي يعوزه المناورة بورقة محلية وازنة سياسياً يضارب بها في كواليس مفاوضات الكويت لتعويض عجزه عن تركيع صنعاء ميدانياً.
(مليونية استعادة الدولة الجنوبية) التي تنطلق اليوم بدعوة من فصائل الحراك، قبيل انعقاد مفاوضات الكويت غداً،.. لن تفقس شقران استعادة الدولة، كما يؤمل قطعان السذَّج، بقدر ما ستوظف كورقة مضادة أخيرة بيد قوى الهيمنة في مجابهة وطن وشعب يكافح لإنهاء العدوان ورفع الوصاية ونيل الاستقلال.
يدرك الوطنيون الشرفاء من أبناء شعبنا في الجنوب، أن الطريق إلى استعادة الدولة اليمنية الوطنية جنوباً وشمالاً، بدأ في 21 أيلول بتقويض منظومة السيطرة بالوكالة للاستعمار، وينبغي أن يستمر اليوم في صورة المقاومة الشعبية للاحتلال الأجنبي الذي يرمي بكل ثقله لإعادة تمكين منظومة وكلائه مجدداً من خناق البلد شعباً وتراباً..
إن اندفاع السذَّج في الجنوب خلف الخونة والعملاء وأدوات الاحتلال، لن يفضي إلا إلى تعميق هوة الشقاق والتناحر الجنوبي ـ الجنوبي، لصالح مستنقع جغرافي تلتهم احتكارات (واشنطن ـ لندن) أكثر مفاصله عافية، وتبيح بقاياه لسواطير مسوخ داعش، بما يتيح لها إدارة حربها الباردة مع الكتل الشرقية الناهضة، تحت يافطة (مكافحة الإرهاب)، بوصفها اليد الطولى..
وأمس الأول، وجهت (الإمارات) كاحتلال بالنيابة، دعوة صريحة تطالب فيها أمريكا بالتدخل المباشر في الجنوب للحرب على الإرهاب، الأمر الذي يمظهر النوايا الدميمة إزاء مستقبل جنوب، يرهن أبناؤه السذَّج بيض أحلامهم اليوم في سلة قراصنته وجلاديه، ولا غرابة أن تفقس غداً جغرافيا نافقة وغير صالحة لكينونة آدمية من أي نوع.
إن الوطنيين الشرفاء يخوضون اليوم معركتهم التي هي معركة الوطن في مجابهة تحالف عدوان كوني يستهدف محوه برمته، وكل حراك خارج هذا الخندق هو حراك مضاد ورديف للعدوان أياً كانت ذرائعه، ولن يكون بوسعه أن يكسب خارج الهم الوطني العام، لا على الأرض ولا على طاولة المفاوضات، فالاصطفاف في خندق الوطن ـ فقط ـ هو مصدر الشرعية، وهو ما يكسب المتخندقين وزناً وثقلاً، لا الاصطفاف في خندق الرهانات الخارجية المناطقية والطائفية بدعوى المظلوميات المحلية.
لا مجال لأن يترعرع الجنوب أو تعز وسواها من أنحاء كخنجر في خاصرة الوطن وبيد أعدائه...
هذا ما يقوله الواعون بطبيعة الصراع ومنطقه على مر التاريخ..

أترك تعليقاً

التعليقات