أنبل بني البشر
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

في حالة قائد غير حفي سوى بعديد وعتاد المعركة التي يخوضها، فإن شعباً يدفع بأبنائه بلا حساب خلفه، وتستقبل نساؤه بالزغاريد فلذات أكبادهن العائدين من خطوط النار في التوابيت، هو شعب مثالي ولا ريب..
على أن القائد هنا ليس أي قائد، والمعركة التي يتصدر نسقها الأول ليست أية معركة..
إنه سيد الثورة أبو جبريل، أمين لواء المستضعفين.. وإنها معركة الانتصار للذات الإنسانية المكرمة في مواجهة تحقير وامتهان الطغاة لها..
قائد يحث شعبه السخي أبعد حدود السخاء، على ألا يكبتوا جمر الأحزان في الأكباد، وسخين الدمع في المحاجر لفراق ذويهم الراقين معارج الشهادة.
(احزنوا صابرين متجلدين ثابتين على الموقف..) يقول سيد الثورة بتهذيب جم وتفهُّم لدخائل شعبه الذي يطلق رجاله النار ونساؤه الزغاريد في مواكب الشهداء، لا ابتهاجاً برحيلهم كفائض حياة مرغوب عنها، وإنما استبشاراً بفوز الراحلين، وبرضا الله وقبوله نفائس بيوعهم المبذولة على مذبح الشهادة في سبيل حياة حرة كريمة لا عبودية فيها لسواه..
(احزنوا حزن الفطرة السوية لمفارق، واحتفوا الاحتفاء الوقور اللائق بمنزلة العابرين من فناء حتمي إلى خلود أبدي..).
إن المعركة التي نخوضها بقيادة أبو جبريل، منذ 3 أعوام، في مواجهة تحالف عدوان كوني قوامه كبريات قوى الشر والاستكبار، هي ـ في الحسابات المادية المحضة ـ معركةٌ وقودها الناس والحجارة كما هو الحال على الضفة النقيض، حيث العدو يكدس بإسراف أطنان اللحم البشري المأجور على مذبح شهوته الفاجرة المنفلتة للانتصار، ويتملق شبق الهيجاء بعظيم العتاد ووافره..
هي معركة تخوضها الدول في العادة بجسور من إمدادات التجنيد الإجباري الدائب الرديف للجيوش النظامية، وبسقوف مالية استثنائية عالية، ويخوضها شعبنا طوعاً لا كرهاً، ويتصدى لأعبائها خالي الوفاض من كل رصيد مادي، سوى فدائية الوثبة وكراهية الخنوع، وبحافز نيل شرف خوضها، باذلاً نفائس الأنفس بسخاء أنصاري يُغلي مهر الحرية..
هي معركة يقف فيها القادة ـ في الغالب ـ ليتوعدوا الفارين من أكلافها بالسحل تحت طائلة الخيانة العظمى، بينما يقف سيد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، في قلب أتونها، ليحث المعنيين في لجان التعبئة والتجنيد (الطوعي بالأساس)، على أن (يمنعوا وحيد الأسرة من الالتحاق بجبهات القتال)، مستخدماً مفردة (المنع) لا (الإعفاء)، إزاء اندفاعة شعبية طوعية يحدث كثيراً أن تدفع خلالها الأسرة بوحيدها تواقة للبذل واللحاق بشرف اللحظة، ولا تتذرع به طلباً لإسقاط الأكلاف المستحقة عليها، كاستثناء خارج جبرية القانون، على أن هذه الجبرية غير قائمة في سياق اجتماعي يمني مغاير يتكتم فيه حتى الفرد المعتل على وضعه الصحي، خشية أن يحول بينه وبين خندق المواجهة؛ ويتشوق جريح الحرب لحظة العودة إلى مضامير الاشتباك مع العدو ولو بذراع أو قدم واحدة.
في خضم هذه المغايرة المشهودة والمعلومة لمراقبي مجريات المواجهة التي يخوضها شعبنا ببسالة فذة وفوق العادة، لا غرابة أن يكون خطاب سيد الثورة مغايراً لمألوف الخطابات التعبوية التقليدية.
إن (منع وحيد الأسرة) المتقدم للتجنيد الطوعي، هو توجيه لجهد الحالات المثيلة إلى جبهات بذل أخرى، لا حرماناً لها من شرف الاشتباك العسكري، كما أنه (تمكين شرائح اجتماعية واسعة غير وحيدي الأسرة، من شرف الإسهام في الجهد العسكري واللحاق بالجبهات)..
إنها الذكرى السنوية للشهيد الذي غسل دمه وجه اللحظة الوطنية الراهنة من كل معرة وشين، وطهَّر الدورة الدموية لليمن من خثر الخانعين والمنبطحين والمكبولين بحبال الوصاية السرية لقوى الاستكبار، وأجهض مخططاتهم في مهودها.
من كنف جلال هذه الذكرى، أطل سيد الثورة، فأضاء بأبجدية نورانية مساحات الحياة الشاسعة التي أخصبتها وتخصبها الشهادة على ضفتي الدنيا والآخرة، بما هي صونٌ لجباه البشر من التعبيد للطغاة، ودفاع عن شروط الحياة الكريمة، وخوض واعٍ لصراع لا مفر منه ولا سلامة لمحايد فيه، علاوة على أن الشهادة انتقال من فناء حتمي لخلود أبدي.
يفرق سيد الثورة، في هذا السياق، بين شهادتين؛ شهادة المظلومية وشهادة المسؤولية، فالمقتول بغير حق شهيد، غير أن المنزلة والأثر العظيم هو للشهيد الناهض لإحقاق الحق، كقضية ومبدأ، والعدوان إذ يحاول جاهداً تظهير شهادة المسؤولية التي ينهض بها شعبنا الشريف اليوم في مقارعته، بوصفها خسارةً محضة وهوساً بالموت، فإنه يسبغ صفة شهداء على قتلاه القاضين في سبيل باطله، حاثاً شعبنا بهذا المنطق وباسم الحياة، على الانسحاب من ميدان مقارعته بوعي وشرف، إلى الموت عديمي الحيلة خانعين تحت الأنقاض بغاراته.
لقد أسقطت دماء شهدائنا رهانات العدوان تباعاً، وأخطرها رهان (ديسمبر الخيانة) الذي لو كتب له التمكين لدشن المذابح بحق شعبنا بالجملة، ترجمة لما كاشف به رموزه من نوايا (اجتثاث وتصفية للآخر)، والتحاق طغمة منهم بعد وأده بأحضان التحالف برهان منظور على حقيقته، وأنه كان امتداداً للعدوان على بلدنا وشعبنا.
يشكر سيد الثورة، استمراراً جهود الرئيس الصماد والسياسي الأعلى والإنقاذ في تطبيع الأوضاع، الذي أفضى لتثبيت الاستقرار والإفراج عن غالبية المنخرطين في المخطط الخياني، وتمكين شرفاء المؤتمر من مقرات الحزب، مؤكداً للغارقين في مستنقع العمالة من سابقين ولاحقين، أنه لا نتيجة لعمالتهم سوى الخسران، لا سيما وقد تكشفت مآلات كثيرين منهم إثر نفوق حاجة مشغليهم إليهم.
لا سبيل أمام هؤلاء سوى الإفاقة من (سكر العمالة) إن أمكنهم... وكما أننا (مستمرون في موقفنا المواجه للعدوان، فإننا ندعو لحوار على مبدأ الشراكة والحرية ورفض الاحتلال واستقلالية القرار..)؛ يؤكد سيد الثورة محلياً.. وعربياً يعاود التأكيد على مبدئية الموقف الداعم والمساند للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، كما وكافة القضايا المركزية العادلة لأمتنا العربية والإسلامية، معتبراً إدراج قادة المقاومة الفلسطينية على (لائحة الإرهاب الأمريكي) توجهاً غير مستغرب، يستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
هكذا تكلم سيد الثورة..

أترك تعليقاً

التعليقات