رئيس التحرير - صلاح الدكاك

رحلات المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ بين نيويورك والعاصمة العمانية مسقط، لم تتوقف منذ إعلان تعليق مشاورات الكويت مطلع أغسطس الفائت، وتحديداً منذ خيبة عشم تحالف العدوان السعودي الأمريكي، في الاتكاء على ذريعة (إعلان اليمن تأليف مجلس سياسي أعلى)، وصولاً إلى إجماع دولي يدين (الانقلابيين) بقرار أممي تحت الفصل السابع، وهو المشروع الذي أجهضه الروس بفيتو استباقي قبل بلورته للتصويت في مجلس الأمن.
حينها فقط أدرك المبعوث الأممي المتواطئ وتحالف العدوان أن رهاناتهم المرتجلة وغير المدروسة تلك، تكاد تقطع آخر خيط تواصل بينهم وبين مشهد يمني داخلي يتطور باتجاه الإفلات كلياً من ربقة المرجعيات الأممية المكبلة له أدبياً، والمتمثلة في (القرار 2216 واتفاق السلم والشراكة ومخرجات الحوار الوطني)..
أما خيط التواصل الذي كاد ينقطع فهو (وفدنا الوطني) العالق منذ تعليق المشاورات، في العاصمة العمانية مسقط، إثر إغلاق المجال الجوي اليمني، في قرصنة هدف من خلالها تحالف العدوان الغريق تلافي انقطاع شعرة خلاص، قد يضطره للتعاطي مع متغير المجلس السياسي الأعلى كأمر واقع في بحثه عن ترياق زهيد لمأزقه عبر التفاوض.
أعقب هذه القرصنة قرار نقل البنك المركزي من عاصمة الجمهورية اليمنية إلى عدن الواقعة تحت سيطرة عصابات الاحتلال السعودي الأمريكي.. وهما خطوتان لم يكن تحالف العدوان ليخطوهما بكل هذه الصفاقة لولا تواطؤ الأمم المتحدة (مدفوع الثمن) وإسدالها ستاراً من التغاضي الفاضح عليهما؛ واليوم فإن مبعوث المنظمة الأممية يعاود لقاءاته المباشرة مع وفدنا الوطني في مسقط، مؤملاً أن تكون هذه القرصنة قد آتت أكلها، وأن رضوخ اليمنيين بات خياراً لا مناص منه، لا سيما مع إسراف طيران العدو في ارتكاب مجازر يومية بحق المدنيين.
مرة أخرى يقع تحالف العدوان ومبعوثه فريسة لرهانات مرتجلة وغير مدروسة، من خلال اعتقادهم أن الرضوخ اليمني يمكن أن يكون نتيجة حتمية للقرصنة كإجراء متعدد الأشكال.
يطمع المبعوث الأممي في تحقيق أمرين ملحَّين على وجه السرعة: الأول كبح جماح الانهيارات العسكرية المتسارعة في جنوب المملكة بفعل عمليات المقاتل اليمني النوعية.. الأمر الآخر الحيلولة دون ذهاب المجلس الأعلى صوب تشكيل الحكومة.
غير أن حزمة إجراءات القرصنة التي يراهن عليها ولد الشيخ في انتزاع هذين التنازلين من القيادة الثورية والسياسية لليمن، لا تصب في خدمة ما يصبو إليه، وعلى النقيض فإنها تدفع باتجاه رفع مستوى التصعيد العسكري في جبهة ما وراء الحدود، والتعجيل بتشكيل الحكومة عوضاً عن تبديد الوقت في جولات تشاور عقيمة سلفاً، ومدّ حبال الصبر إزاء استمرار العدوان والحصار.
في هذا السياق، أكد مسؤول رفيع في مواقع صناعة القرار، لصحيفة (لا)، أنه لا رجعة عن تشكيل الحكومة، وأن تأخُّر الإعلان عنها يعود لعوامل إجرائية محضة، وأضاف: (الحكومة ستتألف بالكامل من وجوه جديدة وجديرة، بمنأى عن المحاصصة وإعادة تدوير القديم).
وأكد المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه وموقعه، في حديثه لـ(لا)، أن الضربات الباليستية القادمة للجيش واللجان ستطال مواقع حيوية استراتيجية في العمق السعودي، وأن أوكار الأسرة المالكة في الرياض، لن تكون بمنأى عن دائرة الاستهداف..
وفيما يترقب البعض تداعيات كارثية على المستويين العسكري والمدني والحياة المعيشية لمواطني الجمهورية اليمنية، كنتيجة لقرار نقل البنك المركزي إلى عدن، فوجئ المراقبون بسيل التبرعات والإيداعات الشعبية الدافق ضمن حملة التضامن والدعم التي دشنتها دعوة قائد الثورة، الأسبوع الفائت، حيث بلغ حجم الأموال المتحصلة حتى أمس قبل الأول، ما يزيد على 26 مليار ريال يمني، كما شهدت الحملة تبرع سيدتين يمنيتين بمليار و21 مليون ريال يمني.
على المقلب الآخر، يرجح المراقبون، بناءً على معطيات ومؤشرات دالة، أن الإيعاز للعميل هادي بنقل البنك (وهو إجراء لا تؤيده الأمم المتحدة وفق تصريح مبعوثها) يأتي في سياق حاجة (الرياض) إلى التنصُّل من عبء تبنيها شرعية المذكور ولفيف مرتزقة الشتات الفندقي والميداني، في وقت يعوزها معه الانكفاء إلى الداخل لتدارس الاحترابات الملكية المحتدمة حول كرسي الملك، وانهيار سيادتها العسكرية على حدها الجنوبي، واضطرارها إلى انتهاج سياسة التقشف الاقتصادي أمام بروز علائم إفلاسها؛ كما واستيعاب الطعنة الباغتة التي سددها المدير التنفيذي في ظهرها بـ(قانون مقاضاتها على خلفية هجمات الـ11 من سبتمبر ـ غوستا)..
يدعم ذلك استجداء العميل هادي بابتذال هبات المانحين الدوليين، في كلمته بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، الأسبوع الفائت..
وإذ كان من المتوقع، وفقاً لإعلام العدوان، أن يعود العميل هادي إلى (عدن)، يبدو أن العميل (بن دغر) هو من سيغادر (عدن) في القريب العاجل، تاركاً شعبنا في الجنوب فريسة للظلمة الدامسة وأتون الطقس الكاوي والمسدسات الكاتمة للصوت والعبوات الناسفة وتحرشات علوج الاحتلال بحرائر المدن (المحررة)، و... انقطاع أخبار (المشاهرة)..
إن الطلقة المميتة تشق طريقها حثيثاً صوب قلب المملكة، بينما يهدر ولد الشيخ ومن ورائه كيري (وقت الرياض) الشحيح والآزف في تعشيمها بالسراب، وحسابة النفط تحسب ولا تحتسب.
كعجوز أثخنته الطعنات من كل ناحية، تلوح المملكة اليوم، ويصدق في حقها بتحوير بسيط، المثل القائل: (ارحموا ذليل قوم زل)!

أترك تعليقاً

التعليقات