رئيس التحرير - صلاح الدكاك

مع سيد الثورة في خطاب الميلاد والنصر
 ثورة يمانية خضراء عالمية 
سقوط امبراطورية ثالثة

صلاح الدكاك / لا ميديا -

مطلاً من علياء لحظة يمانية محمدية أنصارية فارقة في كثافتها وزخمها، يتجاوز سيد الثورة بشعبه خندق الحصار إلى الأفق الرسالي الأممي الرحب الذي يتعين أن يصبو إليه شعبنا كطموح إنساني مشروع، وكتكليف إيماني في صلب رسالة محمد بن عبدالله صلى الله وسلم عليه وعلى آله، وكامتداد وترجمة لدلالات الاحتفاء والاحتفال بمولده الشريف. 
هل انتصر شعبنا على قوى العدوان والحصار بعد نحو 5 أعوام من المواجهة البطولية الفذة؟ أجل، انتصر، فالقوى المعتدية أخفقت مبكراً في كسر صموده ومقاومته، وقسره على الرضوخ لقوانين الحظيرة الأمريكية وحضيض هوان الوصاية، وعوضاً عن ذلك شب شعبنا - ليس على طوق الإذعان لنزوات الوصاة فحسب - بل وعلى طور الرفض كخيار إنساني فطري، واثباً إلى طور صناعة الوجود المقتدر والكينونة الوازنة كخيار إنساني رسالي واعٍ وحضاري، فجعل من خندق التجويع وخناق الحصار المطبق منصة لتدشين انقلاب في وجهة التاريخ المستلب وتغيير موازين القوى وتراتبية الوجود في الجزيرة العربية والخليج والمنطقة بأسرها.
لم يعد تحالف قوى العدوان يحلم في فرض شروطه وإملاءاته على شعبنا اليوم، وبات - بالنقيض - مرغماً على النزول عند شروطنا ومطالبنا الإنسانية العادلة والمشروعة، وهو يناور في الراهن متوسلاً بذلة قبول أصحاب الحق نصف حياة ونصف حرية ونصف استقلال، عبثاً. تحالف العدوان اليوم بات في مرمى نيراننا الطائلة، ويود لو أننا ندهن فيدهن، ويسعى لاستنقاذ نفسه بوقف جزئي لنيرانه التي ما عادت طائلة في حساب الردع، ويرى أن ورقة الحصار هي كل ما تبقى له من رصيد قذر يحفظ له بعض الوزن التفاوضي أمام أصحاب الأرض والحق والوجود الوازن.
كم برميلاً شرب تحالف دراكيولات النفط والسوق من دم أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وفلاحينا وعمالنا، طيلة 5 أعوام، قبل أن نسفح في ليلة وضحاها نصف إنتاجه من الوقود الذي تتكئ عليه الدورة الدموية لاقتصادات العالم برمته؟!
كم نقصت غارات طيرانه وأنياب حصاره من بحر شعبنا الذي يتدفق اليوم بعد كل المجازر وحرب الإبادة الجماعية، هادراً عرمرماً واثقاً عميم الكبرياء وافر الكرامة، محتفياً بمولد نبيه محمد الثورة والرحمة والنور والرسالة السماوية الأسمى الخاتمة لكل رسالات الله؟
هذا المد اليماني المحمدي الأنصاري العالي قد جعل ـ ولا ريب - من جبروت قوى الاستكبار الكوني جَزْراً منظوراً في منطقة مصالحها الحيوية الأبرز في العالم... كما برهن عملياً على أن شعب الإيمان والحكمة لايزال تربة الرسالة القرآنية الخصبة وجذع دوحة الإسلام الراسخ المتجذر الذي بسقت منه فروعها شرقاً وغرباً، وانهارت بنماء جذورها امبراطوريتان كونيتان في فجر الدعوة.
في هذا السياق، يشير سيد الثورة ضمناً لوجهة هذا المد اليماني الرسالي المتوافر - باقترانه بمنهاج الإسلام ومنهجيته القرآنية الصحيحة السليمة - على ممكنات إسقاط جبروت الاستكبار العالمي اليوم وريادة الأمة صوب مستقبل كريم للبشرية وللمستضعفين على الأرض.
إن على شعبنا أن يمضي في طريق التحرر والاستقلال، يقول سيد الثورة، حاثاً ومحرضاً وموجهاً، فكما أطحنا بوكلاء الاستكبار المحليين عبر ثورة 21 أيلول، لنواجه عدوان وكلائه الإقليميين، وننتصر عليه وعليهم، لا مناص أن نعد العدة لمعركة تتعدد أساليبها وأحابيلها وساحاتها مع مركز الاستكبار الكوني الصهيوأمريكي. إنها معركة في الفكر وفي المعرفة وفي الإعلام وفي الثقافة وفي الحضارة وفي الهوية، كما هي في العسكرة والاقتصاد. وينبغي أن نخوضها في كل مناحيها بمنهجية قرآنية محمدية لا تشوبها شوائب وأباطيل الخرافات والأساطير والمرويات المغلوطة والجاهلية المدسوسة على الإسلام، كما وبهوية إيمانية اجتماعية سليمة ومتماسكة لا ينخر فيها سوس تضليل العدو وشائعاته.
لسنا -ولا ريب- هواة حروب ومدمني قتال... نحن -فحسب- ننطلق من حقنا في الحرية والاستقلال والوجود الكريم، وهذا الحق المشروع لا يمكن أن يكون وافياً ناجزاً إلا بنقصان رصيد الاستلاب الأمريكي، وعلى حساب انحسار حظائره الداجنة في المنطقة. ومن هذه الجدلية ينشأ الصراع الذي لا مناص للشعوب والأمم الحرة من خوضه واستيفاء أسباب الانتصار فيه، لأن استجداء السلام بالعزوف عن طريق الحرية والاستقلال والكرامة، هو عبودية لا تدفع عن رقاب أصحابها سواطير الجلادين والجبابرة، ولا عن ظهورهم سياط وكرابيج النخاسين.
لقد أسخطت كيان العدو الصهيوني جدارتُنا في الدفاع عن أرضنا وعرضنا في وجه ذراعه الأعرابية بتقنياتها الغربية الحديثة، ولأن العدوان كان منذ البدء عدوانه، والمشروع مشروعه، فإن هزيمة التحالف تجعله يستشعر اليوم شديد الخطر على كيانه الغاصب بالنتيجة، وإزاء جعجعات «النتن المجرم الصهيوني اليهودي نتنياهو» الذي عبّر صراحة عن أن قدراتنا الصاروخية والجوية هي تهديد مباشر لكيانه، يعيد سيد الثورة التأكيد على ثابت العداء لإسرائيل كمبدأ «أخلاقي إنساني والتزام ديني»، وأن «أية حماقة قد يرتكبها العدو الصهيوني سنواجهها بإعلان الجهاد، وسنضرب النقاط الحساسة في الكيان الغاصب». أجل، ينبغي على الكيان الصهيوني أن يخاف، ليس لأننا نمتلك اليوم قدرات عسكرية ضاربة، وماضون في تطويرها فقط، فقبل 5 أعوام لم نكن نتوافر على هذه القدرات، وكان الكيان الصهيوني خائفاً، وسعى بقوة للدفع بتحالف الأعراب إلى منزلق العدوان على بلدنا وشعبنا بغية الإجهاز على المشروع الرسالي الذي كان بالأمس مبعث مخاوفه ومصدر تهديد مباشر له، واليوم فإن شيئاً لم يتغير في هذه الجدلية سوى أن الكيان الغاصب بات آيلاً للاندثار والتلاشي أكثر، فالمشروع الرسالي أصبح صرخة وصاروخاً وبحراً يمانياً محمدياً داهماً وجهته فلسطين تراباً وإنساناً ومقدسات.
لم يبدد سيد الثورة كثير وقت في الحديث عن تحالف عدوان الأعراب، واكتفى بدعوة السعودية إلى أن تكون «جادة في وقف عدوانها»، وألا تراهن على صمتنا إزاء الحصار الذي ترى فيه ورقة أخيرة للمقايضة على مصالح كيانها وكيان العدو الصهيوني. إن هذا الخيار سيجعلها عرضة مشروعة للرد الأقسى الذي خبرت بعضه في ضربات «أرامكو» الأخيرة، ولن تقوى على احتمال مفاجآته القاصمة في حال لم توقف عدوانها نهائياً، وترفع كامل الحصار المفروض على أجوائنا ومياهنا.
عربياً، يدرك سيد الثورة جيداً كيف تقع المطالب المشروعة للشعوب في فخ الاستثمار الأمريكي، فيحذِّر شعبي العراق ولبنان من السماح بذلك، ويحثهما على انتهاج سبيل حكيم لا تلتبس مساراته بمخططات العدو المنتج بالأساس لمعظم الأوضاع المزرية وغير الإنسانية التي تعاني منها شعوب المنطقة والأمة بأسرها. واتصالاً يدعو سيد الثورة حكومات المنطقة للإعلاء من قيمة شعوبها واتقاء الله فيهم، ويحث حكومة صنعاء بصدقيته المعهودة وغير التكتيكية على العمل بأقصى مستطاع للتخفيف من معاناة شعبنا، سارداً بالأرقام حجم منهوبات تحالف العدوان لثرواته النفطية والغازية الواقعة في الجغرافيا المحتلة. إنها منهوبات تكفي لسداد رواتب الجهاز الإداري للدولة لـ«12 سنة قادمة»، في إحالة جلية للمنشأ الأساسي وراء معاناة شعبنا والمتمثل في العدوان والحصار ومصادرة تحالف الاحتلال لمقدرات البلد.
إن الحق بيِّن والباطل بيِّن، ولا مجال للبس بينهما إلا من قبيل التضليل الذي يحذر سيد الثورة المجتمع والشباب تحديداً من الوقوع فريسة لأحابيله الإعلامية، داعياً لتعزيز التكافل الاجتماعي ورعاية أسر الشهداء وتعزيز اللُّحمة المجتمعية كضمانة للانتصار والعبور المقتدر فوق أنقاض عاصفة العدوان المحتضرة بحول الله وثبات شعبنا الصامد الصابر وسواعد وتضحيات رجال الرجال.
بالبِشر أطل سيد الثورة في مفتتح خطابه، وبالبِشر اختتم حديثه لملايين شعبه المحمدي المحتشد في عشرات الساحات احتفاء بمولد الهادي محمد عليه وعلى آله أزكى الصلوات والتسليم.
وبـ«نفسي الفداء لكم...» مسح السيد عبدالملك الحوثي عن الحشد المتقاطر من كل حدب وصوب، عناء السفر ووعثاءه ومشقاته، وجعل لسعات شمس الخريف برداً وسلاماً على أرواح وأبدان شعب الأنصار.
هكذا أطل سيد الثورة وهكذا تكلم..

أترك تعليقاً

التعليقات