رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صـلاح الدكـاك / لا ميديا -

لو لم تكن صنعاء في كنف مشروع ثوري قرآني رسالي إنساني لكان التعامل بردات الفعل وارداً مع ما يحدث في الجنوب المحتل من تهجير مناطقي الصبغة، فالشعوب والمجتمعات آيلة تماماً للهياج والتناحر بردات الفعل حين يكون لسلطاتها مصلحة في دفعها صوب هذا المنزلق، كما وحين تنهار هذه السلطات مخلفة فراغاً في الفضاء العام.
لكن الفراغ الناجم عن انهيار سلطة ما، ليس فراغاً مستداماً بل قصير الأجل، إذ يجري في الغالب شغله بسلطة أخرى من جناح من أجنحة البنية المنهارة ظاهرياً (مثالاً استلام هادي الزمام خلفاً لصالح في 2011/2012) أو من قبل حركة ثورية أطاحت بهذه السلطة واستلمت زمام الحكم بعقد اجتماعي جديد كحال حركة أنصار الله في 2014.
وفي الحالين فإنه ما من فراغ حقيقي ينشأ عن انهيار سلطة ما بحيث يفضي لاندلاع حالة هياج جمعي تناحري بين مكونات البنية الاجتماعية إلا إذا كانت السلطة البديلة ظاهرياً كما في حقبة (هادي) تتبنى التناحر والفوضى كمشروع يمثل امتداداً لسياسة حكم بالإنابة عن قوى وصاية خارجية تراهن في استمرار سيطرتها على صناعة الكراهية وتنمية وتفريخ التناقضات الاجتماعية وتعميقها... لقد أمكن لأنصار الله الثورية ـ كمثال نقيض للسابق ـ أن تردم جل مبايض وحواضن الفوضى والجريمة، وأن تبلسم الحزازات الاجتماعية وتلجم النزعات العصبوية بقوة مشفوعة بالقيم والأخلاق القرآنية والمحددات والضوابط الإسلامية المحمدية لحقل العلاقات العامة والخاصة والجدل الاجتماعي، في ظل عدوان كوني لم يسبق له نظير، لا في اليمن ولا في غيرها من البلدان تاريخياً.
إن زكاء المجتمعات ليس قيمة ذاتية جمعية رادعة ومكبلة لنزعات الشر والجريمة لدى أفرادها، وإنما هو زكاء نسبي تختلف مناسيبه من فرد لآخر داخل الأسرة الواحدة فضلاً عن المجتمع الكبير لبلد ما، ولذا فإن القول بأن زكاء مجتمعات السيطرة الوطنية هو ما حال بينها وبين أن تتعامل مع "الجنوبيين" بردات الفعل هو قول خاطئ، فمشروع التهجير والقمع والاعتداءات ومصادرة الأملاك في الجنوب بصبغة مناطقية ليس حصيلة لحزازات فطرية متأصلة في نفوس "الجنوبيين" ضد أبناء الشمال، وإنما هو حصيلة لسلطة وصاية استثمرت في إنتاج الحزازات الاجتماعية والمناطقية والطائفية على مدى عقود، وتعمل اليوم بمعية مشغلها ومديرها التنفيذي الأمريكي والبريطاني على توظيفها كرصيد حربي في عدوانها على البلد والشعب لتمكين مشروع الاحتلال من التراب والبشر وإعادة صنعاء الثورة الأنصارية إلى حظيرة الخنوع والتعبيد والانبطاح بعد أن انعتقت منها بثورة 21 أيلول واختطت مساراً كريماً لشعبها وبلدها فاستحقت بذلك عدوان عبيد العبيد وأربابهم الكونيين.
لم يعمد أنصار الله عقب الثورة المجيدة إلى نقض العقد الاجتماعي المتمثل في دستور الجمهورية اليمنية لصالح دستور جديد ولايزال البلد محكوماً في الواجهة بذات الدستور والقوانين النافذة، سواء في ذلك جغرافيا السيطرة الوطنية أو الجغرافيا المحتلة باسم "الشرعية"، وحتى ما يسمى "الانتقالي"، الذي يبدو شذوذاً نظرياً على "دستور دولة الوحدة"، هو منضوٍ تحته ومحكوم به قانونياً ولا عقد اجتماعي بديل له. وترتيباً على هذه الحقيقة فإن السؤال المنطقي هو: لماذا لا يحمي هذا الدستور أبناء البلد في عدن المسماة عاصمة مؤقتة للجمهورية اليمنية؟! ولماذا يتمتع أبناء البلد بكامل الحقوق في صنعاء المحكومة حد مزاعم العدو وأدواته بـ"انقلاب إمامي" والمنزوع عنها يمنيتها وعروبتها؟! وهل للدستور علاقة بذلك؟!
إن الإجابة تقتضي إحالة القارئ على تناقض عملي صارخ ومشهود يجري في الجنوب، حيث تحظر ما تسمى أجهزة "الشرعية والانتقالي معاً" على المواطنين السفر عبر مطار عدن إذا كانت جوازاتهم صادرة من صنعاء، وتشترط عليهم استخراج جوازات صادرة من عدن أو مأرب، رغم واحدية رموز وبيانات وشكل الجواز الذي يشير إلى هوية واحدة هي هوية الجمهورية اليمنية!!
إن هذه الجمهورية التي يشترطها "الانتقالي" لتمكين أبناء البلد من السفر عبر عدن هي ذاتها الجمهورية التي يقوم بتهجير أبناء البلد من عدن بتهمة انتمائهم إليها!! و"الشرعية" التي تحظر التعامل بجوازات جمهورية صادرة من صنعاء هي التي توقع جوازات دولة الوحدة للانتقالي الانفصالي الذي تتهمه بالخروج على شرعيتها!!
لا الدستور الجمهوري ولا الهوية اليمنية الجامعة التجريدية  هما ما يحولان دون انزلاق صنعاء إلى مستنقع انزلقت إليه عدن، وإنما هو مشروع الحركة الثورية التحررية القرآنية التي تضع كل الإنسانية تحت سقف أخلاقي تعاقدي اجتماعي واحد قوامه (ولقد كرمنا بني آدم) و(كل نفس بما كسبت رهينة) (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قولاً وعملاً، في حين أن المعضلة الجوهرية في كل الفوضى والانفلات والقمع والسحق والسحل ودهس الإنسانية الذي بات سمة ومألوفاً يومياً على المقلب الآخر هو الاحتلال ومشروعه وكل أدواته على اختلاف تسمياتها ولافتاتها الديكورية التصادمية في الواجهة، والناهضة عملياً بالمشروع القبيح التفتيتي الانبطاحي الواحد، والممتثلة بذات القدر من الركوع والسجود والخشوع تحت أقدام الإماراتي والسعودي والأمريكي والبريطاني، حيث لا فرق بين شمالي وجنوبي ووحدوي وانفصالي وداعشي واشتراكي تحت كرابيجه وكعب حذائه، ولا بين حزام أمني وجيش وطني وعمالقة وأقزام بحساب مثول جميع الأدوات واللافتات الخيانية لفراش نزواته الفاجرة المنحطة انسلاخاً من كل فضيلة آدمية ومن كل قيم وأخلاق...
أخيراً فإن إطلاق سلطات الاحتلال لكلابها المحليين حتى تنهش يميناً وشمالاً في أبناء البلد المستضعفين صدوراً عن صميم مشروعها الصهيوامبريالي العفن وغير الإنساني، في المقابل فإن تقييد وكبح وقطع صنعاء الأنصارية لكل يدٍ ميالة للبطش بالآدميين ولجم كل شدق مهووس بنهش اللحم الأبيض هو صدور عن مشروعها القرآني الرسالي وترجمة لـ"الرحمة المهداة للناس كافة" ونزولاً جهادياً صادقاً عند قوله جل وعلا: "أشداء على الكفار رحماء بينهم".  

أترك تعليقاً

التعليقات