«الإنسان الكامل»..
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
تحسُّ أنك بحاجةٍ إلى كتابة رسالة لأحدهم، رغم أن صوته أقرب إليك من حروف الكيبورد.. ربما أن هناك بـُعداً آخر تريد التعرف على مجاهله، رغم أن البـُعد الذي أنت فيه أوسع، تماماً كالطفل الذي يبكي حال خروجه إلى الدنيا رغم أنها أوسع مما كان فيه وأرغد.
وربما لأن يقينك أن من تكتب إليه جاء من آفاقٍ عـُلوية جعلك تحدثه بكلامٍ غير منطوق، كون العبارة تضيق في أفقه المتسع!!
ها أنا أحرق في رئتيَّ غاباتٍ من التبغ والقلق.. تبغٌ حنونٌ يمنحني موتاً بطيئاً لأنني لستُ مستعجلاً، وقلقٌ يجمع كريات دمي كلها في مرمىً واحد، كما لو أنني مظليٌّ يقفز للمرَّة الأولى فـتخونه مظلَّته..
أبدو كمن يقضي إجازته بداخل سيارة إسعاف، بعد أن أوحشته الأرض وضاقت عليه السماء.
كل هذا يحدث.. مع أنني لا أعاني من شيء سوى غيابك يا أبي...
ورغم أنني في أواخر الأربعينات، ما زلت أحتاج إلى أبي، الذي علمني فضيلة المسح على رؤوس الأيتام، وجبر الخواطر. لذلك أمسح على رأسي كلما تذكرت أبي.
«كبرتُ كثيراً يا أبي»، لكنني صغير حين يتعلق الأمر بحضرتك وحضورك.
بالأمس، قال لي أحدهم إنه لا يتذكر صورتك، وكلما حاول أن يتذكر لا يرى سوى ضوء يغطي ملامح وجهك. لكنه لم ينس دفء يديك وأنت تجبر عظامه المكسورة يوم سقط من سطح منزلهم.
هو لا يدري أن عظم ساقه واحد من آلاف العظام التي جبرتها، وعشرات الأطراف التي أعدتها وحميتها أنت من البتر.
كانت يدك مليئة بالعافية التي كنت توزعها دون مقابل.
ما حاجتي لقراءة كتاب (الإنسان الكامل) وأنت أبي؟

أترك تعليقاً

التعليقات