هكذا نحن..
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
لما وصلت لسن الزواج، أبي أو أمي هم اللي يختاروا لي عروستي، وهم اللي يحددوا الموعد ويتفقوا على كل التفاصيل.
لما خلفت أول طفل، أبي سماه باسم جدي، وأمي سمته باسم أخوها اللي مات قبل أسبوع، وجدتي مصرة نسميه باسم الجد الأول. وأنا نسيت الاسم اللي كنت ناوي أسمي ابني به، لأني لو كسرت كلامهم بكون عاصي ومتمرد، وبيدعس على كلام الكبار.
فكرت أدخل الجامعة.. أبي تاجر ويشتيني أدرس محاسبة، وخالي الدكتور مصمم أنني أدرس طب، وعمي المغترب يقول لي تعال اشتغل في السعودية أحسن لك من الدراسة. وأنا للآن بدون عمل.
فكرت مرة أحلق لحيتي، لكن بما أن أبي معه لحية لازم أربي لحية صغيرة، وعندنا أكبر شتيمة «يا محلوق الدقن»...
ومرة تهورت وحلقت شنبي، قامت القيامة، وقالوا اللي بدون شنب مش رجّال، الخ، الخ الكلام اللي تعرفوه. ومستحيل يأكلوا معي فوق مايدة واحدة لأني حلقت شنبي.
حتى في الصلاة، أبوك يضم أنت تضم.. يسربل أنت تسربل..
تفكر بعد الزواج تخرج لوحدك وتعتمد على نفسك، وترتاح مع زوجتك في بيت مستقل، وقد الخبر منتشر في كل مكان، واحد يلومك، وواحد يقول لك: من خرج من جلده جيف.. وأبوك يقول اليوم ابني يشتي يخرج لحاله، قد بيشمنا جيفة.. وأمك تقول إن زوجتك فعلت لك سحر علشان تشلك من عند أمك وأبوك.
حتى لما يشوفوك منسجم مع زوجتك وبتحبها يقولوا إنها سحرتك.. ولو بتنفذ طلباتها وتحترم كلامها يقولوا عنك إنك «مرة المرة».
حياتنا كلها هكذا. مابش حاجة نقدر نعملها بقرار ذاتي، كل حاجة بنعملها بقرارات آخرين.
هذا حالنا واحنا رجال، مش قادرين نملك قرارنا، وبنساير الوضع بكل رضا ومحبة وطاعة للأب والأم، لأني مستحيل أقول لأبي وأمي لا، حتى ولو هم غلطانين، وبكل محبة.
أتمنى لو يرجع أبي، الله يرحمه، وبربي لحيتي وشنبي علشانه، وألبس الشال والجنبية طول عمري، وأكون أسبقه للجامع ويوصل يشوفني قدامه في الصف الأول، وأخرج معه الجامع أذان الفجر حتى لو أتقطع من البرد، وأول ما يوصل باب الجامع أشيل العصا والشبشب حقه وأحطهم في دولاب الأحذية، وأخلي العصا مركوزة في يدي كأنها عصا سليمان.
أما أمي، فهي بعد الله مباشرة، ومستحيل أعمل نفسي فاهم ومثقف قدامها، وكلامها هو الصح ويمشي كيف ما كان.
واللي حابب يتمرد ويكون حداثي، عادي، يفعل اللي يريحه، بس بعيد عن أبوه وأمه، ويحتفظ بأفكاره لنفسه، مش ضروري يقول لأمه إن الإسلام سبب التخلف، ومش ضروري يكلمها عن العلمانية، لأنها بتظن أن العلمانيين كفار. ومش ضروري تقنع أبوك وأمك يغيروا أفكارهم لأنك قرأت كم كتاب وحاسس نفسك مثقف.. سايرهم وصاحبهم في الدنيا معروفا حتى ولو هم كفار، بدون ما تكسر لهم أي كلمة، علشان أمك ما تتحسر أنها تعبت وحملتك في بطنها وربتك وكبرتك.
هذا حال الغالبية في المدن، وحال الجميع في الأرياف، فمش معقول أن إحنا نحط من قدر واحدة من بناتنا كتبت رواية لأنها منقبة ونشتيها تبعد النقاب عشان نقول إنها روائية ومثقفة فعلاً، وإحنا مش قادرين نظهر بوجوهنا الحقيقية أمام أقرب الناس لنا، ولا قادرين نتكلم مع زوجاتنا بكل حاجة. كل واحد بيمثل أنه محترم ورزين، وكل واحد بيتظاهر بغير اللي في نفسه، وكل واحد حاسس بكمية كبت مش قادر يتخلص منها.. ولأن إحنا مكبوتين وملان تراكمات بنتصايح على أبسط موضوع، ونطلق علشان شوية ملح زيادة في الطبيخ، ونقتل إنسان في ساعة غضب عشان ولاعة أو عشان أجرة الباص، هذا واقعنا، وقد تمردنا على واقعنا، وغطينا على الهمجي اللي داخلنا ودفناه بالقراءة والكتابة والشعر والروايات، لكن مستحيل نتمرد على آبائنا وأمهاتنا.
قد تكون المنقبة متمردة، لكن مستحيل تنزع النقاب، لأن أمها عجوز في آخر عمرها، ومش مستعدة تجلط قلب أمها علشان يقولوا عليها منفتحة وروائية عظيمة.
هناك أشياء لا بد أن نحسب حسابها، فليست ظروف الآخرين مشابهة لظروفنا، ولا طبيعة أسرتهم مثل أسرتنا..
وهذه الهدرة كلها مش لأني متمسك بالعادات والتقاليد، لكني لا ألزم أحد يكون مثلي، ولا أطلب من أحد يتحرر أو ينفتح، لأن هذه الأمور مربوطة بسلسلة كبيرة اسمها ظروف الشخص وأسرته وواقعه الشخصي.

أترك تعليقاً

التعليقات