كبرتُ كثيراً يا أبي..
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
أبي الذي أهديت له كتابي الأول “اعترافات مائية”، أبي الذي علمني تجويد كل شيء. وكان حاضراً في كتابي الثاني “هكذا أنا”، وكان رحيله نزيفاً ملء صفحات “كتاب الاحتضار”. هذا الكتاب الذي استنزف روحي، وجعلني أرى مئات الأيتام في كل سطر، وأشعر بغصصهم تملأ حلقي.. أنا يا أبي كل أولئك الأيتام.
ورغم أنني في أواخر الأربعينيات، مازلت أحتاج إلى أبي، الذي علمني فضيلة المسح على رؤوس الأيتام، وجبر الخواطر. لذلك أمسح على رأسي كلما تذكرت أبي.
“كبرتُ كثيراً يا أبي”، لكنني صغير حين يتعلق الأمر بحضرتك وحضورك.
بالأمس، قال لي أحدهم إنه لا يتذكر صورتك، وكلما حاول أن يتذكر لا يرى سوى ضوء يغطي ملامح وجهك. لكنه لم ينس دفء يديك وأنت تجبر عظامه المكسورة يوم سقط من سطح منزلهم.
هو لا يدري أن عظم ساقه واحد من آلاف العظام التي جبرتها، وعشرات الأطراف التي أعدتها وحميتها أنت من البتر.
كانت يدك مليئة بالعافية التي كنت توزعها دون مقابل.
سألتك ذات يوم وأنا في العاشرة: لماذا ترفض أخذ المال مقابل العلاج الذي تقدمه؟ قلت لي: “خليها تتجمع لهذاك اليوم، عد أحتاجها هناك أكثر”.
“كبرتُ كثيراً يا أبي”.. هذه هي زفرتي الكبرى، وهذا هو عنوان كتابي الرابع.
كان أبي حاضراً في كل صفحاته كما تحضر الشمس في كل تفاصيل النهار.
لم أعد أستغرب من بعض الشعراء الذين لا يتحدثون عن آبائهم، ولا يخطرون على بالهم أثناء الكتابة. ربما أنهم يخجلون منهم.
ما حاجتي لقراءة كتاب “الإنسان الكامل” وأنت أبي؟
وأنا في الثالثة عشرة وعدتك يا أبي أن اسمي سيكون على أغلفة الكتب، وأخبرتني يومها أنك تثق بقدراتي.
ليتك عشت حتى ترى اسمي في أغلفة الكتب.

أترك تعليقاً

التعليقات