مليءٌ بالفراغ
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي/ لا ميديا -
إلى أبي..
كنتُ أشعر بوحشتكَ رغم كثرة المشيِّعين، وهم يهتفون بصوت واحد: “لا إله إلاَّ الله، لا يدوم إلاَّ الله”، وكأنهم يحاولون إيقاظك بهتافهم المرتفع. إلى ذلك اليوم لم أكن أدري أن الأجر يُنتَزعُ انتزاعاً، فقد سمعت أحدهم يُهدِّدُ صاحبه قائلاً: “سَلِّم الأجر”.
لم يكن الماء الذي غسلوك به أكثر حرارة من دموعنا؛ لكنهم أصدروا فتوى بعدم جواز تغسيل الميت بالماء المالح.
ما تزال عصاك تصحو من غفوتها عند انطلاق التسبيحة الأولى من حلوق المآذن المتعبة.
كم تتمنى لو أنها تنكسر عند شعورها بغياب يدك المبلَّلة بماء الفجر البارد، فتعود إلى غفوتها؛ لأنها لم تجد أحداً منا يشفق عليها ويأخذ بيدها إلى المكان الذي اعتادت أن تذهب إليه!
لم أتردَّد في أخذ قلمك الأسود لأكتب به قصيدة أرثيك بها.
قبل أن أشرع في الكتابة كان قميصي قد اصطبغ بنقطةٍ سوداءَ كبيرة، كأنها هدفٌ يحدِّد للطلقةِ مكانَ القلب!
ربما أن القلمَ أنكر جيبي المليء بالفراغ فبكى عليك!
وربما أنه انتحر قبل أن يقترف حرفاً في رثائك!
أشجار الرمَّان التي كانت تحظى بدفء يديك قد اعتراها الذبول، رغم أننا نسقيها أكثر مما كنت تسقيها أنت، ونأتي في اليوم التالي لنجد الماء مكانه، وكأنها أعلنت الصيام إلى أن يتم تحقيق مطالبها بعودتك التي ستكون أشبه بـ”وافطروا لرؤيته”.
كأنها ذبلت لأنها لم تجد في أيدينا تلك المصداقية التي كانت تتنفَّسُ بها وتنهلُ منها. وربما أنها تؤمن بالأسطورة التي تقول بموت الشجرة إذا افتقدت راعيها!
وبرغم امتلاء مزرعتنا بعناقيد العنب التي كانت تبتكرها الطيور، إلاَّ أنكَ رفضتَ فكرة “الفزَّاعات”، لأنك لا تحبُّ الكذب على العصافير.
ذات ليلة تائهة بين أروقة الموت، قرأت في صحيفة “أخبار الحوادث” أن رجلاً كان يخرج من قبره ليزور من يحبّ، ثم يعود قبل أن ينتبه حارس المقبرة لغيابه.
منذ ذلك اليوم وأنا أحتفظ بالصحيفة منتظراً موت أحد الأقارب، لأتمكن من إرسالها إليك لتقرأ هذا الخبر.

أترك تعليقاً

التعليقات