رؤية مختلفة
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
السفر يتيح لنا الخروج من قيد الضرورة إلى فضاء الحرية، لنتنفّس هواءً مختلفاً ونرى أماكنَ ووجوهاً غير التي نراها كلَّ يوم، لنقدر على استنطاق الأماكن والتحاور مع الوجوه وقراءتها، وسنخرج بمحصِّلة لم نكن لنتحصَّل عليها في عزلتنا والروتين الذي يقضي علينا ببطء.
السفر، انفلاتُ روحٍ من قفص الروتين والعادة، وحريةُ جسدٍ يتحرك كلَّ يوم في نفس الدائرة مثل جَمَلِ المعصرة، فيشعر المرء أنه آلة وأنه بحاجة إلى استنشاق هذا الهواء المختلف واستنطاق هذه الأماكن.
حين وقفتُ على نهر النيل لأول مرَّة لم أكن مندهشاً.. كما لو أنها ليست المرة الأولى التي أراه فيها.. كنتُ أسمعُ صخباً وهتافاتٍ لجماهير احتشدوا على ضفَّتيه ليشهدوا لحظات إلقاء القربان الذي كان يبتلعه النيل ليفيض عليهم بالوهم والسراب الذي كانوا يحسبونه ماءً.
أحسستُ أني كنت أقفُ في المكان المخصص لإلقاء القربان/ الأنثى..
 تساءلت: لماذا كان القربان دائماً أنثى؟
في اليوم التالي ذهبتُ لزيارة الأهرامات وأنا أحاول أن أراها كما تراها عيون السياح وكاميراتهم.. وقفتُ أمام الهرم الأكبر أتأمله وأتحسَّسُ أحجاره الكبيرة.. وضعت قدمي على أول حجر كأنني أتأهب للصعود إلى قمَّته.. لم أندهش أيضاً، أحسستُ أنني كنتُ هنا وأنني قد ارتديتُ الملابس الفرعونية في حياة سابقة.. توقّفتُ قليلاً أتأملُ حجم الأحجار والأكتاف التي كانت تحملها، واستحضرتُ البنـَّائين الذين كانوا يحملونها مرغمين، وكأني بهم يتمنَّون لشدَّة الظمأ لعق حبات العرق التي تجود بها جلودهم السمراء. وسمعتُ أنيناً وأصواتَ سلاسل وشتائمَ تنهال على أولئك السـُّخرة الذين قاموا ببناء الأهرامات وهم مقيَّدون، والسياطُ تعلِّمهم أصولَ البناء وفنون العمارة.
في الجهة المقابلة لساحة الحسين كنتُ أمام الجامع الأزهر. وقفتُ على عتبة الجامع ويدي ممسكة ببابه المفتوح.. تذكرتُ العلاقة المتينة بين الفتوى وبين رغبات الساسة حين يريدون أن يشرعنوا أيَّ شيء.. تراجعتُ من أمام الباب الذي تخرج منه الفتاوى السياسية ونزلتُ النفق لأخرج إلى ساحة الحسين ومنها إلى مقهى الفيشاوي.. ورغم بقائي في القاهرة اثني عشر يوماً ومروري من أمام الجامع الأزهر كلَّ يوم إلا أنني لم أدخله، كأنني كنتُ أؤجل زيارته لمرة قادمة أكون قد تخلَّصتُ فيها من هذا الهاجس.

أترك تعليقاً

التعليقات