عن تراث البردوني
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
منذ اثنين وعشرين عاماً والأدباء والمثقفون يطالبون بإخراج كتب البردوني المخفية وطباعتها، والكثير منهم كانوا يتهمون النظام السابق بإخفائها، مع أن كل المخطوطات بحوزة ورثته، وقد كان هناك تفاوض بينهم وبين وزارة الثقافة ولم يتوصلوا إلى حل، كما هو الحال مع بيت البردوني الذي كانت وزارة الثقافة تريد تحويله إلى متحف، ولم يتوصلوا مع ورثته إلى اتفاق أيضاً، فجاءت السيول وأخذته قبل سنتين، وأصبح أثراً بعد عين.
قبل أشهر قامت الهيئة العامة للكتاب، برئاسة الشاعر عبدالرحمن مراد، بطباعة ديواني البردوني: “ابن من شاب قرناها”، و”العشق في مرافئ القمر”، وطبعت أيضاً كتاباً آخر للبردوني بعنوان: “مستطرف معاصر”، وهناك كتاب آخر يعملون على تجهيزه وطباعته.
كتب عبدالوهاب الحراسي في موقع “خيوط” عن ديواني البردوني، وحاول نفي أشياء كثيرة عن البردوني، دون أي أساس نقدي، لمجرد أن البردوني “مش ممكن يكتب هذا الكلام”، وقال إن البردوني بشَّر بقدوم الحوثي، ويريد أن يحمّل البردوني المسؤولية عن هذه البشارة، مع أن النصوص كتبها البردوني في بداية التسعينيات.
ما كتبه عبدالوهاب الحراسي يذكرني بما كتبه أحمد الشامي، الذي تناول نصوص البردوني من وجهة نظر شخصية وسطحية بعيدة عن النقد الحقيقي.
بإمكاني أن أقول كلاماً كهذا عن أي ديوان شعري، منطلقاً من التخمين والظن، وأنسف ما أريد وأثبت ما أريد إن كان النقد بهذه الطريقة.
البردوني لم يبشر بالحوثي ولا بسواه. البردوني شاعر ومفكر وفيلسوف، ولم يكن مشعوذاً ولا عالماً للغيب حتى نتهمه بما لم يقله. ولا يجب أن نسقط كلمة واحدة في نصوص البردوني على واقع بأكمله ونلوي عنق النصوص كما نريد.
البردوني أصبح ملجأ لكل من يريد أن يبحث عن نبوءة في مخيلته.
يجب أن نتعامل معه على أنه الشاعر عبدالله البردوني، وليس نوسترا داموس. أما بشأن الأخطاء الطباعية في الديوانين فلا يخلو عمل من الأخطاء، وهناك خطأ واحد في الهامش، وبالإمكان تصحيحها في الطبعات القادمة.
البردوني في “جوّاب العصور” و”رجعة الحكيم بن زايد” غير البردوني في الدواوين التي سبقت هذين الديوانين. وعلى هذا القياس يجب التعامل مع الديوانين الأخيرين.
الكثير من القراء العاديين لم يستسيغوا البردوني منذ ديواني “كائنات الشوق الآخر” و”رواغ المصابيح”؛ لأن فلسفته وطريقة كتابته للنصوص تغيرت، ويريدون أن يظل البردوني يكتب بطريقة دواوينه الأولى، لأنها بسيطة ويفهمونها.
بعد ما كتبه العراسي انطلقت في الفيسبوك حملة تشكيك، ظناً منهم أن هناك من أضاف أبياتاً، والبعض يقولون تم حذف أبيات، والبعض منزعج لأن البردوني ذكر اسم الحسين ومعاوية، واتهموا البردوني بأنه طائفي، وأن الحوثيين يعملون على تجييره لصالحهم؛ مع أن البردوني يذكر هذه الأسماء في كل دواوينه وكتبه ومقالاته، ويستدعيها كرموز تاريخية، شأنها شأن غاندي وجيفارا، ولا أحد يستطيع أن يجيِّر البردوني لحزب أو لطائفة.
أنا واحد من المطلعين على المخطوطات والنصوص، ولو كان عندي شك بسيط فلن أظل ساكتاً. ومع ذلك لا أمانع من إعادة فحصها، لكي لا يبقى المجال مفتوحاً لأي تشكيك.

أترك تعليقاً

التعليقات