المستقبل للشعر.. لا للشكل
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
كتب أحد النقاد مقالاً مطولاً عن مستقبل قصيدة النثر، مؤكداً أنها “هي الجنس الأدبي المستقبلي القادر على مواكبة القفزات المتتالية للأدب، والأكثر عالمية عن غيرها من الأجناس الشعرية، حيث إنها قادرة على التعامل مع كل القراء والأذواق باختلاف اللغات والألسنة”.
بالتأكيد أن هذا الكلام لم يتحقق حتى اللحظة، وسنجد أن أكثر القراء مازالوا ينظرون إلى قصيدة النثر باستغراب، لأنها غريبة عنهم، ولا تلامسهم.
وبعيداً عن المستقبل، فالبقاء هو للشعر كجوهر ومعنى، سواء كان في شكله العمودي أو النثري، أو التفعيلي، أو حتى الشعبي...
قصيدة النثر جاءت مندفعةً لتزيح الأشكال السابقة، بدلاً من أن تتجاور معها، وكانت محمَّلة بشروط مجحفة جعلتها غريبة أكثر، في نظر القارئ، فبقيت قصيدة النثر في نطاق ضيق بسبب غموضها وغرابتها، وعدم احتوائها للذات وللمكان، وعدم مراعاتها للقارئ الذي يحك رأسه في كل سطر ليفهم المعنى، وكأن شعراء النثر كانوا يكتبون لأنفسهم فقط.
فحين تجد شاعراً يمنياً يكتب عن كرة الثلج، والتزلج، وشجرة الأرز، والسرو، والصفصاف، والسمك النهري، ويحشد أسماء أماكن خارج الخريطة العربية، وأسماء طيور مهاجرة، بينما هو يخجل من ذكر اسم قريته والأشجار التي يعرفها، لأنه لا بد أن يكون عميقاً في نظر القارئ، فاعتقدوا أن الشهرة ستأتيهم من القفز على محليتهم ليتجهوا لعالمية غيرهم، حسب ظنهم، وهم يجهلون أن الشعراء الأوروبيين الذين هم منبهرون بهم قد بدأوا الكتابة عن محليتهم وقُراهم.
قلت له: أظنني قد نجحت في كتابي “كبرت كثيراً يا أبي” بكتابة قصيدة نثر محلية، يستسيغ قراءتها صاحب الباص، والوايت، وصاحب الدكان، وخطيب الجمعة، وطلاب الثانوية، وصفَّق لها حتى المتعصبون للشعر العمودي، لأنهم وجدوا أنفسهم فيها.
قصيدة النثر كانت تُكتب بشروط سوزان برنار، ومن شروطها انتفاء الذات، وغياب المكان، والموضوع، والابتعاد عن الصورة الشعرية، والقطيعة مع الماضي. ولذلك ظل شعراء النثر يدورون في حلقة مفرغة، ولم يفكر أحد منهم في القفز على هذه الشروط، والكتابة بشروط الواقع الذي يعيشه الشاعر.

أترك تعليقاً

التعليقات