حدود الاشتباك وأطرافه
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

انخرطت (حماس المساومة) في الحرب الكونية على سوريا عملياً، وأيدت (فتح أوسلو) هذه الحرب، التي استهدفت تقويض الدولة السورية الممانعة لجهة نشوء كانتونات صهيوأمريكية طائفية عرقية بديلة طيعة على جغرافيا ممزقة، وتشاطرت كلا الحركتين (حماس وفتح) موقفاً واحداً مؤيداً للعدوان على اليمن، والهادف لذات سيناريو التقسيم والتمزيق والاحتلال.
لم تكن إسرائيل وجهة العداء، ولا فلسطين المحتلة وجهة وبوصلة نشاط الحركتين ومحور (نضالهما مجازاً) في كل تلك المواقف الآنفة، التي صدرت بالأساس عن المفهوم الأمريكي للصراع في (الشرق الأوسط)، والذي يعرّفه بوصفه صراعاً عربياً (سنياً) في مواجهة (أطماع وتهديدات إيرانية صفوية)، ويتعين على العرب خلاله ليس إدارة الظهر لفلسطين فحسب، وإنما التنسيق والتشبيك الأمني والسياسي والاقتصادي والعسكري مع الكيان الصهيوني بوصفه صديقاً لا غنى للعرب عنه على مستوى هذا الصراع بمفهومه التحريفي الأمريكي.
إن السؤال اليوم ـ ومع بروز القضية الفلسطينية إلى الواجهة مجدداً ـ هو هل يمكن أن ينشأ اصطفاف عربي إسلامي واحد متجانس المواقف حول فلسطين، قوامه الأطراف والقوى والتيارات والأنظمة التي تمظهرت مواقفها على ضفتي نقيض من الحرب على سوريا والعدوان على اليمن؛ ودعشنة وتقسيم العراق؟!
إن مقاربة عاطفية وردية ساذجة ـ فقط ـ بوسعها أن تتخيل نشوء اصطفاف من هذا القبيل، فيما يقول سياق الواقع التراكمي باستحالة ذلك، انطلاقاً من كون الموقف من (دمشق الممانعة وصنعاء ثورة أيلول وبغداد الحشد..) بالأمس، ليس إلا موقفاً من (القدس) اليوم وأمس وأمس الأول ومنذ إعلان (إسرائيل دولةً) وحتى (إعلان القدس عاصمة لها)..
إن كلية الصراع في المنطقة - وفي العالم بالعموم ـ لا تقبل فرضية نشوء تجانس بين أطرافه، وإنما المزيد من الانقسام والفرز على محك الموقف من مشروع الهيمنة الأمريكية رفضاً أو انبطاحاً، ومقاومة وثورة في وجهه أو انخراطاً في حظائر قطعانه وقتالاً تحت لواء أدواته ووكلائه، إذ إن حصول تجانس هو نفي للصراع بكليته لجهة هيمنة أحادية قطبية ينوب فيها سجال النظراء على جدل النقائض.
ثمة اليوم محوران جليَّان في المنطقة:
محور المقاومة + يمن أيلول من جهة، ومحور (الاعتدال ـ كاسم دلع للانبطاح والاستلاب) من جهة مقابلة، وقد سعت الإدارة الأمريكية خلال الأعوام السبعة الأخيرة الفائتة منذ 2011، باستماتة، لتقويض المحور الأول وإعادة إنتاج خارطة شرق أوسطية تكون لها الهيمنة المطلقة عليها، كسبيل وحيد لتلافي أفولها الامبراطوري، وفرض نظام الأحادية القطبية كأمر واقع يخمد جذوة الطموح الآسيوي بقيادة الصين وإيران، إلى التفلت من أكبال الكونترول الكوني الأمريكي، لجهة عالم متعدد الكتل منشود.
فيما لو افترضنا أن الولايات المتحدة قد نجحت في مسعاها ذاك، ولم ينتصر محور المقاومة على عواصف الفوضى الخلاقة العاتية، لكنا اللحظة - ولا ريب - أمام عالم متجانس الموات لا حياة فيه ولا إرادة ولا طموح لغير شبق تروس الاستحواذ الأمريكي وهدير ترسانات احتكاراته الكونية على كوكب من الخواء الفسيح.
إن صمود محور المقاومة وانتصاره ـ بطبيعة الحال ـ هو ما أبقى على جذوة الحياة متقدة، وحفظ للعالم تبايناته الصحية وقدرته على اجتراح مسارات طموح حرة وغير إجبارية، ففي اللحظة الوجودية المديدة التي كانت خلالها سوريا تجابه ـ على رأس هذا المحور ـ جراد وغيلان ومسوخ الفناء الصهيوأمريكية، كانت الصين وروسيا تقدمان رجلاً وتؤخران أخرى، وتضاربان بأنصاف المواقف على جانبي الاشتباك.
لقد برهنت أحداث السبعة أعوام من الاشتباك التي دارت رحاها في قلب شرقنا العربي بدرجة رئيسة والإسلامي تالياً، على محورية هذه البقعة من جغرافيا العالم لجهة ضبط مناسيب القوة وموازين القوى والنفوذ على سطح الكوكب، بوصفها حجر زاوية جيوسياسية للطموحات والأطماع الكونية ونشوء وانحسار الامبراطوريات.
تأسيساً على نتائج هذا الاشتباك المخيبة لآمال واشنطن، أطلق (ترامب) بالونة الاختبار (الأجرأ ـ حد وصفه) في تاريخ الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والمتمثلة في (تسمية القدس عاصمة لإسرائيل)، هادفاً من خلالها لاختبار مستوى عافية الجسد العربي الإسلامي في مركز وجوده وهويته (فلسطين)، ليستشرف تبعاً لذلك إمكانات تعافي منظومة أدواته ووكيله الحصري (إسرائيل)، المهددة وجودياً بانتصار محور المقاومة.. بعبارة أخرى (أراد ترامب أن يكون قراره بداية النهاية لفلسطين)، وتعهَّد سيد المقاومة نصر الله في المقابل بأن يجعل من هذا القرار الأحمق - حد وصفه - بداية النهاية لإسرائيل.
إن الأقنعة العروبية والإسلامية الزائفة التي أطاح بها خريف (الربيع العبري) على غرار (حماس المساومة والإخوان ومعظم تيارات اليسار العربي والقوميين)، تعاود اليوم مواربة انفضاح تبعيتها كأدوات للمشروع الاستعماري الغربي، بالتلطى خلف (القدس والغيرة عليها)، لمناكبة محور المقاومة على الساحة الشعبية خدمة لذات المشروع، وبإيعاز من مديره التنفيذي.
وهو دور موارب لا يختلف كثيراً من حيث الجوهر عن دورها السافر والمباشر في التمكين للمشروع الاستعماري عبر انخراطها كأدوات تنفيذية في تحالف عدوانه على اليمن اليوم وحربه على سوريا بالأمس، ومباركتها لوقوع العراق تحت سيطرة (داعش) بوصفها (ثورة وخلافة إسلامية سنية)!
إن المتغير الفيصل في هذا الطور من عمر الاشتباك - عدا انتصار محور المقاومة - هو الصمود اليمني الذي يفاقم من احتمالات الانهيار السريع لمنظومة الأدوات الأمريكية في المنطقة، ومن الملح والمصيري أن تجري مؤازرته ليتحول إلى انتصار في مواجهة أكبر خزانة أيديولوجية مالية أمريكية متمثلة في السعودية.
إن حربنا مع تحالف قوى العدوان الأمريكي في لبوسه العربية، هي حرب مباشرة مع إسرائيل لم يسبق لغير يمن ثورة أيلول أن خاضها، والانتصار فيها انتصار للوجود العربي والإسلامي الأصيل والطامح، ولقضيته الأولى فلسطين.

أترك تعليقاً

التعليقات