رئيس التحرير - صلاح الدكاك

يجيب سيد الثورة في خطابه أمس الأول، في الذكرى السنوية للشهيد القائد السيد حسين الحوثي، على حزمة أسئلة لطالما حيرتني طيلة العقد ونصف العقد الأخير، فأرجأت البحث عن إجابات ناجزة وشافية لها مراراً.
كيف تهاوت الحوامل السياسية للقومية (الناصرية المصرية والبعثية العراقية) واليسارية (الشيوعية والاشتراكيات العربية)، ودون ذلك المشتقات الإسلاموية المتناسلة من الجماعة الأم (الإخوان المسلمون)؟!
لقد انتهت الحال بهذه الخلطة من (الأيديولوجيات الحركية) جميعاً في الحاضنة الاستعمارية الغربية سواءٌ بينها المنبثقة من رحم الاستعمار أو المتخلقة من رحم مناهضة الاستعمار كدعوى تكشفت عن نقيضها اليوم!
في خطابه قبل الأخير سَخِر سيد الثورة ـ محقاً- من النهايات الفاضحة والمخزية لأصحاب الدعاوى القومية واليسارية والإسلاموية، الذين باتوا يقفون ـ صراحة ـ مع قوى الاحتلال والغزو والاستكبار ضد شعوبهم وبلدانهم.. وفي خطاب الذكرى السنوية للشهيد القائد السيد حسين الحوثي رضوان الله عليه، يركز السيد عبدالملك على تظهير عوامل نماء المسيرة القرآنية المتعاظم، واتساع فضاء تأثيرها الشعبي بتعاظم استهدافها من خلال الحروب التي استغرقت 14 عاماً ولا تزال مستمرة في صورة تحالف العدوان الكوني الراهن على اليمن.
دون سفسطة وبلغة بسيطة عميقة، يوجز سيد الثورة عوامل استمرارية المسيرة ونمائها في (تلبيتها لحاجات الأمة واتساقها مع واقعها ونهوضها المسؤول بما توجبه تحديات هذا الواقع في منعطف خطير للغاية كانت خلاله الأمة مستهدفة في وجودها، وكانت الغفلة الشعبية والسبات والتواطؤ النخبوي سائداً ومساعداً على هذا الاستهداف)..
في 2002، وعندما أطلق الشهيد القائد حسين بدر الدين صرخة البراء من المشروع الاستعماري الأمريكي، وتأكيد الالتزام بالقضايا المركزية العادلة للأمة العربية والإسلامية، كانت غالبية النخب الحاكمة والمعارضة في اليمن وعموم المنطقة تتشاطر لعبة سياسية محكومة بقواعد وضوابط ومفاهيم وأدوار ومصالح أمريكية محضة، فرزاً على محك مقولة جورج دبليو بوش النازية الشهيرة عقب أحداث أيلول 2001: (من ليس معنا فهو ضدنا).
في خضم هذا السبات المتماهي مع الشبق الاستعماري الأمريكي الذي أخذ يلتهم البلدان تباعاً بدءاً بأفغانستان ثم العراق، دوَّت صرخة الرفض الحسيني، فجفلت لها قطعان العبيد وأقنان حظائر الخنوع والانبطاح المملوكة لـ(واشنطن) وجهة وقراراً وأدواراً.. وكان قدر هذه (الصرخة) أن تواجه سخط العالم منفردة ومخذولة، وفي محيط من السبات والعداء العميم، ولكن غير هيَّابة للتبعات، وأكثر من ذلك ضاربة الجذور في تربة (ما ينفع الناس)، موصولة الأنساغ بـ(معين المنهج القرآني)، ومفتوحةً على احتمالات النماء والتعاظم بتنامي وتعاظم الأخطار والتحديات..
هل كان شرف القوميين واليسار العرب رهناً بقوة المعسكر الشرقي إبان حقبة الحرب الباردة، فلما ذهبت هذه القوة ذهب معها؟!
أجل كان الأمر كذلك، ودخلت رموز وحركات الشرف العابر أفواجاً ماخور التبعية غير المشروطة لأمريكا، واعتنقت دين النظام العالمي الجديد الوارث للعالم، وأما من بقي منها على شرف الموقف، فأضمر البراء وأظهر الولاء، موقناً أنه (لا طاقة لأي كان بأمريكا وجنودها بعد 1990)، وأنها (نهاية التاريخ)!
أدار القوميون واليسار ظهرهم لـ(قوة الله المطلقة) في غمرة رهانهم على (قوة السوفيات)، وراهنوا على معونات (التعاضد الأممي) لا على معين الاستقراء العميق لواقعهم وإمكاناته والطاقات الخلاقة لشعوبهم، بينما كان معظم الأيديولوجيات القومية كـ(البعث العراقي والناصري اليمني والوطنية البورقيبية والإسلاموية الإخوانية بكافة مشتقاتها) أذرعة مباشرة في جسد الأخطبوط الأمريكي الامبريالي والصهيونية العالمية إبان حقبة الحرب الباردة.. أذرعة تخوض حروب (واشنطن وتل أبيب) ضد خصومهما باسم الإسلام تارة كما في (جهاد الإخوان ضد عروبة عبدالناصر والحركات التحررية العربية وإلحاد السوفيات)، وباسم العروبة كما في (حرب البعث الصدامي على الثورة الإسلامية التحررية الإيرانية) تارة أخرى.
على أن (الإخواني والاشتراكي والناصري) في الغالب الأعم يتموضع اليوم كخلطة من (التسنن الوهابي والعروبة الشوفينية واليسارية الليبرالية المعولمة والوطنيات المجهرية الانعزالية) التي تكورها أمريكا وفق مشيئتها، لتسحق متذرعة بها أضلاع وأوردة الممانعة والمقاومة العربية والإسلامية المناهضة لهيمنتها، باسم (مواجهة التهديدات الإيرانية الصفوية المجوسية الرافضية) في (سوريا الأسد ولبنان حزب الله ويمن أيلول الأنصار وعراق الحشد الشعبي الوطني).
واعياً بكل هذه التعقيدات والتناقضات التي يتناسلها المشروع الاستعماري الأمريكي لـ(تكبيل مكونات الأمة) ـ حد خطاب سيد الثورة - انطلق مشروع المسيرة القرآنية، منذ البدء مفتوحاً على أفق رحب من المشتركات الإنسانية العابرة للمتاريس والمفارز الطائفية والمناطقية والعرقية.. وفي الوقت الذي أمكن لأمريكا أن تستولد فيه من الإسلام والعروبة تسنناً وتشيعاً مواليين لها، ووطنيات وقوميات تحت إمرة مشروعها التفتيتي، أمكن للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين، في المقابل، أن يستنهض (تسنناً محمدياً وتشيعاً علوياً وفطرة إنسانية سويَّة) على محك (ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها)، كما وعلى محك (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)، و(لا ينال عهدي الظالمين)، و(إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، و(لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض..)، و(لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد..)..
تبعاً لذلك يقرر سيد الثورة أنه ما كان هناك من مبرر لاستهداف (المسيرة القرآنية) من قبل السلطات المحلية، إلا نهوض هذه الأخيرة بالدور الأمريكي وبمقتضيات المصالح الأمريكية الاستعمارية التي يقض مضجعَها أن يقض صوتٌ مناوئ لها سباتَ أمته، ويستنهض هِمَمها ومسؤولياتها الدينية والوطنية والإنسانية تجاه تحديات واقع تنذر بانمحاء وجود الأمة شعوباً وخرائط وقيماً، لجهة تسيُّد بلدوزر الخرافات والذرائع الأمريكية الزاحف على جسدها؛ يمزقه إرباً باسم (القاعدة ومكافحة إرهاب هو صنيعة طيعة له وصلصال يشكله وفق غاياته، ويمثل ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أعلى مراحله وأطواره في وقتنا الراهن)..
يسترسل سيد الثورة أبو جبريل في تظهير ما أصبح ظاهراً من قيمة روحية ومادية خلاقة لهذا المشروع القرآني الذي أخرج الشبيبة اليمنية تحديداً ومختلف فئات المجتمع من حالة الموات إلى حالة الوجود الفاعل المقتدر، واستنقذ القرآن من أنياب الطقوسيات المحنطة الرتيبة وأشداق المنجمين وضاربي الودع والحكواتيين والحواة، ليشق بمنهجيته الربانية فضاءً إنسانياً يتوافر على إمكانات النماء والتطور والخلق والابتكار ومناكبة التحديات على قاعدة (عينٌ على القرآن وعين على الأحداث) كما صاغها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين..
(بفضل هذا المشروع ونمائه كنا يقظين وواعين حين بدأ العدوان على اليمن، ولم نكن غافلين ولا نائمين..).. (استمرار الحرب على هذا المشروع يجعله يتعاظم أكثر فأكثر..)، (قدراتنا الصاروخية والجوية باتت اليوم ضاربة ومتعاظمة..)، (لن نألو جهداً في تطوير قدراتنا نوعاً وكماً بما يحقق الردع، وكحق مشروع لنا..). 
هكذا تكلم سيد الثورة؛ وهكذا أوجز وجلَّى وتجلَّى، حاثاً شعبه الصامد على المزيد من التحرك والنهوض بموجبات مواجهة تحديات عدوان كوني واحتلال بلغ في عتوه حد اغتصاب الأعراض، وما بدا من فحشه ليس إلا اليسير، وما خفي أعظم، فالاحتلال معناه خسارة الأرض والعرض والكرامة؛ يقول سيد الثورة، وإذ يحثنا على اليقظة إزاء (هجمة الأحزاب)، فإنه يأخذ ألبابنا محلقاً بها خارج (خندق اللحظة الراهنة)، صوب مستقبل ممكن من الكمال الإنساني لا نقصان فيه لجهة طغيانٍ قاهرٍ لا قبل لنا به، كما ولا هوان لجهة انعدام الحيلة بانعدام الإرادة.
تعالى جد المسيرة القرآنية، وتقدس روح مؤسسها الشهيد السيد حسين، ودام بدر تمامها أبو جبريل سيد الثورة.. سيد اللحظة اليمانية الكاملة والآخذ بزمام التاريخ بعيداً عن خناق الرواية الأمريكية المهيمنة على التقاويم والأذهان بكماشة خرافات وذرائع تتهاوى اليوم من علياء سطوتها تحت أقدام شعب الأنصار المجاهدين رجال الرجال.

أترك تعليقاً

التعليقات