رئيس التحرير - صلاح الدكاك

الآن فقط تأكد لي أنك مت بالفعل يا آخر الرفاق...ما الذي جعلك توصي بدفنك في مسقط رأسك ومسقط رأسك تحت الاحتلال وصبيان الإمارات والسعودية والإمام والمصلون وهابيون والرفاق الذين كانوا رفاقاً يخبئون خناجر الغل والضغينة المسمومة تحت بيرق الحمامة والسنبلة بانتظار أن تصل ليشبعوا جثمانك طعناً بعد أن أعجزتهم في حياتك شرفاً وموقفاً وكنت أشبه بشهيد حي تجلدهم أنفاس ضميرك الحارة الكاوية وتطيح بأقنعتهم وتعريهم..!.
وكما كانت صنعاء قبلة جبينك الحر فإنها كانت مثواك اللائق حيث محبوك وأشياعك ورفاقك الأصلاء من أبناء الأرض الذين لم يلتحقوا بكراج النفط ولم تتلوث ضمائرهم بشحوم القار والروث والبترودولار......كانت صنعاء حفية بك وعارفة بقدرك دون غيرها من مدن ضاقت طرقاتها بالشرفاء ذوي الجباه العالية المدعوكة بالنيازك واتسعت في  المقابل لمدرعات غلمان النفط وأحذية الجنجويد ونزوات جلاوزة السجون السرية.....
الأشجار تموت واقفة وأنت لعمري سنديانة مكابرة كان الأحرى بها أن تموت وتدفن حيث فردت قامتها لا أن توصي باجتثاثها ونقلها إلى تربة رخوة تناصب الأشجار السامقة العداء وتعشق العليق والنباتات المتسلقة...
أوصد ياسين سعود نعمان بفرمان امبريالي خطوط النقل الجوي أمام جراحات شعبك وأباد خلف أسوار المطار المغلق الملايين من الكادحين وأنت عشت للكادحين ومت معهم فلماذا أوصيت بنقل جثمانك وكنت قد رفضت السفر لتلقي العلاج وشاطرت الجرحى نزيفهم وآلامهم كواحد منهم...؟!
 في فناء النقل البري صلوا على جثمانك الملفوف بملاءة موتك محمولاً على سقالة إسعاف كما يفعلون مع ضحايا الحوادث المرورية من مجهولين لا هوية لهم ولا أهل ولا أحباء...وعلى استحياء رفع بضعة شباب صورتك المهيبة بأصابع مرتعشة ذليلة خائفة من أن تنتقل إليها عدوى الشرف الذي يزخر  ويختلج به صاحب الصورة حياً وميتاً ...
كان مقامك بصنعاء ثورة وطنية ومعراجك منها ثورة  أممية قوامها المفجوعون بصدق بخبر رحيلك والموجوعون من غدر وطعنات رفاق الأمس والمسحوقون الذين رأوا فيك جيفارا ونفساً حسينياً نبيلاً أبياً فلماذا اخترت هذه النهاية الموحشة والرحيل الباهت تعريجاً على عدن التي تنتحر سماؤها بدخان الاحتلال ألف مرة في اليوم...؟!.لماذا أدرت ظهرك لزلزلة الفجيعة الثورية المكابرة الجارفة في صنعاء وكان مدفنك قلوب وأفئدة الشعب الذي تكاثف جينوم  وجوده المديد من المهرة إلى صعدة حول "عيبان" فباتت صنعاء قارة فسيحة بحساب الحرية والسيادة  وعاصمة العواصم في وجه عهر العاصفة الامبريالية ..؟!..
لماذا رحلت خلسة عن الفجر وصنعاء الهواء الطلق والعافية الإنسانية لتقع في قبضة الليل الحالك على المقلب الأبرص الآخر حيث يحتشد "باتيستا "وخنازير خليج البترودولار الهاربين من وجه ثورة شعبية وضعت اليمن والعالم على مشارف زمن جديد حر وازن لطالما عشت تحلم به يا رفيق الثورة الأبدية...؟!.....لماذا؟!
#صلاح_الدكاك




أترك تعليقاً

التعليقات