زلَّة حائك السجَّاد
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

لإيران كما للسعودية، تناقضاتها الداخلية التي تحاول الولايات المتحدة منذ أمد أن تجعل منها (حصان طروادة) تتسلل عبره بصورة ناعمة إلى كواليس المجتمع الإيراني، على أمل إدارة احتراب أقلَّوي إثني يفضي للإطاحة بنظام الثورة الإسلامية، وتخليق معادلة سياسية بأذرع محلية وكيلة تعيد (طهران) إلى حظيرة الطاعة الأمريكية التي غادرتها إيران في 1979م.
بالنسبة للسعودية فإن سلطة العائلة المالكة (ذاتها هي حصان طروادة) الخشبي الذي تدير عبره الولايات المتحدة التناقضات الداخلية للمملكة بما يضمن استمرارية حركتها في الفلك الأمريكي، ويحول دون وقوع دفة السيطرة في قبضة قوى راديكالية مناهضة لهيمنتها على غرار ما حصل في إيران عقب الثورة الإسلامية.
موضع الاختلاف الجوهري بين التناقضات الداخلية لكلا البلدين إيران والسعودية، يتجلى من خلال التوظيف الأمريكي لهذه التناقضات بحافزين مختلفين: أحدهما الطمع في استعادة السيطرة على بلد فقدت الإدارة الأمريكية سيطرتها عليه، والآخر الخشية من فقدان السيطرة على بلد لايزال تحت السيطرة حتى اللحظة.
وإذ أخفقت الولايات المتحدة في استدعاء التناقضات الداخلية مباشرة عبر الولوج لكواليس المجتمع الإيراني بفعل سياج جدلي موضوعي منيع قوامه استقلالية وطنية غير مثلومة تتمتع بها (طهران)، علاوة على نهضة اقتصادية معرفية متعاظمة، فقد لجأت (الولايات المتحدة) إلى استدعاء تلك التناقضات بصورة غير مباشرة بواسطة دُميتها السعودية المطواعة التي بدت ناضجة تماماً لاقتراف حماقة إعدام(الشيخ نمر النمر) تحت وطأة خيباتها المتلاحقة في اليمن وسوريا.
صوَّب الإدارة الأمريكية سهم واقعة الإعدام بأصابع سعودية في قش العاطفة العقائدية المشبوبة للمجتمع الإيراني بوصفها الخاصرة الرخوة لنظام الثورة الإسلامية، ثم حبست أنفاسها بانتظار تداعيات حمقاء مضادة، فكانت واقعة إحراق السفارة السعودية بطهران ثمرة أولى كافية لسلخ الاشتباك الداخلي من سياقه الشعبي السعودي- السعودي، إلى سياق عقائدي سعودي ــ إيراني، ثم عربي سني ـ إيراني مفتوح على حضور إسرائيلي مرحَّب به على ضفة (محور الاعتدال).
(حائك السجَّاد أو الدبلوماسية الإيرانية) منحت ــ أخيراًــ الأمريكيين الزَّلة التي انتظروها بفارغ الصبر، وأياً كانت تبريرات (طهران) لحادثة إحراق السفارة السعودية، فإن ذلك لا يعفيها من تداعيات فعل أحمق كهذا.
في هذا المنحى تذهب القراءة الكيدية للحادثة:
 لم تسمح حكومة طهران بارتكاب هذه الحماقة طيلة  خمسة أعوام من الحرب على حليفها الاستراتيجي (سوريا)، وكذلك الحال عند بدء العدوان على (اليمن) وعلى امتداد عشرة أشهر منه، وحتى حين سقط مئات الحجاج الإيرانيين بينهم السفير السابق في لبنان (أسد أبادي)، وعشرات الشخصيات الدبلوماسية والعلمية، في حادثة (تزاحم الحجاج) في مِنى، احتفط (حائك السَّجاد) ببرودة أعصابه، ولجَمَ زمام ردات الفعل الانفعالية، وفقط لحظة إعدام (نمر النمر) أطلق العنان لبارود الغضب الشعبي العقائدي كيفما اتفق!
لقد حرصت طهران دائماً على تجاوز سياج العزلة العقائدية الذي ضربه حولها 
(محور دول الاعتدال ــ الانبطاح) كتهمة، صوب تواشج منطقي مع القضايا المركزية للعرب والأمة الإسلامية، وعلى هذا المستوى لم تتردد في دعم حركات المقاومة أياً كان انتماؤها، في مواجهة الكيان الصهيوني والاحتلال الأمريكي للعراق، وبناءً على هذا الفهم فإنه ليس من مصلحتها الدخول بصورة فجَّة على خط الاحتقان السعودي ــ الشعبي، وتجييره لجهة ( الحرب الباردة) بينها وبين نظام المملكة الذي يخوض حربه بالإنابة عن أمريكا، عوضاً عن أن تدخل على خط الأزمة الداخلية في (المنطقة الشرقية) من زاوية عقائدية، خلافاً للمعهود من نهجها السياسي المتزن والمتئد وغير الانفعالي.
ثمة تفسيران لما حصل، أحلاهما مر:
 أحدهما أن نظام الثورة الإسلامية كان بحاجة لأن يتملق الشارع العقائدي المحتقن بالتراكم على امتداد عقود الثورة إزاء سياسات السعودية العدائية، فأباح له إحراق سفارتها كتنفيس عن الاحتقان، لأنه لا يعتزم أو لا يمتلك ما يرد به سوى ذلك.
التفسير الآخر أن أصابع المخرج الأمريكي قد توغلت في كواليس المجتمع الإيراني حد الدفع به في اتجاه نقيض لمصلحة نظام الثورة، وبدعاوى لا تستطيع (طهران) كبح زمامها لأنها تُحبِّذها بشكل أو بآخر..
السؤال هو: ما عائدات هذه التداعيات الدراماتيكية على اليمن والمنطقة عموماً بالسلب أو الإيجاب؟
يتعلق الأمر بالدور الإسرائيلي المرتقب على هذا المستوى، وما إذا كان سيعلن عن نفسه صراحةً، أم سيواصل اللعب مع أنظمة البترودولار ومن يدور في فلكها من تحت السرير.
لن يطول انتظارنا هذه المرة، فالمشهد يبدو أسخن مما هو عليه في كل مرة .

أترك تعليقاً

التعليقات