رئيس التحرير - صلاح الدكاك

لم تعد استشرافات السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي المبكرة للمشهد، تكهنات كما لم تكن يوماً، لكنها باتت اليوم كتاباً مسطوراً لا تخفى مكنوناته على أحد، تطالعه الجماهير المقصودة به، فترى رأي اليقين ما حذر منه الشهيد القائد متجسداً في صورة عدوان صهيوني أمريكي مباشر وجلي يتذرع بلافتة عربية ليقتل ويدمر ويشرع أبواب الخارطة لشذاذ الآفاق من قوى الاحتلال والهيمنة.
رسم الشهيد القائد أبعاد المخطط الصهيوأمريكي بخطوط بينة، وعندما ارتقى إلى ربه، كان خلَفُه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يواجه أبعاد هذا المشروع الذي تقوده قوى الاستكبار العالمي، وعلى رأسها أمريكا وأدواتها في المنطقة، بعد أن أصبحت هذه الأبعاد حقيقة بارزة على الأرض، وإذ كانت الصرخة زاد ثلة من الرعيل المجاهد الأول، فقد باتت اليوم سلاح الملايين من حيفان إلى حيفا ومن مران إلى الكرمل، وها هو الشعار يغدو ملاذاً للمستضعفين الذين وجدوا أنفسهم وحيدين انفض من حولهم كل المزايدين باسم مظلومياتهم وقضاياهم، ليلتحقوا بصف الجلاد الصهيوني في علاقة تتعدى كونها تطبيعاً إلى وصال حميم بين نظائر وأشباه يتشاطرون مشروعاً قذراً واحداً من اليسار إلى الوسط إلى اليمين.
إن الحق لا ينعقد بنصاب عددي وفير، بل يكفي أن تتوافر له ذات مؤمنة واحدة صلبة ليتسع نطاق ظفره ومناصريه.
وكما كان إبراهيم عليه السلام، أمةً بذاته، كان الشهيد القائد حسين أمة بذاته، واليوم، فإن خَلَفَهُ يقفُ على رأس أمة تناهت إلى أسماعها الصرخة فأيقظتها؛ تماماً كما يقف سيد المقاومة السيد حسن نصر الله والشيخ عيسى قاسم والرئيس بشار الأسد.
يقف سيد الثورة ليعلن للعالم المنافق والمتواطئ خياراته: (أن أكون ذرة يذروها الهواء أفضل لي وأحب من أن أستسلم لخدم قوى الاستكبار الذين هم أعجز من أن يقودوا فندقاً أو مطعماً، علاوة على أن يقودوا بلداً وشعباً).
باتت الصرخة مشروعاً مكتمل الأبعاد في واقع مكتمل السفور من حيث الفرز بين مشروع استكبار وهيمنة واستعباد واحتلال من جهة، ومشروع مقاومة ورفض وفدائية في مجابهته، يضبط إيقاع نضال المستضعفين وجهادهم، وينتظم طاقاتهم من الماء إلى الماء.
نحن سادة قرارنا ولنا السيادة على ترابنا، والمنزعجون من اصطفافاتنا (أنصار الله، المؤتمر وحلفائهما)؛ في مواجهة العدوان وإدارة شؤوننا الداخلية، فلينطحوا رؤوسهم في الصخر. هكذا تكلم سيد الثورة، وقال: (إن هذا الحل السياسي يأتي في سياق تعزيز صمود الشعب والتصدي للأخطار).
الزيارات المتبادلة بين الرياض وكيان العدو في تل أبيب لتمتين الصلات والأواصر التي يقول عراب العلاقة الصهيووهابية أنور ماجد عشقي، إنها أواصر باتت أوسع من ذي قبل، لاسيما وأن البلدين يتشاطران آمالاً ومخاوف واحدة إزاء ما يسميه عشقي التهديدات الإيرانية للخليج وإسرائيل.. هذا العناق الحميم بين الرياض وتل أبيب لم يثر عاصفة سخط كالتي أثارها الوفاق الوطني بين أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام في مجابهة عدوان وحصار قائم واحتلال مباشر للتراب اليمني.
هكذا يغدو الفرز بين مشروعين أكثر جلاءً لأولئك الذين لا يزالون يعتقدون بأن الكيان الإسرائيلي بمنأى عن تحالف العدوان على اليمن، وهو فرز يستوجب بالضرورة اصطفافاً صريحاً على إحدى ضفتي المشروعين، فالعروبة كمشروع لا تستمد شرعيتها إلا من الصدام مع العدو الإسرائيلي، عوضاً عن أن تستمد شرعيتها بالصدام مع اليمن بوصفها (مجوسية) و(فارسية) و(غير عربية)، حال ما يسمى (التحالف العربي) الذي تقوده الرياض بالإنابة عن تل أبيب.
إن من يلتبس عليه مشهد الصراع فيرى العروبة في السعودية والمصلحة في مد اليد للكيان الإسرائيلي، هم ذاتهم من يصفهم سيد الثورة بـ(المنافقين والمغفلين والجهلة) ممن يروجون لأمريكا إيجاباً بأكثر مما تروج أمريكا لنفسها، وهكذا تتحول هذه (المجاميع البشرية والكائنات إلى قطعان من الحيوانات تلعب بها أمريكا وإسرائيل كما تريد).
لقد استأصلت قوات الجيش واللجان شأفة (القاعدة) من شمال اليمن وبعض محافظات الجنوب، فأعادت أمريكا استزراعها جنوباً كتدليل عملي على أن هذه المنظمة الإجرامية هي صنيعة مباشرة للاستخبارات الأمريكية، تتذرع بها واشنطن للهيمنة على العالم وغزوه، مستغلة عنوان (مكافحة الإرهاب)، وتستهدف بها (كل نظام متحرر في المنطقة) العربية وفي العالم.
مجزرة الصراري وتهديم مسجدي العالمين جمال الدين في (صبر) وعبد الهادي السودي في (تعز القديمة)، ثمرة مباشرة لرعاية تحالف العدوان السعودي الأمريكي لهذه العصابات التكفيرية التي يقدمها بوصفها مناصراً لـ(الشرعية) و(مقاومة) لـ(المد الفارسي).
ليس بوسع هذا المشروع الاستكباري، أياً بلغت درجة تأليهه والرهان عليه، أن ينتصر، وسيهزم ولا ريب كما هزم ويهزم في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، على أيدي رجال لم تفلح ترسانة القمع والتضليل في كسر إرادتهم وتحوير بوصلة الصراع التي تشير إلى القدس لا إلى طهران، وإلى عدو تتعدد أدواته ويبقى واحداً في عيونهم، هو الصهيوأمريكية.
في حلب سقطت أوهام الإمبراطورية العثمانية الجديدة التي أعاد إحياء أسطورتها الغرب الإمبريالي، وفي اليمن تسقط إمبراطورية الوهابية المجاهدة تحت لواء البترودولار والاحتكارات الامبريالية، غير أن العدو لا يزال يمتلك القدرة على المناورة وتغيير اللافتات، وقدرة هائلة على التضليل والاستقطاب وشراء الذمم، الأمر الذي يستدعي اليقظة والجهوزية الدائمتين، وتعبئة الأمة في مواجهته، والصراع سرمدي، ولا مطاف أخير فيه أو استراحة محارب.
هكذا يستشرف سيد الثورة في خطابه بـ(يوم الصرخة)، بعيد المشهد، غير غافل عن مجرياته القريبة، ويقارب متحولات الصراع في ضوء ثوابته، وانطلاقاً من محور ارتكاز قيمي صلب، يتعاطى مع واقعه بإيجابية وفاعلية، دون أن يغرق في رمال تفاصيله المتحركة.

أترك تعليقاً

التعليقات