قراءة في التحديات والممكنات.. الإخفاق الإعلامي إزاء العدوان الكوني على اليمن
- خالد العراسي الثلاثاء , 25 يـنـاير , 2022 الساعة 7:17:03 PM
- 0 تعليقات
خالد العراسي / لا ميديا -
لا شك أن العدوان الكوني الذي يتعرض له اليمن منذ سبعة أعوام متعدد الأشكال والأوجه، وبالتالي فإن مقاومتنا ومواجهتنا للعدوان يجب أن تكون متعددة، فكل شكل من أشكال العدوان له طريقة في مقاومته ومواجهته، ومن أهم وأبرز هذه الأشكال -بعد العسكرية والاقتصاديةـ هي الحرب العدوانية الإعلامية، لكننا للأسف الشديد لم نأبه لهذا الجانب رغم أهميته، ولم نواجهه بالشكل المطلوب حسب الممكن والمتاح، وكان الإهمال سيد الموقف، وفي كثير من الأحيان كنا نقدم خدمات كبيرة للعدوان، سواءً عند التعاطي الخاطئ مع حدث مهم وبارز أو تجاهل بعض الأحداث وعدم تداولها إعلامياً على نطاق واسع.
في الحروب الست على صعدة لوحظ أن أغلبية الشعب اليمني كانوا إما مؤيدين للدولة وإما محايدين، والسبب هو عدم معرفتهم بحقيقة ما يحدث، من حيث أسباب الحروب وما حدث خلالها ونتائجها، أي أنهم لم يكتشفوا الأسباب الحقيقية التي جعلت الدولة تشن حروبها ضد أحرار صعدة، كما أنهم لم يعرفوا ولو جزءاً بسيطاً من الجرائم والمجازر والانتهاكات التي ارتكبتها قوات النظام والطيران السعودي المسنود أمريكياً وبريطانياً وصهيونياً خلال تلك الحروب، ولم تصل إليهم حقيقة الأوضاع الكارثية في صعدة وحجم الدمار والخراب أثناء وبعد الحروب، وكل ما كنا نعتقده آنذاك هو أن هناك مجموعة مارقة وخارجة على الدولة وتسعى للانفصال، وأنها مجموعة تؤمن بأفكار ومعتقدات دينية تختلف تماماً عن معتقداتنا، وأن حرب الدولة ضدهم إنما جاءت حفاظاً على سيادة اليمن ووحدة أراضيه، بل وحفاظاً على الدين الإسلامي، بينما الحقيقة كانت مغايرة ومعاكسة تماماً لما روج له آنذاك الإعلام الرسمي التابع والخانع لمحور الشر بزعامة أمريكا.
ولو أننا كشعب يمني عرفنا الحقيقة كما هي لاختلف موقف الأغلبية العظمى، لأننا شعب أصيل لا يقبل الباطل ولا يرضى بالإجرام، لاسيما ضد فئة مستضعفة كل ذنبها أنها دعت إلى الحرية والتخلص من التبعية ورفضت سياسة الهيمنة والاستكبار الذي تمارسه أمريكا وتحالفها الشيطاني بحق كل من يرفض الخنوع والخضوع، أي بحق كل أحرار العالم وليس فقط ضد دولة أو فصيل أو طائفة معينة، وبمجرد أن عرفنا مبادئ وأهداف المسيرة القرآنية وقرأنا ملازم الشهيد القائد (رضوان الله عليه) ولمسنا صدق وإخلاص ووفاء السيد قائد الثورة (سلام الله عليه) تبدلت الآراء وتغيرت المواقف، لاسيما بعد اتضاح البعد الإنساني والمطالب العادلة والمشروعة والمكفولة بكل قوانين ودساتير العالم.
بغض النظر عن بعض الأخطاء والاختلالات والإخفاقات التي لا تنم مطلقاً عن جوهر المشروع، والتي لنا إزاءها أيضاً موقف واضح ونأمل تصحيحها وتصويبها ليكون سبباً يقود إلى نجاحات إدارية إلى جانب الانتصارات العسكرية فتكتمل حلقات النصر بإذن الله تعالى، لكن بالمجمل حدث التفاف جماهيري وشعبي كبير جداً، وذلك نتيجة الوعي وتغير القناعات بعد جملة من الأحداث والوقائع الملموسة، وكذا بعد كسر كل عمليات التعتيم وإزالة ترسبات الغزو الفكري، وكان لهذا التبدل والتغير في الآراء أثر ملموس في واقعنا اليوم.
ما أود التنبيه له هنا هو أننا حالياً لو قمنا بإجراء استطلاع شعبي في عدة دول وسألنا بعض الأفراد عن حقيقة ما يحدث في اليمن، فسيكون جواب الأغلبية أن هناك «انقلاباً حدث في اليمن ضد الرئيس المنتخب والحكومة الشرعية، وهناك تدخل خليجي وهو تدخل قانوني، لأنه تم بطلب من الرئيس والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً». ولو سألناهم: ما الذي فعله التحالف في اليمن؟ لربما أجاب البعض عن مجزرة أو مجزرتين وصل خبرهما إليهم بالصدفة، ولن نجد أحداً لديه إلمام بما حدث ويحدث ولو حتى رؤوس أقلام وعناوين، إلا المتابعين المهتمين بهذا الموضوع، أما العامة إجمالاً يجهلون الأحداث المفجعة التي مر بها اليمن، كما يجهلون ما الذي سطره جيشنا واللجان الشعبية من انتصارات نوعية، وما مني به تحالف الشر من هزائم، وما وصلنا إليه من قوة عسكرية.
وهذا يعني أننا إزاء هذا العدوان الكوني البشع تعاملنا إعلامياً مع العالم الخارجي بنفس طريقة أداء الأنصار إعلامياً في الحروب الست، وهذا ليس شيئاً طبيعياً بالمطلق، لأن إمكانيات الأمس مختلفة تماماً عن إمكانيات اليوم، بالإضافة إلى توفر وسائل الإعلام الحديثة وكيفية إيصال رسائل لكل العالم بشكل سريع جداً، أضف إلى ذلك أن الأنصار اليوم باتوا دولة ومقاليد السلطة ومؤسسات الحكومة بأيديهم، بينما الأداء الإعلامي يوحي بأنهم ما زالوا جماعة لا حول لها ولا قوة، وهذا غير منطقي، لاسيما وأن ما حدث لليمن لم يسبق أن حدث في أي زمان ومكان من جميع النواحي.
فعلى مستوى الإجرام لم يتعرض أي شعب لما تعرض له الشعب اليمني، وعلى مستوى المدة فسبعة أعوام مدة كبيرة جداً بالنسبة لدولة عمل صهاينة العرب على نهب ثرواتها وتجهيل شعبها وإفقارها منذ عقود، ولا قدرة لديها على تحمل أعوام عجاف، بالإضافة إلى أنواع السلاح المستخدم، حيث أن تحالف العدوان جعل من اليمن ساحة لتجربة أعتى وأحدث الأسلحة المصنعة حديثاً، وكذا من ناحية أشكال وأنواع العدوان المتعددة (عسكرياً، اقتصادياً، مالياً، أمنياً، إعلامياً، سياسياً... إلخ)، وحجم التكالب والصمت والتواطؤ الدولي، وكذا بالنسبة للبعد الجغرافي بيننا وبين حلفائنا من محور المقاومة وما تسبب به ذلك من الحيلولة دون دعمنا عسكرياً ومدنا بالطاقة والغذاء والدواء كما يحدث مثلاً مع سورية، وعدة أشياء أخرى جعلتنا نخوض تجربة فريدة من نوعها.
ولأنها كذلك كان يجب أن تأخذ حقها إعلامياً، فما يحدث مفجع ومذهل في آن واحد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهذا يعني أن هناك مفارقة عجيبة جداً، وهي أن في اليمن شيئاً لم يحدث من قبل، وبالتالي هو جدير بمعرفة وانتباه كل شعوب العالم. لكن الحاصل هو العكس تماماً، وبالتأكيد هذا ليس بسبب ما مارسه تحالف العدوان من سياسة التعتيم الإعلامي وشراء الذمم فقط، وإنما هناك جوانب تخصنا وتجسد إخفاقنا الإعلامي.
بالقياس لما حدث مؤخراً في فضيحة تحالف العدوان بشأن الفيديو المفبرك لميناء الحديدة نجد أن موقف التحالف كان ضعيفاً للغاية، وموقفنا كان قوياً جداً، والسبب ليس لأنهم فبركوا وكذبوا، وإنما لأن كذبهم وفبركتهم تحولت إلى فضيحة، وذلك بسبب التناول الإعلامي بشكل مكثف وصحيح، الذي أدى إلى انتشار الحدث عالمياً، ما أجبر أعداء الإنسانية على تبرير الفضيحة بأنه «خطأ من المصادر»، مثلما يبررون جرائمهم ومجازرهم بأنها ليست خطأً منهم وإنما مصادرهم رفعت إحداثيات خاطئة ومعلومات مغلوطة.
العجيب أنهم يسمونه «خطأ هامشي»، وكأنها المرة الأولى أو الثانية، فيما الواقع يقول إن الحقيقة هي الهامشية في قاموس أخبار تحالف العدوان، وكل الجرائم والمجازر والأكاذيب والفبركات الإعلامية والتدليس والتزوير متعمدة، وما قولهم بأنها معلومات مغلوطة إلا من باب التهرب من تحمل المسؤولية والتبعات، كما أنه هروب من الخزي والعار ومن الفضيحة، لكنهم لا يدركون أنهم بهذا الادعاء السخيف جلبوا لأنفسهم فضيحة أخرى وهي كذبة التبرير، فكيف يمكن لتحالف بهذا الحجم أن يخدعه شخص واحد، المسمى أو المشار إليه بـ»المصدر».
الجدير بالذكر هو أن التناول والتداول الإعلامي للفضيحة على أوسع نطاق هو الذي أربك تحالف العدوان وجعلهم يبحثون عن مبرر ويسعون للملمة الموضوع بأي شكل، وهذا بحد ذاته انتصار مزدوج، فأولاً: فضحنا كذب وزيف تحالف العدوان في موضوع مهم كانوا يأملون بأن يكون مبرراً لقصف وتدمير ميناء الحديدة، وثانيا: لفتنا نظر الكثير إلى حقيقة ما يحدث في اليمن، فهذا الموضوع بالإضافة إلى واقعة السفينة «روابي» لفت أنظار الكثيرين، وجعلهم يتساءلون ما الذي يحدث في اليمن؟ وبالتأكيد، كلما زاد حجم الشريحة التي تعرف حقيقة وتفاصيل العدوان على اليمن زادت نسبة تحول المواقف لصالحنا، ولا أتحدث هنا عن الحكومات أو حتى المنظمات، فهم يعرفون كل التفاصيل، وإنما أقصد الشعوب الحرة التي حتما ستضغط على حكوماتها في عدة أطر، أهمها وقف بيع الأسلحة، ووضع حد لما يحدث، وغيرها من المواقف المطلوبة في إطار وقف العدوان والوصول إلى سلام عادل وشامل، وصحيح أننا لا نعول إلا على الباري عز وجل إلا أن هناك أسباباً يجب توفيرها.
ومن هذا المنطلق أقول بأن هناك برنامجاً إعلامياً متكاملاً يجب أن يتم تنفيذه بدقة ومهنية وكفاءة عالية، وهذا البرنامج يصب في إطارين، هما:
الأول: فضح جميع الجرائم والمجازر والانتهاكات التي ارتكبها العدوان بحق الشعب اليمني منذ سبعة أعوام، وأيضاً فضح أبرز وأهم وأخطر الشائعات والأكاذيب التي ينشرها العدوان عبر إعلامه أو أدواته، مثل كذبة استخدام مطار صنعاء وميناء الحديدة في أغراض عسكرية وغيرها من الأكاذيب والادعاءات المؤثرة والخطيرة، وهذا يجب أن يتم باحترافية ومهنية، فمثلا عند نشر جريمة معينة يجب توفير عدة أشياء، أهمها التوثيق (صور وفيديوهات) ولقاءات حية مع أبناء المنطقة وشهود عيان، وكشف نوعية السلاح المستخدم، ومتى صنع، وبلد المنشأ، ولمن تم بيعه، ومتى بيع، وهي معلومات بالإمكان الحصول عليها عند تجميع بقايا السلاح المستخدم (صاروخ أو قنبلة... إلخ)، فهناك قطع معينة في السلاح تحمل الكود الذي سيجلب بسهولة كل التفاصيل عبر النت.
كما يجب عمل إحصائية دقيقة عن عدد الضحايا والإصابات والأضرار الناجمة عن الاستهداف، وما إلى ذلك من الأمور التي يتوجب توفرها، وعدم الاكتفاء بالقول إن العدو ارتكب مجزرة هنا وجريمة هناك فقط، ومن الضروري التركيز على الأسلحة المحرمة دولياً، وهي عديدة ومنها ما يتسبب بتلوث بيئي كبير وأضرار كارثية قد تمتد لأعوام، ومنهــا مـــــا يتسبب بقتل وجرح الكثيرين حتى بعد مرور فترة على الضربة كما تفعل القنابل العنقودية التي لا تنفجر في وقتها وتصبح بمثابة ألغام، وغالباً ما تصيب الأطفال، فكم عدد ضحايا تلك القنابل؟ وأين ومتى أصيبوا؟
هذه الخطوة ليست استجداء كما قد يعتقد البعض، وإنما هي أساسيات وعوامل مساعدة لنشر الحقيقة التي لا يعرفها الكثير، وأيضاً هي بمثابة التوثيق بشكل قانوني لاكتمال ملفات الإدانة، وإهمالها سيشكل طوق حماية للمجرمين من بني سعود وعيال زايد والدول المصنعة للأسلحة.
الثاني: نشر انتصارات قوات الجيش واللجان الشعبية براً وبحراً وجواً وكل العمليات النوعية التي قامت بها، وكيف تمكنت من كسر هيبة تحالف عالمي، على أن يتم ذلك بشكل مواكب وحرفي ومهني، فعلى الرغم من كل ما نشر إلا أننا ما زلنا مقصرين جداً في توضيح ولو جزء بسيط من انتصارات جيشنا واللجان والجوانب العسكرية تصنيعاً وتنفيذاً، وهذا شيء لا يجب إطلاقاً الاستهانة به، فمن تمكن من أن يدوس على أقوى وأحدث الترسانات العسكرية ويحرقها ويدمرها ويعطبها بهذه الأعداد المهولة وأسقط عشرات الطائرات بدون طيار، وهي آخر ما انتجته الصين وأمريكا وتركيا، وأسقط التورنيدو، وهي فخر الصناعة الأوروبية، وحيّد الأباتشي بعد أن كانت السلاح المرعب، وحيّد جزءاً كبيراً من غارات طائرات الـ(إف 15) والـ(إف 16) مما اضطر أمريكا للتدخل المباشر بالقصف الجوي عبر قاذفات الـ(بي 52)، هذا وأكثر منه يجب أن يأخذ حقه الكامل إعلامياً.
فكم شخص في هذا العالم يعرف حقيقة ما يحدث في اليمن؟ وما هو السبب؟
وفي هذا الإطار بإمكاننا وضع نقاط وإجراءات تشكل برنامجاً متكاملاً، والأخذ من ذوي الخبرات العلمية والعملية كمستشارين، والتقاط كل فكرة وكل رؤية وكل أطروحة، وعليكم البدء بالتنفيذ وبأسرع وقت ممكن.
ما سبق يجب أن يتم تنفيذه بالشكل والصورة المطلوبة بما يكفل استمرارية وصول مظلومية اليمن إلى كل دول العالم، وأيضاً انتصارات الجيش واللجان الشعبية.
أما بشأن التنفيذ في ظل سيطرة تحالف الشر والظلام على الإعلام العالمي فذلك يستوجب إعداد برنامج متكامل لاستخدام كافة الأدوات والوسائل الممكنة والمتاحة، وهي كثيرة جداً في ظل ثورة التكنولوجيا ووجود قنوات المعارضة لكل دول محور الشر والظلام، فلا يوجد دولة إلا ولديها معارضة تمتلك قنوات ووسائل إعلامية، وهذا وتر مهم وحساس يجب أن نستخدمه ونركز عليه إلى جانب غيره من الأوتار الحساسة التي لا يجب بأي شكل من الأشكال إغفالها إطلاقاً.
والله الموفق والمستعان.
المصدر خالد العراسي
زيارة جميع مقالات: خالد العراسي