خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -

لا يمكن الحديث عن الفساد بمنأى عن الحقبة السابقة، تلك الحقبة التي وصل فيها اليمن إلى ثاني دولة عالميا من بين الدول الأكثر فساداً. وعندما نقول ثاني دولة فهذا يعني الكثير.
فعندما تتخذ الدولة والنظام والحكومة من الفساد وسيلة للديمومة والبقاء والاستمرار فهذا يعني أن الفساد هنا أصبح نهجاً مقونناً وثقافة عامة، وهذا هو الظل الطبيعي المنعكس على واقعنا اليوم، بغض النظر عن تغير بعض الأشخاص والأسماء.
ولهذا حدث في اليمن ما لم يحدث في أي بلد آخر. وعلى سبيل المثال لا الحصر قد يحدث فساد في أي دولة بنسبة معينة ولفترة معينة في مجال استكشاف وإنتاج الذهب، لكن لم يحدث مطلقا أن يتم نهب كل الكمية المنتجة طوال 20 عاما ولا يدخل خزينة الدولة ريال واحد كعائد من 24 منجماً موزعة في ربوع الجمهورية اليمنية، علما بأن النسبة المكتشفة سواء من حيث الكمية أم الكثافة هي نسبة عالية جدا، فمنجم محافظة حجة يعتبر ثاني أكبر منجم عالميا، وكثافة نسبة الذهب الموجودة في كل مناجمنا أكبر من أعلى نسبة تم اكتشافها عالميا.
هذا مثال واحد فقط وبالقياس عليه بإمكانكم تصور ما تم نهبه من هذه البلدة الطيبة.
أما اليوم فلا مجال للمقارنة إطلاقاً، لاسيما بعد أن فقدنا 85% من إيراداتنا، وهي عائدات تصدير النفط والغاز، ورغم أن الـ15% المتبقية تنفق في خمس مهام أساسية على رأسها النفقات التشغيلية لكل الجهات الحكومية، إلا أنها تتعرض لسياسة تجفيف الموارد المالية بشكل منظم وممنهج ومدروس جدا، فكم باعتقادكم قد تبلغ نسبة الفساد المالي حاليا مقارنة بما كان يتم؟!
نحن عندما نتحدث عن الفساد فذلك من باب ممارسة النقد البناء، ولأننا نمر بأسوأ الأوضاع نتيجة العدوان الغاشم والحصار الجائر والحرب الاقتصادية، لذلك حرصنا أن نكون على مستوى عال من الوعي والحرص على المال العام، فلا تجعلوها أسطوانة ومعزوفة يومية مستغلين وضوحنا وشفافيتنا وجرأتنا على النقد وكأننا نوفر لأعداء الوطن بيئة للاصطياد القبيح.
نحن ننطلق في انتقادنا من حب الوطن، لا من الأحقاد ولا من المصالح الشخصية. كما أننا لا نقبل على أنفسنا أن نكون من ذوي الدفع المسبق والمأجورين، فلن ننتقد إلا بكل مصداقية وأمانة وإخلاص بغية الإصلاح والتصحيح وليس لإرضاء طرف وتشويه آخر.
سنجوع ونتأزم ماليا ونعاني المر ونصارع الالتزامات الحتمية ونعيش حياة متعبة بكل تفاصيلها، لكننا لم ولن نخون وطننا الحبيب والغالي على قلوبنا، بل إننا لن نتخلى عن قيمنا ومبادئنا وصفاء ونقاء علاقاتنا الاجتماعية وعزتنا وكرامتنا مهما كانت التحديات والظروف.
وإذا قلنا: هذا خطأ؛ فإنما نقوله حبا ووفاء لمن رفعوا راية التحرير وتصدروا واجهة النضال المقدس ضد طواغيت الأرض، فنأمل بهم وفيهم الخير بإذن الله.
كما أن الجانب المشرق كبير وواسع النطاق. ومشكلتنا أننا لم نطالب بتفعيل مبدأ الثواب، ونكتفي بالمطالبة بتفعيل العقاب فقط، بينما هناك كثير من الجوانب الإيجابية على المستوى الإداري. وأكثر ما نعانيه فعليا هو عدم تكاتف الأنقياء والمخلصين. وهذه هي السلبية يجب أن تزول، فتكاتفهم سيكون مؤثراً وقوياً وفعالاً، خاصة في ظل تكاتف الفاسدين ومن لهم مصالح معهم والطفيليات التي تقتات من فتات فسادهم.
لدينا أجهزة رقابية ينقصها تعديلات قانونية تؤدي إلى منحها صلاحيات أكبر وأعم وأشمل مما هي عليه الآن، كون النظام السابق اتخذ منها وسائل لجمع ملفات فساد مالي للابتزاز ولَي الذراع وكسب الولاءات وضمان الطاعة العمياء فقط، ولهذا تم تفصيل قوانينها بشكل يضمن بقاء واستمرار الفساد، وكأنها أجهزة أنشئت لتشكل طوق نجاة وحماية لكل فاسد. كما أن إصلاح القضاء هو الركيزة الأساسية والأهم. وبصراحة لا أعتقد أن هناك خراباً وفساداً في أي قضاء بالعالم كما هو موجود لدينا، وهذا لا يعني أن كل قضاتنا فاسدون إلا أن النزيه منهم مهمل، ومن لا إهمال ولا فساد فيه نجده فاشلاً، وقلة قليلة جمعت بين النزاهة والكفاءة والاجتهاد، وهؤلاء يعانون من أشياء كثيرة، أهمها هشاشة البنية وافتقارهم للوسائل التكنولوجية وضعف الكادر الوظيفي، لذلك نادرا ما نرى حسماً سريعاً في قضايا المواطنين، باستثناء تلك التي تتحول إلى قضية رأي عام أو يسوقها القدر إلى قاض يحترم نفسه ويعرف معنى المسؤولية ويخاف الله في الأمانة الملقاة على عاتقه.
مئات القضايا تمت إحالتها من الجهاز المركزي إلى النيابة، فما الذي تم فيها؟!
ما الفائدة من إنهاك الأجهزة الرقابية بالفحص والتدقيق وجمع الأدلة ثم تذهب تلك الملفات أدراج الرياح؟! إذا صلح القضاء والأمن صلح كل شيء.
كما أن هناك من المسؤولين من لم يعد يختلف اثنان على فسادهم أو فشلهم، فلماذا لا يزالون فوق كراسيهم؟!
وهل سيكلف تغييرهم أكثر من توقيع قرار رئيس المجلس السياسي بتعيين بدلا عنهم؟!
كيف لنا أن نحارب الفساد والفشل بينما نُبقي عليهم في مناصبهم؟!
كيف لنا أن نطالب بمحاسبتهم وهم لا يزالون جاثمين على صدورنا؟!
البعض يصور مسألة مكافحة الفساد وكأنها مهمة شبه مستحيلة وتحتاج إلى عقود للاستئصال الكلي، وهذا يشبه التصور الأمريكي للعالم في محاربة الإرهاب، حيث صرحت أمريكا بأنها بحاجة إلى عشرات السنوات لإنهائه، بينما لم يكن الموضوع بحاجة إلى كل هذا، وإنما تم اتخاذه كوسيلة للتدخل في شؤون الدول لنهبها وتقسيمها.
وبالنسبة لمحاربة الفساد فالموضوع لا يحتاج إلى أكثر من نوايا طيبة وإرادة وإخلاص، وكل شيء يتسهل بإذن الله وفضله وكرمه.
ابدؤوا بتغيير 15 رأساً من الرؤوس الفاسدة والفاشلة (5 محافظين + 5 وزراء + 5 رؤساء جهات إيرادية)، وتحروا نزاهة وكفاءة ووطنية البدلاء، وستلاحظون شيئين: الأول هو تغير الأداء إلى الأفضل، والثاني هو انصلاح حال البقية تخوفا من ملاقاة المصير نفسه.
هنا يكمن دور الدولة وعظمتها وقوتها وهيبتها وتطورها وتقدمها وقدرتها على مواجهة أصعب وأقوى التحديات.
أما إذا استمرت الانتقاءات بحسب الشللية والولاءات والمصالح الشخصية والتحالفات القبلية والاستمرار في منح الفاسدين أعلى المناصب، فلن تقوم لهذا الوطن قائمة، ولن نخطو خطوة واحدة تجاه محاربة الفساد.
أما حكاية تجذر الفساد فهي الحقيقة المطلقة، لكنها ليست عائقاً ولا جداراً منيعاً أمام إرادة القيادة وإخلاصها.


ـ صورة مع التحية لرئيس المجلس السياسي الأعلى.

أترك تعليقاً

التعليقات