عشر وصايا للحكومة الجديدة
 

خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -
صحيح أن هناك ملاحظات على الحكومة الجديدة، وربما لم تكن كما ظن الكثير أو بحجم آمالهم ولا بقدر الانتظار عاماً كاملاً من الفحص والتمحيص والتدقيق؛ لكن أيضا علينا الاعتراف بأن فيها أشخاصاً ممتازين وكثيراً جيدين، ويكفي أنها أول حكومة لم يكن كشف الترشيحات فيها صادراً من السفارة الأمريكية.
لن نقول اختيار فلان كان موفقا وفلان غير موفق؛ لأن الواقع العملي والأيام والميدان هو الحكم؛ لكن هناك ملاحظات مهمة ولازمة لتصحيح المسار، وهي على النحو التالي:
1 - هناك ضرورة لتفعيل الرقابة والحساب والعقاب، فمن أمن العقاب أساء الأدب وأساء التصرف، دمروا القبة الحديدية التي كانت تحمي الفاسدين وتمنع محاسبتهم، وهذا يستدعي عدة إجراءات أهمها:
أ) تغيير قيادة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وصرف مرتب وحافز لموظفي الجهاز بشكل شهري منتظم، فالبطون الخاوية لا يمكنها إنجاز عمل رقابي بالشكل اللازم والمطلوب. كما يجب تسوية موازنة الجهاز فيما يخص النفقات التشغيلية بما يمكن الجهاز من تشكيل لجان ميدانية لتنفيذ برنامج رقابي دوري يشمل كل الجهات الحكومية ويبدأ بالأكثر إيراداً، ولا يستثني أي جهة، بالتوازي مع تعديل بعض المواد القانونية إلى جانب إجراءات تصحيحية أخرى من شأنها تفعيل العمل الرقابي في الجهاز المركزي ليتحول إلى رقابة ومحاسبة وليس رقابة وأرشفة.
ب) إصدار توجيهات رئاسية إلى مجلس الشورى ببدء إعلان استلام ملفات المرشحين لرئاسة وعضوية الهيئة العليا لمكافحة الفساد، وفقا للنظام والقانون، بحكم تعيين رئيس الهيئة وزيرا للعدل وحقوق الإنسان، علما بأن الرئيس والأعضاء انتهت فترتهم منذ أشهر، وتم التمديد لهم بالمخالفة للقانون، وكان ذلك معيباً بارتكاب مخالفة كبيرة في أكبر جهة رقابية، بالإضافة إلى بعض التصحيح لوضع موظفي الهيئة وإيقاف التدخلات والتوجيهات العليا في تجميد بعض الملفات، كما حدث طوال الفترة الماضية، وهذا عرفته من خلال تجربة شخصية في عدة ملفات أوصلتها للهيئة بكل وثائقها وأدلتها، وبعد أعوام من التحقيق قال لي أحد قضاة الهيئة: وصلتنا توجيهات من فوق لتجميد ملف الفساد الذي أوصلته إلينا! وأردف بأن غريمي "مدعوم من طالع"، وفي الحقيقة ذلك الفاسد لم يكن غريماً شخصياً لي، وإنما غريماً للشعب كله، وعليه تقرير رقابي بفساد وضرر مالي يتجاوز خمسة وأربعين مليار ريال، وهذا مجرد مثال واحد لكثير من الملفات المجمدة في الهيئة العليا لمكافحة الفساد بناء على توجيهات عليا، وفي المقابل لا يوجد أي حماية للمبلغين، واللوائح مجرد حبر على ورق.
2 - يجب تفعيل التقييم باستمرار وبشكل مهني، وعندما تكون النتيجة أن أداء البعض "صفر" يتم تغييرهم فورا، بمعنى أننا لا نريد فرصة تلو الأخرى على حساب حياتنا، ولا نريد استمرار حالة تصفير العداد للفاشلين والفاسدين.
3 - يجب أن يكون هناك برنامج محدد وواضح ومزمّن تعنى به الحكومة الجديدة، إلى جانب المهام الاعتيادية، والتقييم سيكون بناء على نسبة ومستوى الإنجاز، ويكون هذا البرنامج بما تتطلبه المرحلة وحسب الأولوية، ومن هنا نحكم ونقيم حسب نسبة ومستوى الإنجاز، وبما ينعكس على الواقع في تحسين الوضع المعيشي والخدمي وحل إشكاليات المؤسسات وتحديثها وتطويرها وفق الممكن والمستطاع.
4 - يجب إعادة الأمور إلى ما كانت عليه في بعض الأشياء التي تسببت بمنح البعض صلاحيات أكثر مما هو مخول له قانونا، بل وجعلتهم ينتهكون حتى الدستور وليس القوانين فقط، وعلى سبيل المثال لا الحصر: إلغاء وحدة التدخلات الطارئة بعد تكليف لجنة لفحص جميع أعمالها فنيا وماليا، فهذه الوحدة تعتبر كارثة كبرى ومخالفة دستورية، وكأقل القليل إذا تعذر إلغاؤها يجب تصحيح مسارها واستعادة المليارات المنهوبة عن طريقها وإزالة آثار الدمار الذي أحدثته في عدة مجالات، أهمها: مشاريع المياه، الطرقات، المباني الخدمية، شراء المعدات الثقيلة...
وهذا مثال واحد لحجرة عثرة في طريق الحكومة الجديدة، وهذا الحجر لم يتسبب فقط في فساد ملياري وتخريب وتدمير ممنهج، بل إنه تسبب بانتزاع صلاحيات كثير من الوزراء والمحافظين، بل وانتزاع صلاحيات رئيس الجمهورية نفسه ورئيس الوزراء.
5 - يجب إلغاء تعدد المهام، بحيث يركز المسؤول على مهمته ووظيفته فقط ولا يهملها أو يقصر فيها، بحجة ملاحقة المهام الأخرى، فمثلا ليس بالضرورة أن يجمع أحدهم بين منصب وزير وعضو لجنة اقتصادية ورئيس صندوق ومشرف على الإيرادات ومتحكم بحساب الدولة العام و... و... و... كل واحد يشتغل عمله ويركز عليه، ولا يكون أخطبوطاً مسيطراً على نصف أعمال ومهام الدولة لمجرد أنه مسيطر على الجانب المالي، والمال مصدر القوة كما يقال.
6 -  المليارات التي نهبها بعض من تم تغييرهم وكانت مناصبهم هي العائق الأول في إحالتهم للمحاكمة، حيث ينص القانون على أن ذوي المناصب العليا يحالون للمحاكمة بناء على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب أو توجيهات رئيس الجمهورية، وذلك أدى إلى عرقلة محاكمتهم واستعادة الأموال المنهوبة؛ لكن الآن فقدوا مناصبهم، وبالتالي فقدوا حصانتهم، ولا نريد أن نسمع جملة "ارحل بفسادك"، فهذا سيشجع ضعاف النفوس ولا بد أن يكونوا عبرة لكل من قد تسول له نفسه.
7 - التخريب والتدمير الممنهج الذي حدث من قبل بعض من تمت إزاحتهم يجب أن يتم معالجته، لاسيما عمليات التخريب ذات الأضرار المستمرة والدائمة، وهي كثيرة، وبالإمكان حصرها ومعالجة آثارها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر آثار التعديلات القانونية لقانوني الضرائب والجمارك، وكذا آثار قانون المنطقة الصناعية بالحديدة، وإجراءات تم من خلالها الإعفاء من رسوم قانونية لا تشكل أي عبئ على المواطن... الخ.
8 - من المعروف أن العمل الأهم بالنسبة للوزارات يتمركز في هيئاتها ومؤسساتها وصناديقها وشركاتها، وبالتالي على كل وزير أن يغير الفاشلين والفاسدين ويستبدل بهم مَن يتمتعون بالكفاءة والنزاهة، ولا بأس أن تكون كفاءة رئيس الهيئة أو المؤسسة أو الشركة أكثر كفاءة من الوزير نفسه، فهناك مناصب تريد مؤهلات معينة ليكون النجاح حليف المرفق.
9 - لا بد من وضع حد للتدخلات السلبية في عمل الوزراء ومن تحت إدارتهم، وتفعيل العمل المؤسسي والتسلسل الإداري، ووقف الضغوط لتمرير مواضيع فيها فساد أو فشل بأي شكل من الأشكال، بمعنى أننا نريد أن نشهد انتهاء مرحلة تبعية الوزراء للنافذين، وبدء مرحلة تبعيتهم للوطن وللقانون فقط، وتلقيهم توجيهات ممن يحق له توجيههم بعيدا عن سياسة العصا والجزرة، بل إنه حتى لو كانت التوجيهات صادرة من مكانها الطبيعي، وهي توجيهات ستؤدي إلى فساد أو ضرر، فلا يجب تنفيذها.
10 - كانت اسمها "حكومة كفاءات"، وفجأة تغير الاسم إلى "تغيير وبناء"، ومع تغير الاسم تغيرت معايير الانتقاء، وهذا ناتج أولا عن مشورات ضيقة الأفق، وثانيا بهدف ضرب مصداقية السيد القائد، بحيث يقول الناس: هل هذا هو الوعد؟! هل هؤلاء هم أفضل من لديكم؟! وتحدث نكسة أخرى كما حدثت سابقا بسبب الفجوة بين تسمية الحكومة السابقة (إنقاذ) وأثرها على الواقع. وبالتالي اجعلوها فعلا "تغيير وبناء" بالقدر الممكن والمستطاع، ولربما يكون هذا هو الاختبار الأخير لتكوين فكرة لدى العامة عن مدى قدرة الأنصار على إدارة البلاد.
والله الموفق والمستعان.

أترك تعليقاً

التعليقات