خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -

لا جديد في برنامج «الغداء الأخير»، والموضوع ليس أكثر من تحريك ملفات للتشويش وإحداث ضجة ضد خصوم قطر ومحاولة لتبرئة بعض مواليها من جريمة الاغتيال.
ولا داعي للمطالبة بالقبض على الحاوري والتحقيق معه لأن معلومة تواجده أثناء عملية الاغتيال مثله مثل بقية المتواجدين، ليست بجديدة ليتم القبض عليه.
وأعتقد بأن تعيينه مستشاراً للمجلس السياسي كان مقابل تعاونه وشهادته التي كتمها منذ 4 عقود، كما أن هناك حديثاً عن وصول فيديو يوثق الجريمة الى أيادٍ آمنة، لكنها ليست كالأيادي التي سماها أحد قتلة الحمدي بالآمنة.
ما أستغربه سواء في كل القصص التي سمعتها أو التحليلات وحتى في الفيلم الوثائقي، أنه لم يذكر أحد علاقة الكيان الصهيوني باغتيال الحمدي، ولم يتطرق أحد الى احتمالية ذلك رغم أن اغتياله جاء بعد عقد قمة البحر الأحمر في تعز، وقبل عقد القمة الثانية المعنية بنفس الشأن، وهو أمن البحر الأحمر، بالتنسيق مع الشطر الجنوبي لليمن آنذاك والدول الأفريقية المطلة على البحر. 
وكان المؤتمر بمثابة كابوس بالنسبة لدول العدوان الثلاثي على مصر وبمقدمتها الكيان الصهيوني الذي عانى من إغلاق مضيق باب المندب أمام السفن والبارجات الإسرائيلية في حرب أكتوبر 73، وكانت المرة الأولى والأخيرة حتى هذه اللحظة التي يتم فيها إغلاق المضيق كورقة ضغط اقتصادي على أمريكا وبريطانيا وفرنسا والكيان، وفي نفس الوقت أداة عسكرية قوية ضد بوارج الصهاينة القادمة من ميناء إيلات، فكانت مخاوف الكيان الصهيوني من سيطرة قوة مناوئة له على المضيق ليست مقتصرة على حصاره تجارياً فقط، وإنما لأن المضيق هو المنفذ البحري الوحيد للكيان عبر ميناء إيلات الى البحر الأحمر، وبالتالي يعد المضيق عائقاً كبيراً أمام البوارج العسكرية الصهيونية في حال نشوب أية حرب، لذلك سعى الكيان الى تأمين المضيق بما يطمئنه، فكانت الخطوة الأولى نحو التأمين هي اغتيال الحمدي وتنصيب قتلته على الحكم، وبهذا ضمن الكيان الصهيوني عدم تكرار استخدام المضيق ضده مهما كان الأمر، ولهذا استمر مضيق باب المندب منسياً ومهملاً ولا يستخدم إلا في تهريب الخمور والسلاح والمخدرات، كما استمرت قضية اغتيال الحمدي طي الكتمان إلا في قلوب محبيه، ولم يتم الحديث عنها علناً إلا بعد إسقاط حكم النظام السابق.
أما عما جاءت به «الجزيرة»، فلم يكن مكتمل الأوجه والأركان بقدر ما كان تبرئة لبعض عناصر قطر الإخوانية المتورطة في الاغتيال، وصرف النظر عن دور الكيان الصهيوني الذي لم يتطرق البرنامج له والتخفيف من الدور الأمريكي، البريطاني، الفرنسي.
وبالنسبة لتورط الصهاينة فلا يعني عدم ضلوع السعودية في اغتيال الرئيس الشهيد، فمصلحة السعودية في اغتياله اجتمعت مع مصلحة بقية الدول المتورطة، إلا أن مصلحة السعودية باغتيال الحمدي لم تكن مقتصرة على إمكانية إغلاق المضيق أمام صادراتها النفطية فقط، بل تجاوزت ذلك برغبتها بإزاحته عن كرسي رئاسة اليمن نظراً لعدم رضوخه وركوعه لها، وهو ما اتضح من خلال زيارته الأخيرة للسعودية التي عبر عنها الرئيس الشهيد بأنها كانت زيارة مخيبة للآمال، لأن السعودية لم تكن ترغب بإقامة علاقات مع اليمن قائمة على الاحترام المتبادل، وإنما علاقة سيد وعبد تابع، وهو الشيء الذي لم يوافق عليه الحمدي. وما زاد من قلق السعودية هو التوجه الجاد للحمدي نحو بناء دولة مؤسسات ذات طابع مدني، وتبنيه برنامجاً تنموياً اقتصادياً، كما أن خطواته نحو تحقيق الوحدة مع الشطر الجنوبي كانت مدروسة بعناية ومتدرجة، وبدأت بتوحيد مادة تاريخ اليمن في المنهج الدراسي، والتعاون المشترك بين الشطرين بما يخلق وحدة ثقافية ومجتمعية شعبية واقتصادية وسياسية قبل الوحدة الجغرافية، وبهذا تكون وحدة قائمة على أساس متين وقوي ومعايير صحيحة، وليست قائمة على مطامع استحواذية وتوسع نفوذ وسيطرة طرف على آخر.
وفي الأخير، من يريد أن يعرف أكثر عن قضية اغتيال إبراهيم الحمدي، فلينظر الى واقعنا اليوم ونحن نتعرض لأبشع عدوان وجرائم عرفتها البشرية باستخدام عملاء محليين منهم المأجور ومنهم الموعود بالسلطة ومنهم المتعصب مغسول الدماغ، وذلك بتمويل من دول الجوار التي لا تريد لليمن الخير، وبإشراف ورعاية أمريكا وبريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني، وبتواطؤ كل من له مصلحة في تدمير اليمن وتقسيمه والسيطرة على منافذه البحرية والاستحواذ على ثرواته، وما كان كل ذلك سيحدث لو أن الأنصار رضخوا واستجابوا لمطالب السعودية والإمارات والتحالف الغربي الصهيوني، كما استجاب قتلة الحمدي (حكام الأمس). ولا يسعنا أمام انتصارات اليوم رغم التكالب الدولي، إلا أن نحمد الله ونشكره كثيراً، ونتفاءل بيمن جديد مستقل وخالٍ من التبعية، ومستقبل مشرق بإذن الله.


أترك تعليقاً

التعليقات