خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -

من أراد أن يصلح جميع المرافق الحكومية فليصلح حال شركة كمران؛ ليس لأنها شركة رائدة وعملاقة وتمثل إحدى أهم الجهات الرافدة لخزينة الدولة فقط، بل لأنها جمعت بين كل جوانب الفساد المالي والإداري، فكل ما يمكن أن تتخيلوه من فشل وفساد يحدث في هذه الشركة.
الموضوع هنا يشبه إصابة أحدهم بجميع الأمراض والأوبئة. لا أعرف من أين أبدأ وبماذا أختم، فوضع الشركة بات تحت الصفر، ولم يعد بالإمكان دفع مرتبات موظفي الشركة، والمصنع مغلق، والإنتاج متوقف، بعد أن تعرضت الشركة لكمٍّ هائل من التدمير الممنهج والمدروس، وكأن ذلك تم تنفيذا لسياسة تجفيف الموارد المالية التي يمارسها العدوان كجزء من الحرب الاقتصادية. والمصيبة أن ذلك يتم على يد رئيس مجلس إدارة الشركة المعين من المجلس السياسي الأعلى، والذي كانت مسألة تعيينه هي المخالفة الأولى، وجاءت بعدها بقية المخالفات الجسيمة، حيث ينص قانون الشركة على أن أعضاء مجلس الإدارة هم من يرشحون رئيس مجلس الإدارة، وبناء عليه يصدر القرار الرئاسي، ولهذا لم يجتمع مجلس الإدارة مع قيادة الشركة يوما، نتيجة رفضهم لقرار تعيينها، ومع ذلك فلا شك أنهم يتحملون جزءاً من المسؤولية، لأنهم لم يرفعوا بتقرير عن وضع الشركة وما آلت إليه، وعن ممارسات قيادة الشركة. ولأنهم صمتوا وجدتها قيادة الشركة فرصة لاتهامهم وتحميلهم مسؤولية ما حدث للشركة، بينما كانت هي الآمر الناهي بشكل فردي منذ تعيينها وما زالت كذلك حتى اليوم.
الجدير بالذكر هنا أن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة حاول أكثر من مرة إجراء عملية فحص مالي، لاسيما في ظل عدم قيام الشركة بإغلاق الحسابات السنوية، وعدم تسليمها للحسابات الختامية للأعوام السابقة، إلا أنه يتم رفض لجنة الجهاز، باعتبارها شركة مساهمة ولا تمتلك الحكومة فيها ما يزيد عن 50%، وهذا ما تتفاخر به قيادة الشركة باستمرار أمام موظفي الشركة وتردد عبارة: "احمدوا الله، ما بش علينا أي رقابة"، ولو كان لديها أدنى مستوى للثقة بأن أعمالها وإجراءاتها قانونية وسليمة لسمحت لـ20 لجنة بالفحص والمراجعة، حتى لو كان يحق لها قانونا رفضهم، فـ"واثق الخطوة يمشي ملكا"، كما يُقال.
قد يتساءل البعض عن دور الشريك المساهم (بيت هائل)، فلا تستغربوا إن قلت لكم إنهم جزء من الخراب والدمار الذي حل بالشركة، فانهيار "كمران" حتما سيؤدي إلى انتعاش شركة "روثمان" المنافسة لها، لذا عندما انعدمت سيجارة كمران انخفض سعر الروثمان، في بادرة فريدة من نوعها، وكأنها عملية تسويق للبديل. وفي هذا الجانب يكفي أن تعرفوا أن الأخ نبيل هائل تبنى تجهيز محضر يقضي بفصل الشركة في صنعاء عنها في عدن، تحت إشرافه، ووقعته قيادة الشركة باعتباره حلاً لوضع الشركة، بينما هو إجراء كارثي. والغريب أن قيادة الشركة لم تقم بإحالة المحضر إلى الشؤون القانونية لدراسته والرفع بالرأي كما ينبغي، بل وقعته سريعا وكأنهم متفقون على توقيعه مسبقا.
أول مخالفة تمت عند تولي قيادة الشركة كان تسريب وثائق ونشرها، على اعتبار أن ذلك سيساهم في فضح السابقين. والغريب هنا هو أن قيادة الشركة موقعة على كل تلك الأوراق بصفة مدير عام الشؤون المالية والإدارية، ولا يمكن أن يتم أي شيء إلا بموافقته، لكن رئيس مجلس الإدارة استغل عدم كتابة اسمه خطيا وجهل الآخرين بأنه كان المسؤول الثاني في الشركة. وتساءلت عما يؤكد تورط قيادة الشركة بتسريب بعض الوثائق، فأجابني بعض موظفي الشركة بأن المعاملات لا تمر بشكل يدوي عن طريق المستفيدين، وإنما عن طريق موظف يتبع رئيس مجلس الإدارة وبعدها تؤرشف في خزنة مغلقة، فمن الذي يمكنه تسريبها إن لم يكن بضوء أخضر من رأس الهرم؟!
عموما، سعت قيادة الشركة ولا تزال تسعى كثيرا لإيهام الدولة والحكومة بأنها تسلمت الشركة ووضعها في الحضيض وتحت الصفر، بينما في حقيقة الأمر أنها استلمتها وهي في وضع لا بأس به. ولكم أن تتخيلوا أن النقدية المتوفرة في الخزينة يوم استلام قيادة الشركة للعمل (رئيس مجلس الإدارة) كانت 7 مليارات ريال يمني، ناهيكم عن النقدية من بضائع ومواد خام وأرصدة بنكية والتي تتجاوز 25 مليار ريال!!
ما أثار انتباهي هو أن قيادة الشركة لم تنتظر بعد استشهاد الرئيس الصماد (سلام الله عليه) 24 ساعة لتبادر بمخاطبة الدنبوع بـ"فخامة الأخ رئيس الجمهورية"، والتزمت لشرعية الفنادق بدفع كل الضرائب والرسوم، لتدخل قائمة العملاء المزدوجين (لفتح خطين)، وعملاً بالمثل القائل: "من تزوج أمنا كان عمنا". وصحيح أنها لم توقع المذكرة، لكنها كلفت أحد كبار الموظفين بتوقيعها بدلا عنها، وختمها بختم الشركة. وقد يقول البعض بأن هذا تصرف جيد في إطار تجنيب الشركة الصراع، لكن لم يكن من اللائق مخاطبة رأس الخيانة فور استشهاد الصماد. كما أن لقيادة الشركة تصريحات نارية عبر الإعلام الحربي، فكيف خاطبت دنبوعهم من جانب وهددت مرتزقتهم في الميدان من جانب آخر؟! وكأنها تجر الشركة إلى ما لا تحمد عقباه!
قيادة الشركة، التي يمكن أن نسميها "أداة التدمير الذاتي"، وجهت بصرف مبلغ 300 ألف دولار للجنة عدن المكلفة بحل إشكاليات الشركة، بينما لا تعير المكلفين من صنعاء أي اهتمام، ولا تعمل بمقترحاتهم ورؤاهم، بل إنها صرفت لنفسها 6 ملايين ريال مقابل الحصول على تخفيض من غرامات التأخير، ولا أعرف كيف يمكن السماح والتوجيه بصرف مكافأة بإجمالي 15 مليون ريال مقابل حصول الشركة على تخفيض! يعني خفضت مبلغ لـ"تلهفه" مع شلة الأنس المكررين في كل كشف وكل مكافأة!
وهي مجرد عينة بسيطة، إضافة إلى غيرها من المكافآت بمئات الملايين، وكأن الشركة تعيش حالة بحبوبة ووصلت إلى قمة الازدهار والنجاح!
أما بالنسبة للمرتب الأساسي فقد خصصت قيادة الشركة لنفسها راتبين شهريا: الأول: 750 ألف ريال، وهو المرتب الذي كان يستلمه مدير عام الشؤون المالية والإدارية في الشركة. والثاني: راتب جديد لرئيس مجلس الإدارة، ويبلغ مليونين و500 ألف ريال. وهذا لا يعني ازدواجاً في الأجور وفساداً وتبذيراً ونهباً فقط، وإنما أيضا مخالفة لقانون الشركة الذي ينص على أن راتب رئيس وأعضاء مجلس الإدارة هو نسبة من الأرباح، لكنها تعلم جيدا أنها ستدمر الشركة ولن تجعل لها أي أرباح، فخصصت لنفسها راتبين بالتجاوز والمخالفة.
الغريب الذي لاحظته هو تشابه الأسلوب بينها وبين غيرها من أدوات التدمير الذاتي المدعومة من بعض كبار رجال الدولة، مما يوحي بأنها سلوكيات تم إملاؤها عليهم من الداعم الرئيسي لهم.
فعلى سبيل المثال لا الحصر: ممارسة أسلوب ترهيب الموظفين وبث الرعب في قلوبهم والتجسس عليهم من خلال مراقبة هواتفهم وتركيب كاميرات مراقبة في المكاتب والطواريد مزودة بأجهزة صوتية، وبناء على ما يفعلونه يتم اتخاذ الإجراءات الإدارية، وليس بناء على العمل والإنجاز، فما تقوله أو تمارسه في إطار حياتك اليومية حتى لو كان مجرد إعجاب بمنشور في الفيسبوك يشكل بالنسبة لقيادة الشركة التقرير الأهم والركيزة الأولى لاتخاذ القرارات. وعلى هذا الأساس قامت بفصل عدة أشخاص، أحدهم عضو نقابة، وأقصت آخرين وجمدت ونفّرت بقية الكفاءات الوطنية. وفي المقابل مكنت بعض أصحاب السوابق من إدارة الشركة وأغلب فروعها مقابل قليل من التطبيل ومدحها في منشورات فيسبوكية أو الدفاع عنها، وأن مسألة الحديث عن فسادها وفشلها استهداف شخصي، بينما الحقيقة أن الموضوع بما فيه محاولة للتصحيح والتصويب. فأنا مثلا لا أعرف قيادة الشركة ولست مدفوعاً من أحد للحديث عنها ولا تجمعني بها أي مصلحة، لكن وصلت إلى يدي وثائق يستحيل أن أتجاهلها، ولا بد من التعامل مع ما سمعته وقرأته وعرفته، كمواطن صالح يمارس النقد البناء.
لم تكن الكفاءات مستهدفة بشكل شخصي، وإنما كجزء من البرنامج التدميري الذي سيقود الشركة إلى الانهيار والسقوط.
ويبدو أن الداعم لهذه الأدوات التدميرية يعمل على حجب كل تقارير فسادهم وفشلهم حتى لا تصل إلى رئيس "السياسي الأعلى". وأقول هذا لأنني على علم واطلاع برفع عدة تقارير بشأن سقوط وانهيار قريب للشركة.
وفي إطار تدمير الملحقات الاستثمارية للشركة قامت قيادة الشركة بسحب مبلغ 2.5 مليون دولار من شركة "ميون" للمياه، وهي مرفق استثماري تابع لشركة كمران، مما أدى إلى إغلاق "ميون" نهائيا، مع العلم بأن المبلغ تم سحبه بالدولار وصرفه بسعر السوق السوداء وتدوينه كمديونية لـ"ميون" بالسعر الرسمي، بمعنى حرمان "ميون" من فارق الصرف أو اعادة المبلغ بالدولار كما تم سحبه. ومع هذا ليت المبلغ استخدم في الغرض الذي تم سحبه لأجله (إخراج حاويات المواد الخام المحتجزة في ميناء عدن) فلم يخرج إلا 38 حاوية من بين 200 حاوية (آنذاك).
قد يتساءل البعض عن دور العدوان في تدمير الشركة، ولماذا لم أتحدث عن هذا الدور بهذا المقال؟
لا شك أن للعدوان دوراً بارزاً وأساسياً في تدمير الشركة، سواء من خلال احتجاز المواد الخام في ميناء جدة ولاحقا في ميناء عدن، أم من خلال إجراءات أخرى في إطار الحرب الاقتصادية التي يتعرض لها قطاع الاتصالات وكل القطاعات الإيرادية، لكننا هنا نتحدث عن إخفاقات حكومتنا لتسليط الضوء ولفت الانتباه لوجود خلل في مرافق حيوية ومهمة تعاني حاليا من تدهور وانهيار، وبالإمكان تداركها ومعالجتها قبل فوات الأوان، والبداية تكون بتغيير قيادة الشركة بشكل قانوني (من خلال ترشيح أعضاء مجلس الإدارة)، ثم دعم الشركة ماليا حتى تقف على قدميها وتنهض من جديد وتتمكن من تسديد التزاماتها وتحقيق الأرباح كما كانت وأفضل مما كانت بإذن الله إذا توفرت نوايا طيبة.
ما قرأتموه هنا غيض من فيض، وفي المقال القادم سنحاول الإجابة على عدة تساؤلات، مثل: ما هو الوضع المالي للشركة حاليا؟ ومن هم الأشخاص المستفيدون داخل وخارج الشركة؟ وما دور تجار السجائر المهربة في تدمير الشركة؟
والجزء الأهم هو توضيح أسباب تجاهل كبار رجالات الدولة لهذا التدمير الممنهج، وكيف تم منح الشركة تأجيلاً من دفع الضرائب المستحقة عليها؟ وهو أمر لم يحدث من قبل منذ تأسست الشركة، ومع ذلك تم نهب وتبذير عشرات المليارات لشراء الذمم وتكميم الأفواه وكسب الولاءات الشخصية، ولضمان استمرار وبقاء قيادة الشركة.
كل ذلك وأكثر سيكون بين يدي سيدي قائد الثورة سلام الله عليه وبين يديكم في المقال القادم، ولن يحول بيننا وبين النشر إلا المضي في التصحيح الفعلي بإذن الله تعالى، لاسيما وكل ما ذكر وسيذكر موثق وصحيح بكل مصداقية وحرص وأمانة، وغرضنا منه التصحيح وليس التشويه. ترقبوا، فللحديث بقية.

أترك تعليقاً

التعليقات