حكاية السيد اليماني
 

خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -
لو كانت ما تسمى «الشرعية» هي التي تحكمنا اليوم لما استخدمت خط الملاحة لنصرة فلسطين، بل لحدث العكس تماماً كما كان يحدث سابقا؛ بينما لم تعد انتهاكات العدو بحق فلسطين الأرض والإنسان تمر دون موقف يمني قوي ومؤثر، ولم تعد مياه اليمن مباحة لسفن الكيان الصهيوني والسفن المتوجهة إليه، وهذا يشكل حصاراً اقتصادياً وعسكرياً مؤثراً، وقد بدت نتائج وثمار الموقف من خلال ما حدث من اتفاق بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وما كان ليحدث لو أن المقاومة كانت ضعيفة كما كانت، ولو أن العدو يمتلك مفتاح مضيق باب المندب ويسيطر على السلطة وقرارها السياسي كما كان في حقبة التبعية؛ فكيف حدث هذا التحول الكبير؟
هيأت قوى الشر والظلام العالمي لتبعية اليمن لها تهيئة فكرية/ ثقافية واقتصادية، وحرصت على تمكين سلطة موالية لها في اليمن وفق «صناعة الحكام».
أما عن الغاية من التبعية فهي نهب الثروة اليمنية والاستحواذ والتحكم بأهم المواقع الاستراتيجية.
وإذا أخذنا مضيق باب المندب كمثال لأهم المواقع الاستراتيجية التي عمل العدو على التحكم بها فسنلاحظ أن المطلوب هو ممر آمن؛ وليس الأمن المعني هنا هو المرور الآمن للسفن التجارية، فهي تمر بكل أمان ولا اعتراض على ذلك، وإنما آمن لبوارج وسفن الكيان الصهيوني، بحيث لا يتكرر ما حدث في حرب أكتوبر 1973 عندما أغلق اليمن المضيق في وجه الملاحة البحرية للكيان وداعميه، وشكل ذلك حصاراً اقتصادياً وعسكرياً، فكان سبباً رئيساً في هزيمة الكيان. يريدونه آمناً لأمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني وقوى الشر والظلام قاطبة، وليس لتجارتهم فحسب، فهي آمنة وفق القوانين الدولية التي يحترمها الأنصار ويعملون بها، وإنما لضمان تنفيذ مؤامراتهم وخططهم للسيطرة والتحكم بخطوط الملاحة العالمية دون اعتراض من السلطة الحاكمة، ولضمان عدم استخدام المضيق كانعكاس لأي موقف إنساني وديني مناهض لأعداء الإنسانية.
كان كل شيء يسير على ما يرام في اليمن، وفجأة اختلف الخونة الذين كانوا يحكمون، بشقيهم (الحاكم ومن معه، والمعارضة الصورية ومن معها)، وكان خلافهم على تقسيم الكعكة، بعد أن «كبرت العيال»، وبات أحمد وحميد يتنافسان على نهب أموال وثروات اليمن، وبعد أن وجد علي محسن نفسه فجأة خارج الحسبة، وانتقض الاتفاق المنعقد قبل عقود بتوليه السلطة بعد رفيقه، اختلفوا بعد أن جعلوا من الشعب اليمني أفقر شعب يعيش على أغنى بقعة في الأرض.
هذا الاختلاف كان سبباً لحدوث ما لم يكن في البال أو الحسبان. ولن أقول بأن مخلصي الأنصار كانوا بمثابة الرياح العاتية المفاجئة، التي لا ترغب السفن بقدومها، فلدى الكيان معلومات عنهم منذ ظهورهم، وأجزم بأنهم تعرضوا لمحاولات اختراق منذ ذلك الحين. ولأن أمريكا والكيان والقوى الطامعة باليمن يدركون أن مخلصي الأنصار مجموعة غير قابلة للانقياد؛ لا عبر لَيّ الذراع ولا بالترغيب، ويدركون خطرهم على مصالحهم اللامشروعة، وجهوا النظام السابق بشن الحروب الست على صعدة، وقبلها غرسوا مجموعة من الأسر الصهاينة في أوساط الشعب اليمني ومنحتهم السلطات حينها الجنسية وأوصلتهم إلى مناصب عليا، وهؤلاء لم يتم غرسهم وتمكينهم عبثاً، وإنما لتنفيذ مهمة جنباً إلى جنب مع أعضاء ما كانت تسمى «اللجنة الخاصة»، الذين كانوا يتقاضون مخصصات شهرية من السعودية، مهمة حقيرة تتمثل في ضمان استمرار إفقار اليمن وتجهيل شعبه وعدم استثمار موارده وعدم وصوله إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي أو حتى الاقتراب منها، ولاستمرار الاتكالية، وبالتالي عدم استقلال قراره السياسي، واستمرار التبعية. ورغم كل محاولات الاختراق والاجتثاث إلا أن حكمة الله ماضية.
المعضلة لدى العدو في ظهور المسيرة القرآنية بشكل عام، وتمكين السيد اليماني بشكل خاص كانت متعددة، وذلك على النحو التالي:
أولاً: على النقيض من الموقف الأمريكي الغربي الذي زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية والإسلامية، ويعتبر استمرار وجوده مسألة أمن قومي، فإن المسيرة القرآنية تعتبر القضية الفلسطينية أساسية ومركزية ومبدأ لا تنازل عنه، وترى في القضية الفلسطينية بوصلة للنصر، وتعتبر الكيان الصهيوني عدوّاً أزلياً يجب اجتثاثه.
ثانياً: يؤمن السيد اليماني بضرورة الوصول إلى مرحلة التمكين، وهي المرحلة التي تكون فيها الدولة قادرة على مقاومة الأعداء الطامعين في نهب ثرواتها والاستيلاء على أهم مواقعها الاستراتيجية. هذا القائد اليماني لم يكتفِ بالدعاء كما كان يفعل سابقوه، فالقوات اليمنية بدأت البناء والتطور من تحت الصفر، ووصلت إلى مرحلة اللاعودة، وباتت أسلحة اليمن تشكل رعباً للعدو المتكتل.
ثالثاً: الشيء المرعب للعدو في هذه المسيرة القرآنية كونها تعمل على تصحيح الثقافات المغلوطة التي ترسخت في أذهان المجتمعات بفعل الغزو الفكري والتزوير والتدليس الذي انتهجه أعداء الإسلام والإنسانية وكل ما من شأنه تشويه ديننا الحنيف وإضعاف وتشتيت الأمة المحمدية لإخضاعها وتركيعها.
مسيرة عملت على التصحيح الديني لمغالطات مدسوسة على مدى أكثر من قرن، وهو تصحيح أظهر الإسلام بصورته الحقيقية، بعد أن اقترب الأعداء من النجاح في إظهار الإسلام بصورة مشوهة. وكان المسلمون منقسمين ما بين ضعيف ينتظر الفرج والنصر دون العمل بالأسباب، وخانع ذليل أو «إرهابي» مغسول الدماغ، فجاءت المسيرة بقائدها الشهيد حسين بدر الدين الحوثي موضحاً الدسائس والمؤامرات من ناحية، ومن ناحية أخرى الدين الحق الذي يجب العمل به، وهنا تبددت نتائج التزوير والتدليس، وتبدد معها حصاد الغزو الفكري ومحاولات شيطنة الحق وأتباعه، وظهر الدين بشكله الحقيقي، دين الحق، دين نصرة المظلوم، دين مواجهة الطغاة والظلمة والجبابرة، دين الرحمة والتسامح، وليس الذبح والقتل والسبي، دين النزاهة والشرف والعزة والعظمة والكرامة (بغض النظر عن بعض أعمال وتصرفات المزريين من الأنصار، سواء كانوا من المدسوسين أم المنحرفين عن المسار بعد أن استسلموا لشهواتهم ولملذات الدنيا الفانية).
رابعاً: كان لقائد الثورة، سيد الجهاد والمقاومة، عبدالملك بدر الدين الحوثي، موقف ثابت من الحق خارج كل الحسابات، وارتباط وثيق بالله القوي المتين، وكان صاحب قرار شجاع، وتصرف بما لم يجرؤ عليه غيره، حيث إن لدى الآخرين حسابات وأسقفاً ومحاذير تجعلهم يترددون في اتخاذ قرار المواجهة المباشرة مع الشيطان، بينما كان السيد اليماني جريئاً ومقداماً في اتخاذ القرار، وهذا لا يعني أنه لا يحسب لردود الأفعال، بل على العكس، يحسب لها ألف حساب؛ لكنه أولاً: أعد العدة بعد التوكل على الله، وثانياً: تدرج في المواقف لمعركة النفس الطويل وبدون تهور غير محسوب العواقب، ثم اتخذ قراره دون تردد بكل شجاعة وجرأة، فكانت قراراته قرارات القائد الحكيم والشجاع المتوكل على الله، ولربما كانت هذه هي الحلقة المفقودة لدى كل من يرفض الغطرسة الأمريكية، حيث لا تهور غير مدروس ولا تأجيل لموقف فعلي لا يحتمل التأجيل.
ومع التكالب العالمي والتفرد اليمني في المواجهة بسبب الحصار والعزلة والبعد الجغرافي عن أي دولة يمكن أن تدعم لوجستياً، إلا أن حكمة الله ماضية، وراية اليماني لن تزول.

أترك تعليقاً

التعليقات