السلطة مغرم لا مغنم!
 

راسل القرشي

راسل القرشي / #لا_ميديا -

كثيراً ما نسمع من السياسيين عبارة "السلطة مغرم وليست مغنما"، وأكثر ما نسمعها عندما يكون هؤلاء الساسة بعيدين عن تحمل المسؤولية ولا يتقلدون أي منصب سياسي.
هذه العبارة تعني أن السلطة والحكم ليس غنيمة أو مكسباً لو كان الهدف هو خدمة الشعب.. ولكن هناك من يسعى وراء الكرسي ليس من منطلق الولاء للوطن والعمل من أجل الشعب وخدمته بكل الصدق والمسؤولية، وإنما من منطلق الكسب غير المشروع وممارسة الفساد، ليعكس هذه المقولة رأساً على عقب وتتحول السلطة في مفهومه إلى مغنم..!
كثير من المسؤولين، وخاصة في مجتمعاتنا العربية، يمارسون السلطة من منطلق أنها مغنم وفرصة سانحة للهبر والكسب غير المشروع وتنمية الأرباح والمكاسب، وهذه الممارسة تؤدي إلى بروز الفساد في هذه المؤسسة أو تلك، ليصبح الفساد السمة الرئيسية التي تميزها والآفة التي سرعان ما تنتشر لتعم كل مؤسسات الدولة، الأمر الذي يولد غضباً شعبياً يقود في النهاية إلى خلق الانتفاضات والثورات المطالبة بمحاربة الفساد ومحاسبة كل الفاسدين، والانتصار لسلطة الدولة والنظام والقانون.. وقد يصل الغضب الشعبي ونتيجة غياب المحاسبة وعدم التفاعل أو التجاوب مع مطالب الشعب، إلى المطالبة برحيل النظام وكل رموزه.
الفساد هو الآفة التي تعاني منها المجتمعات العربية، ولولا الفساد المستشري الذي تسبب بتجويع الشعوب وزيادة الأعباء المعيشية والحياتية عليه، لما خرجت الشعوب العربية في بعض البلدان إلى الشارع.
قد تكون هناك دوافع أخرى وراء هذا الخروج، وترتبط بالسياسيين المدعومين من الخارج تحت مبررات غياب الديمقراطية وتسيّد الطائفية على طبيعة النظام الحاكم.. وأنا هنا لا تعنيني تلك الدوافع بقدر ما يعنيني الحديث عن الفساد كآفة حقيقية سببت الأوجاع والآلام للشعوب العربية بالتوازي مع انعدام الإجراءات الرقابية والمحاسبية.. وإن وجدت لا تعدو عن كونها صورية وشكلية، لا تسمن ولا تغني من جوع..!
ذهبت الكثير من الأنظمة العربية، وخوفاً من ردة فعل شعوبها نتيجة استشراء الفساد الممارس في أجهزتها ومؤسساتها، صوب إنشاء الهيئات المهتمة بمكافحة ومحاربة الفساد وسط انعدام كلي لدور البرلمانات العربية التي تعد "الرقابة والمحاسبة" من صميم أعمالها، إضافة لوجود أجهزة مركزية للرقابة والمحاسبة، ولكن كل تلك الأجهزة بدت - كما قلت سابقا - شكلية وصورية ولا يُعمل بقراراتها ونتائج ما تقوم به من رقابة ومحاسبة..!
إن محاربة الفساد لا تستدعي إنشاء أجهزة أو مؤسسات تعنى بالمكافحة والمحاربة لهذه الآفة ومحاسبة رموزها بقدر ما تحتاج إلى شخصيات تستشعر مسؤولياتها وتؤمن بحقيقة مقولة "السلطة مغرم وليست مغنما".. إضافة إلى التفعيل الحقيقي للأجهزة الرقابية والمحاسبية الموجودة، وأيضاً تفعيل الدور التشريعي والرقابي الذي يقع على البرلمانات بصفتها السلطة الأولى التي اختارها الشعب عبر انتخاب أعضائها ليس للسكوت أو الصمت عن كل ممارسات الفساد التي ترتكبها السلطات التنفيذية (الحكومية والمحلية)، وإنما لإنهاء تلك الممارسات وإيجاد تشريعات صارمة تحرم وتجرم وتحاسب كل من يعتدي على المال العام أو يتسبب في معاناة الشعوب العربية في أي بلد كان..!
إن محاربة الفساد تتطلب إرادة وعزيمة حقيقية نابعة من رأس الهرم في النظام السياسي ومن كل المسؤولين الذين يتولون مواقع المسؤولية في أي جهاز أو مؤسسة حكومية؛ وما دون ذلك فليس سوى ظاهرة صوتية هدفها الأساسي الضحك على الشعوب..!
والأهم في مسألة محاربة ومكافحة الفساد أن تسبقها عدالة ومساواة بين جميع أبناء الشعب باعتبارها أساس مكافحة الفساد والرشوة وكل صور وأشكال السلبيات الأخرى، بالإضافة إلى توافر الإرادة الحقيقية لدى قادة النظام السياسي للتوجه الجاد والمسؤول صوب محاربة الفساد وإنهاء كل صوره وأشكاله ورموزه.
ودون كل ذلك لا يمكن أن يتحقق شيء في هذا الإطار، وستبقى الشعوب العربية هي الضحية وهي المتضررة من القيادات والمسؤولين الذين يحولون السلطة إلى مغنم، ويصرون على السير بهذا النهج دون مبالاة ودون حياء!

أترك تعليقاً

التعليقات