العرب ومصارعة طواحين الهواء!
- راسل القرشي الخميس , 3 يـنـاير , 2019 الساعة 4:21:06 PM
- 0 تعليقات
راسل القرشي
بعد مرور 8 سنوات على ما يسمونها الثورة التونسية، أين هي تونس اليوم؟ وهل تجاوزت بثورتها مجمل الإشكالات التي أشعل الشعب التونسي ثورته من أجلها..؟!
8 سنوات من هذه الثورة، ولا زال التونسيون يعيشون نفس الأوضاع التي عاشوها في ظل نظام بن علي..؛ لم يتغير شيء، وقد يكون الوضع اليوم أسوأ من السابق..
المصور التونسي عبدالرزاق رزقي الذي يعمل في قناة تلفزيونية خاصة، أقدم الثلاثاء الماضي على إضرام النار في جسده وسط (ساحة الشهداء) بمحافظة القصرين التونسية، احتجاجاً على وضعه الاجتماعي، كما تناقلت وسائل الإعلام المختلفة.. ليُذكّر بالشاب محمد البوعزيزي الذي أشعل النار في جسده منتصف ديسمبر 2010م، ومثّل شرارة الثورة الشعبية التونسية ضد نظام بن علي.
أشعل الشعب التونسي ثورته بسبب العديد من المشاكل التي كان يعيشها، ولعل أهمها المشاكل الاقتصادية المتمثلة في ارتفاع نسبة البطالة وغلاء الأسعار.. فهل انعكست أهداف تلك الثورة على حياتهم ومعيشتهم؟
المتابع للأوضاع الاقتصادية والمعيشية للشعب التونسي اليوم يصل إلى نتيجة مفادها أن لا شيء تغير اقتصادياً ومعيشياً، بل قد يكون الوضع أسوأ مما كان. ونحن هنا نتحدث عن الوضع الاقتصادي الذي أشعل تلك الثورة قبل 8 سنوات.
من خلال متابعتي لبعض الكتابات الصحفية لعدد من الصحفيين التونسيين، تكون النتيجة إجمالاً لا شيء تغير، وأن الوضع بقي على حاله، بل بالعكس شهد تراجعاً، مما أضفى حالة استياء كبيرة جداً في صفوف الشعب التونسي.. وتأتي حادثة إضرام المصور التونسي عبدالرزاق رزقي النار في جسده، منتصف الأسبوع الماضي، لتؤكد على هذه النتيجة التي وصل إليها التونسيون بعد 8 سنوات من ثورتهم (الياسمينية)..
وبالتأكيد أنا هنا لست شامتاً بهذه الحالة التي ما يزال الشعب التونسي يعيشها بعد هذه الفترة من ثورته، بل أرجو من الله أن يغير حاله إلى الأفضل.. ولكن يبقى السؤال الأهم: أين أهداف تلك الثورة التي دفعت (رزقي) إلى إضرام النار في جسده، ومن قبله الكاتب نضال الغريبي الذي انتحر شنقًا بمنزله، في مارس العام الماضي، نتيجة نفس الوضع المعيشي الصعب الذي عانى منه، ومن قبلهما البوعزيزي.
أين تكمن المشكلة بالضبط..؟! إن كان نظام بن علي سيئاً ودفع الشعب للخروج بثورة ضده، فماذا نسمي النظام القائم والوضع حالياً؟!
مضت 8 سنوات وتونس لا تزال تعاني وضعاً اقتصادياً أسوأ مما كان.. والصورة الحية المبثوثة من هناك تؤكد ذلك.. إلا أنها قد تكون أحسن حالاً من بقية الدول العربية الأخرى التي شهدت نفس المشهد الذي يسمى (الثوري)، ونراها اليوم غارقة في بحر من الصراعات والحروب والدماء، ويعلم الله إلى أين ستصل..
المشكلة العربية عموماً تكمن في الوضع الاقتصادي العام، في الأوضاع المعيشية السيئة التي يقيناً لم ولن تتغير بإشعال الثورات وإضرام هذا الشخص النار في جسده، أو إقدام آخر على الانتحار، وإنما بتغير العقل العربي وزيادة الوعي الشعبي العام.
كما لم ولن يتحقق التغيير المنشود الذي تطمح إليه الشعوب العربية، بالتدخل الغربي في شؤون البلدان العربية، والمشاركة في كتابة دساتيرها وإعادة صياغة قوانينها بما يقود إلى مساواة الرجل والمرأة بالميراث(!)، وإنما برؤى وسياسات تنطلق من المصداقية في التعامل مع الواقع ومجمل الجوانب المتعلقة به، والحرص على تحمل المسؤوليات الوطنية بكل نزاهة وشرف.
لن أقول هنا انظروا إلى ماليزيا أو سنغافورا، ولكني سأقول انظروا إلى رواندا التي تحولت من المجاعة إلى سابع دولة على مستوى العالم في النمو الاقتصادي، وشهدت تغيرات جذرية ونقلة نوعية جعلتها عاصمة السياحة بالقارة السمراء، بعدما عاشته قبل حوالي 20 سنة من حروب وصراعات وإبادة.
انظروا أيضاً إلى إثيوبيا.. فهل نحن في البلدان العربية عاجزون عن تحقيق ما حققته هاتان الدولتان وغيرهما من الدول التي أصبحت اليوم من الدول الاقتصادية التي يشار لها بالبنان..؟
فرق شاسع وواسع وكبير بيننا في البلدان العربية وبين تلك الدول التي انضمت إلى دول البلدان الأكثر نمواً اقتصادياً.. فأين نحن من هؤلاء..؟
أختم هنا بفقرة آخذها من مقال كتبه رئيس الوزراء الماليزي النهضوي الحالي مهاتير محمد..
يقول مهاتير محمد: (لا بد من ضرورة توجيه الجهود والطاقات إلى الملفات الحقيقية، وهي: الفقر والبطالة والجوع والجهل، لأن الانشغال بالأيديولوجيا، ومحاولة الهيمنة على المجتمع وفرض أجندات ووصايا ثقافية وفكرية عليه، لن يقود إلا إلى مزيد من الاحتقان والتنازع. فالناس مع الجوع والفقر، لا يمكنك أن تطلب منهم بناء الوعي ونشر الثقافة).
وأضاف: (نحن المسلمين، صرفنا أوقاتاً وجهوداً كبيرة في مصارعة طواحين الهواء عبر الدخول في معارك تاريخية، مثل الصراع بين السنة والشيعة وغيرها من المعارك القديمة..).
أكتفي هنا بهذه الخاتمة، وأقول: لا عزاء لكم يا عرب إن استمررتم في مصارعة طواحين الهواء..!
المصدر راسل القرشي
زيارة جميع مقالات: راسل القرشي